من خالد الجالس (تقرير)
الكويت - 25 - 11 (كونا) -- من هواية منزلية في الكويت إلى مهنة احترافية آخذة في الترسخ يبرز الطهي مجالا واعدا ومليئا بالشغف وبقصص النجاح ليجمع الإبداع الفردي والبعد الأكاديمي ويفتح آفاقا جديدة أمام الشباب الكويتيين نحو مسارات مهنية تشق طريقها إلى العالمية.
ومن مقاعد الدراسة الأكاديمية في أرقى معاهد العالم إلى تأسيس شركات استشارية متخصصة وتطوير قوائم طعام مبتكرة ثمة الكثير من قصص النجاح المتنوعة من شأنها وضع الكويت على خريطة الطهي الاحترافي عالميا.
فالمطبخ الكويتي الذي كان يوما ما مقتصرا على وصفات تقليدية بدأ يشق طريقه حاليا نحو العالمية من خلال جهود طهاة كويتيين يميزهم المزج بين الأصالة المحلية وأساليب الطهي والرؤى الحديثة.
ويأتي هذا التحول انعكاسا لوعي متنام بأهمية الهوية الغذائية باعتبارها جزءا من الهوية الوطنية إذ يسعى الكثيرون من الطهاة إلى إبراز المطبخ الكويتي كإحدى الواجهات الحضارية القادرة على المنافسة.
وبهذا الشأن أجمع عدد من الطهاة في تصريحات متفرقة لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم الثلاثاء على أن وجود أكاديمية أو جمعية متخصصة أصبح ضرورة من أجل تأهيل الطهاة وصقل خبراتهم بما يتناسب مع متطلبات السوق المحلي والعالمي.
ولأن الطهي أكثر من مجرد إعداد وجبة بل يحمل في طياته ثقافة وهوية يرى هؤلاء في عملهم مسؤولية تتجاوز حدود المهنة إلى تمثيل البلاد في أبهى صورة وأن المستقبل يحمل فرصا واعدة إذا ما توافرت المنظومة الداعمة.
وأجمعوا على أن الطريق نحو ترسيخ مهنة الطهي كمجال أكاديمي واحترافي ما يزال في بدايته لكنه مليء بالفرص التي يمكن أن تفتح أبوابا واسعة للأجيال المقبلة فالمسألة لم تعد مجرد موهبة فردية أو تجربة شخصية بل ترتبط بمؤسسات تعليمية وتشريعات مهنية قادرة على إحداث الفارق.
وقال الشيف فيصل النشمي لـ(كونا) وهو شريك مؤسس لإحدى شركات إدارة المطاعم إنه يعمل منذ سنوات على تطوير العلامات التجارية الغذائية محليا وإن دوره يتجاوز الطهي التقليدي إلى الإشراف على العمليات والتطوير بما يخدم جودة المخرجات.
وأوضح النشمي أن مهنة الطهي في الكويت تحتاج إلى منظومة واضحة للتأهيل تسهم في تحويل المواهب الفردية إلى طاقات منتجة قادرة على الإبداع والمنافسة.
وأضاف أن التحدي الأكبر أمام الطهاة الكويتيين حاليا يتمثل في غياب التوجيه المؤسسي لذا فإن وجود جهة رسمية أو جمعية متخصصة لاحتضان الطهاة سيكون بمنزلة نقطة تحول كبرى للمهنة وهذه المظلة يمكن أن توفر التدريب وتمنح فرص العمل وتفتح آفاقا للتعاون مع القطاعين الحكومي والخاص بما يعزز من مكانة المطبخ الكويتي.
وذكر أن نجاح أي مشروع من هذا النوع يتعلق بالطهي لا يقوم فقط على الموهبة بل يحتاج إلى رؤية تجارية واضحة ومعرفة دقيقة بمتطلبات السوق واحتياجات الزبائن فالموهبة عنصر مهم لكنه لا يكتمل إلا بفهم شامل للقطاع ما يجعل الشراكات الاستراتيجية أو الخلفية التجارية جزءا من عوامل النجاح في هذه المهنة.
وبين أن المطبخ الكويتي يتمتع بثراء كبير يؤهله لأن يكون جزءا من المنافسة العالمية إذا ما تم تقديمه بشكل صحيح فالطهاة الشباب بحاجة لمن يفتح أمامهم الأبواب ويرشدهم إلى الطريق الصحيح بعيدا عن العشوائية.
وأشار النشمي إلى أن تأسيس منظومة مهنية للطهاة سيمثل إضافة نوعية للقطاع وسيسهل على الأجيال القادمة دخول المهنة بثقة كما سيسهم في جذب الدعم الرسمي لها بوصفها قطاعا واعدا يمكن أن يعزز من مكانة الكويت الاقتصادية والثقافية.
من جهتها قالت الشيف شيخة المحمد لـ(كونا) إن تجربتها في العمل (شيف تطويري) بالشركة الكويتية لخدمات الطيران (كاسكو) شكلت تحديا خاصا باعتبار الطهي للطيران يرتبط بظروف دقيقة تتعلق بتغير الطعم والنكهة على ارتفاعات عالية لافتة إلى أن المحافظة على الجودة والمذاق رغم هذه الظروف تتطلب معرفة علمية عميقة إلى جانب الخبرة العملية.
وبينت المحمد أن تسجيل اسمها (أول شيف تطويري كويتي) في ديوان الخدمة المدنية كان خطوة إيجابية لمهنة الطهي في الكويت واعتبرت أن هذه الخطوة تمثل "اعترافا رسميا بالطهاة الكويتيين وتفتح الباب أمام اعتماد المهنة مجالا معترفا به على المستوى المهني والأكاديمي".
وأوضحت أن الطاهي الاستشاري في مجال الطهي لا يقتصر دوره على إعداد وصفات فقط إنما يمتد إلى وضع استراتيجيات تطويرية للمطاعم والمشاريع الغذائية.
وأشارت إلى حرصها على دعم الشباب الكويتيين في مسيرتهم المهنية معتبرة أن دورها يتجاوز التعليم إلى الوقوف بجانبهم في مواجهة التحديات مؤكدة أهمية إنشاء أكاديمية متخصصة لخلق فرص منظمة تسهل الطريق على الجيل الجديد من الطهاة وتقلل من العراقيل التي واجهتها الأجيال السابقة إضافة إلى وجود جمعية أو اتحاد للطهاة ليشكل قاعدة راسخة لتطوير المهنة وإبرازها بالشكل الصحيح للأجيال القادمة.
بدورها قالت الشيف صديقة إسماعيل لـ(كونا) إنها بدأت رحلتها مع الطهي منذ الصغر في بيئة أسرية محبة للمطبخ قبل أن تسافر للدراسة في الخارج وتلتحق بأكاديميات مرموقة مثل (كوردون بلو) في لندن و(فيروندي) في باريس.
وأضافت إسماعيل أن هذا التأهيل الأكاديمي منحها رؤية أوسع ورسخ في داخلها العديد من المهارات التقنية والدقة والإبداع ما مكنها من العودة إلى المطبخ الكويتي لتقدمه بأسلوب معاصر مع المحافظة على أصالة مذاقه ونكهته.
وأوضحت أن تجربتها في أحد المطاعم في الكويت شكلت محطة فارقة وتحديا في مسيرتها حيث عملت على تحويل الوصفات المنزلية الكويتية التقليدية إلى أطباق أكثر احترافية بمعايير دقيقة مع الحفاظ على المذاق الكويتي الأصيل الذي يرتبط بذاكرة الأسرة الكويتية معتبرة أن ردود الفعل الإيجابية من الزبائن كانت أكبر دليل على نجاحها في نقل الطبخ المنزلي (أكل بيت) إلى مطبخ احترافي.
وبينت أنها قدمت المطبخ الكويتي في أسلوب (الفاين دايننغ) في الكثير من المناسبات الخاصة وابتكرت وصفات جمعت بين العالمية والمحلية مثل (الماكرون) الفرنسي بنكهات كويتية و(فيلية الزبيدي) بصوص الأعشاب والزعفران و(الخثرة) بكافيار اللومي و(ترايفل صب القفشة) وغيرها موضحة أن هذه المحاولات كانت تهدف إلى إيصال رسالة أن نكهة المطبخ الكويتي قادرة على المنافسة في أرقى المطاعم العالمية.
وأضافت إسماعيل أن الطهاة الكويتيين يتمتعون بموهبة عالية وهم اليوم أكثر جرأة وثقة وأن فن الطهي بات مهنة حقيقية تبنى على الدراسة والتطوير فالهواية يمكن أن تتحول إلى فرصة عمل حقيقية إذا ما توفرت المنظومة الداعمة من تعليم وتشريعات وفرص استثمارية.
من جانبه أكد رئيس الاتحاد الكويتي للمطاعم والمقاهي والتجهيزات الغذائية فهد الأربش لـ(كونا) أن قطاع إدارة وتشغيل المطاعم في الكويت يشهد نقلة نوعية لافتة خلال السنوات الأخيرة سواء على مستوى جودة المفاهيم التشغيلية أو في حجم الإبداع الذي بات يميز المشاريع المحلية.
وقال الأربش إن دخول الطهاة الكويتيين باعتبارهم مستشارين وملاك مشاريع أضاف بعدا جديدا للسوق من خلال تعزيز الهوية الكويتية وتطوير تجربة الضيافة مشيرا إلى أن هناك طهاة كويتيين دخلوا في شراكات مع مستثمرين محليين أو خليجيين وحققوا نجاحات لافتة.
وأوضح أنه لا توجد حتى الآن إحصاءات رسمية دقيقة بشأن عدد المشاريع التي يديرها أو يملكها طهاة كويتيون لكن الواقع الميداني يظهر وجود أعداد كبيرة من المشاريع التي تدار من طهاة كويتيين من النساء والرجال يملكون تلك المطاعم والمقاهي بنسبة 100 في المئة.
وذكر أن أغلب هذه المشاريع لاقت إقبالا واسعا ونجاحا باهرا بفضل إبداع الطهاة الكويتيين الذين استطاع بعضهم الوصول إلى العالمية من خلال مشاركاتهم في فعاليات ومشاريع خارج الكويت ما يعكس قوة الكفاءات الوطنية في هذا القطاع الحيوي.
وبين أن أعدادا متزايدة من الطهاة الكويتيين باتوا يديرون مشاريعهم الخاصة في مجال المطاعم والمقاهي سواء بشكل مستقل أو عبر شراكات مع مستثمرين محليين وخليجيين وهذه المشاريع لاقت نجاحا كبيرا بفضل ما يمتلكه الطهاة الكويتيون من كفاءة وخبرة ميدانية مكنت بعضهم من الوصول إلى العالمية والمشاركة في فعاليات ومبادرات خارج الكويت الأمر الذي يعكس مكانة الكفاءات الوطنية في هذا القطاع الحيوي.
وذكر الأربش أن اتحاد المطاعم يضطلع بدور أساسي في التنسيق مع الجهات الحكومية ذات العلاقة من خلال اجتماعات ومشاورات دورية تعنى بتطوير القوانين واللوائح المنظمة لقطاع المطاعم والمقاهي في الكويت كما ساهم الاتحاد فعليا في تعديل العديد من القرارات والإجراءات التنظيمية انطلاقا من علاقته المباشرة مع المشغلين والعاملين في القطاع وخبرته الميدانية الممتدة.
وبين أن الاتحاد يعمل كذلك على رفع كفاءة العاملين وتنظيم ورش عمل متخصصة بالتعاون مع الجهات الرسمية ووضع معايير مهنية وتشغيلية تتماشى مع اشتراطات الصحة والسلامة العالمية دعما لرؤية تحويل الكويت إلى مركز رائد في مجال الضيافة والمأكولات المبتكرة في المنطقة.
وتوقع أن يشهد قطاع المطاعم في الكويت مستقبلا واعدا في ضوء التوجه نحو المفاهيم الحديثة مثل (الفاين دايننغ) والمطابخ المستدامة وتقليل الهدر الغذائي والاعتماد المتزايد على التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي في إدارة العمليات التشغيلية مؤكدا أن هذه التوجهات ستعزز من تنافسية العلامات المحلية وتمكنها من التوسع الإقليمي والعالمي.
وقال الأربش إن الاتحاد ينسق حاليا مع عدد من الجهات المعنية بينها معهد الأبحاث والهيئة العامة للغذاء والتغذية ووزارة التجارة والصناعة والهيئة العامة للقوى العاملة لتحديث التشريعات الداعمة للقطاع.
وبين أن هناك خطة لإنشاء مقر متكامل خاص بالاتحاد ليكون مركزا متخصصا لتأهيل الكوادر الوطنية وتدريب الشباب الكويتيين على أسس تشغيل وإدارة المطاعم وفق المعايير الدولية بما يسهم في دعم الاقتصاد الوطني وتعزيز مكانة الكويت في قطاع الضيافة الإقليمي. (النهاية)
خ م ج