A+ A-

مانيسا .. مدينة المعجون السحري

شجرة التمني
شجرة التمني

من محمد المطيري

 مانيسا - (تركيا) 18 - 4 (كونا) -- مانيسا مدينة تخطو خطواتها ما بين التاريخ لتحكي حكاية سحرية للجميع حتى لو مر على مثل هذه الحكاية أكثر من 470 سنة ولا تكتفي بذلك بل تقيم لهذه الحكاية مهرجانا خاصا تطلق عليه اسم (مسير معجون).
هذه المدينة التي يبلغ عدد سكانها 190 الف نسمة تتفرد بموقع جغرافي يقع في قلب منطقة بحر (ايجه) بغربي تركيا اهم اقاليم البلاد قديما وحديثا ذات القيمة الاقتصادية اذ تعد اكثر المناطق الزراعية خصوبة وهو مايفسر احتضانها حضارات قديمة يمتد عمرها لاكثر من ثلاثة الاف سنة.
كانت المدينة تسمى (ماغنيسيا) قبل وصول المد الاسلامي اليها وتغير الاسم الى مانيسا في عام 1313 بعدما خضعت لسلطان ساروهان بيه وأصبحت فيما بعد عاصمة لسلالة ساروهان الحاكمة وازدهرت خلال حكم العثمانيين الذين اهتموا ببناء المساجد وخزانات المياه والجسور والمدارس اضافة الى العديد من المرافق والمباني والقصور.
وفي هذا السياق يقول عمدة مانيسا جنكيز ايرغن لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) ان المدينة اكتسبت أهميتها من التاريخ الذي تعاقب عليها منذ القرن ال 14 قبل الميلاد الى يومنا الحالي موضحا ان مدينته كانت المركز الحاضن لحضارات عدة بدءا من الحضارة الحثيثية والاغريقية والرومانية - البيزنطية اضافة الى دولة السلاجقة وانتهاء بالحضارة العثمانية.
واضاف ان هذه المدينة اصبحت في القرن ال16 اهم مدن السلطنة العثمانية من الناحية الاقتصادية والادارية والاجتماعية كونها كانت مركزا لتدريب ابناء السلاطين على الحكم والادارة لاسيما اولياء العهود.
وذكر ايرغن انه خلال الحقبة العثمانية كان هناك أمير يطلق عليه الأمير سليمان احد الذين تم تدريبهم على الحكم في مانيسا أصابه مرض أعجز الأطباء حتى جاء خبر لأمه السلطانة حفصة زوجة السلطان سليم الأول بن بايزيد الثاني بن محمد الفاتح ان معجونا سحريا لديه القدرة على شفاء الأمراض المستعصية.
وبحسب الرواية التاريخية التي يرددها اهالي مانيسا ان السلطانة حفصة جاءت بمخترع هذا المعجون وهو مصلح الدين مركز أفندي وجعلته يعجن لابنها معجونه السحري الذي يتكون من 41 نوعا من البهارات مخلوطة مع العسل وان السلطانة بعدما شفى الله ولدها من مرضه نتيجة تداويه بالمعجون السحري نذرت ان توزع المعجون على الناس في مانيسا سنويا من خلال حفل تقوم فيه بنثره في الساحة المقابلة لجامع السلطان المبني في عام 1522.

- واصبح بطل هذه الرواية الأمير سليمان فيما بعد اشهر سلاطين الدولة العثمانية ويعرف باسم السلطان سليمان القانوني وعند الغرب باسم سليمان العظيم صاحب أطول فترة حكم بين السلاطين العثمانيين اذ وصلت فترة حكمه الى 48 عاما وشهدت الدولة العثمانية في عهده اتساعا جغرافيا وتمكن من القضاء على دولة المجر وفتح (بلغراد) وحاصر (فيينا).
واكد ايرغن ان المدينة ومنذ نحو 470 عاما تقيم مهرجانا خاصا بهذه المناسبة تطلق عليه (مسير معجون) في شهر مارس من كل عام ويمتد لسبعة أيام يتخلله فعاليات تراثية وفنية وعروض موسيقية تعكس تاريخ المدينة وثقافتها موضحا ان ضيفة مهرجان هذا العام هي رومانيا التي شاركت بفرق فنية قدمت عروضا فنية وثقافية في ساحات المدينة وعلى مسارحها.
من جانبه قال نائب رئيس الوزراء بولند ارينج في لقاء مع (كونا) على هامش اليوم الاخير من المهرجان ان الحكومة تسعى لاخراج المهرجان من اطاره المحلي ليكون محفلا ثقافيا يبرز المدينة على خريطة المهرجانات الدولية والفنية مغتنمة في ذلك شهرة المعجون السحري وهو ما تبدى في مشاركة الرئيس عبدالله غول الذي قدم خصيصا لنثر المعجون على الحشود الغفيرة من اهالي المدينة في بادرة تعكس اهتماما وحرصا رسميا وشعبيا.
واضاف ان الحكومة تفكر جديا بانشاء مشتلا زراعيا لانتاج 15 نوعا من البهارات المستخدمة في صنع المعجون المذكور على اعتبار انه منتج محلي ويجب ان يتم انتاج مكوناته في تركيا بدلا من استيرادها من الخارج.
ولا يستبعد ارينج امكانية تصدير هذا المعجون الى الخارج حيث ان المزايا الطبية لهذا المعجون تمكنه من ان يكون علاجا فعالا الى جانب كونه مأكولا شعبيا يمتاز بحلاوة الطعم.
ولا تقتصر حكاية مانيسا على المعجون السحري بل على حكايات متعددة اذ يروي متحفها أكثر من حكاية ابتداء من كونه مدرسة لتخريج الأئمة والمؤذنين ليتحول بعد نشوء الجمهورية التركية في عام 1923 الى متحف يضم تحفا تعود للعصور المتعاقبة على المدينة من ابرزها العصر الهلسنتي والاغريقي والبيزنطي.
وتمتاز ايضا هذه المدينة بانها كانت مهدا لنشوء الحركة الصوفية التي كانت تسمى بالطائفة (المولوية) وهي جماعة دينية نشات في القرن ال15 على يد مؤسسها جلال الدين الرومي وتطورت الى ان تكون مركزا للدراويش المعروفين باداء رقصات على ايقاع الات الدف والطبل.
ومن الحكايات الاخرى حكاية شجرة (التمني) التي يفد اليها الناس من المدينة وخارجها على امل الحصول على شيء جيد في حياتهم او تمني تغيير حظوظهم ويقوم الزائر لهذه الشجرة بربط قطعة قماش او أي شي تطوله يده باحد اغصان الشجرة والتمني بصوت خافت.
ويرى معظم زوار هذا الموقع ان اشياء جيدة تحققت بعد زيارتهم لهذه الشجرة ولاعجب ان اكثر الزوار المنتظمين لها هم من النساء او الفتيات اللاتي تستهويهن هذه المعتقدات.
ويبقى لمانيسا حكايات عدة تروى عنها بوصفها مدينة مزجت التاريخ والعاطفة والسياسة والاقتصاد وغيرها من الاحداث لتنتج توليفة تشد الانظار والعقول اليها.
(النهاية) م م / م ج ز