A+ A-

(دار الآثار الاسلامية)..حاضنة عالمية ولوحة فسيفسائية تزين الوسط الثقافي الكويتي

صورة قديمة لمبنى مستشفى الارسالية الأمريكية (المستشفى الأمريكاني)
صورة قديمة لمبنى مستشفى الارسالية الأمريكية (المستشفى الأمريكاني)

من مبارك العنزي

الكويت - 24 - 9 (كونا) -- شكلت دار الآثار الاسلامية ضمن ادوار متعددة حاضنة على مستوى عالمي حيث امتد نشاطها ليشمل مناحي ثقافية متنوعة كونت بمجمل قطعها لوحة فسيفسائية يتزين بها الوسط الثقافي الكويتي.
واضطلعت الدار منذ تأسيسها في عام 1983 بدور مميز في المحافظة على التحف والآثار القديمة مسجلة حضورها وتبنيها لمختلف المناسبات الفنية والثقافية من معارض فنية ومعمارية وندوات متخصصة وأمسيات موسيقية وغنائية من شتى أنحاء العالم.
وكمؤسسة تعنى برعاية التحف والآثار التي تضمها مجموعة (الصباح الأثرية) قدمت الدار ارثا حضاريا انسانيا ثقافيا ليكون مرجعا تستقي منه الأجيال القادمة ما يربطها بالماضي ومثلت تاريخا طويلا أنتجته البشرية على مدى قرون عديدة.
وحرصت دار الآثار الإسلامية طوال اكثر من ثلاثة عقود على اقتناء تحف وآثار تعود إلى حقب عدة من التاريخ الإسلامي وما قبل ذلك مبادرة الى رعاية الفن الإسلامي بشكل خاص باهتمام شخصي من وزير شؤون الديوان الأميري الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح والجهود الحثيثة للمشرف العام للدار الشيخة حصة صباح السالم الصباح.
وبدأ الشيخ ناصر والشيخة حصة في منتصف السبعينيات من القرن الماضي باقتناء مجموعة من تحف أبدعتها يد الإنسان منذ قديم الأزل شكلت البذرة الأولى لانشاء الدار حيث تم افتتاحها في مجمع متحف الكويت الوطني في العام 1983.
وكان لدار الآثار دور كبير ومهم في إحياء التراث والحرف القديمة حيث أنشأت الدار في عقدي الثمانينيات والتسعينيات محترفا للفنون يديره باحثون اختصاصيون قدمت من خلاله دورات فنية في مختلف الفنون من خزف وخط وطين ورسم وزخرفة ونسيج ورسم تصويري فضلا عن ترميم الآثار والتحف.
وواجهت الدار عددا من المصاعب التي استطاعت تخطيها بفضل الاصرار والتخطيط والتنفيذ السليم لاسيما ابان الاحتلال العراقي الغاشم لدولة الكويت في عام 1990 الذي دمر البنية الثقافية كبقية المجالات في البلاد وتم نقل المجموعة الأثرية والتحف إلى بغداد مع باقي مقتنيات متحف الكويت الوطني.
وبعد التحرير ووفقا لقرار الأمم المتحدة بإعادة ممتلكات الكويت المنهوبة تمت استعادة التحف التي كانت قد تعرضت لأضرار بليغة ما حدا بالدار للعمل بكل اصرار وتحد للظروف على اعادة الحياة الثقافية الكويتية حيث تم إعداد برنامج لترميم التحف وإعادة تأهيل مبنى متحف الكويت الوطني.
وفي هذا الصدد قالت المشرف العام للدار الشيخة حصة الصباح لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) ان الدور الثقافي الذي تقوم به الدار يشمل كل ما يختص بالفعل الثقافي في دولة الكويت.
وأضافت أن من أهم أهداف الدار نشر الوعي الآثاري والحضاري والإنساني وتشجيع تذوق الفنون من عصور الإسلام المختلفة وإظهار إبداعات حضارة بلاد المسلمين منذ انشائها في بداية ثمانينيات القرن الماضي من خلال عرض (مجموعة الصباح الأثرية) في مبنى المتحف الوطني اضافة الى إنشائها لمكتبة تراثية متخصصة تحوي أكثر من 7000 كتاب ومخطوط.
وأكدت ان رسالة الدار التنويرية لم تقتصر على مجرد بسط الثقافة والمعرفة بل ترجمة هذا الوعي ميدانيا على أرض الواقع من خلال إيفاد بعثات كويتية متدربة بمساهمة من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي للمشاركة في التنقيب عن الاثار مع فرق عالمية مرموقة.
وافادت بانه تم بهذا الصدد تشكيل أول بعثة تنقيب عربية بالتعاون مع خبراء من بريطانيا ومصر في مشروع حفائر (البهنسا) بصعيد مصر الذي تواصلت أعماله لموسمين متتاليين فضلا عن إصدار دراسة عن نتائج هذا المشروع.
واضافت الشيخة حصة الصباح ان للشباب والناشئة نصيبا وافرا من اهتمام دار الآثار الإسلامية التي أولت هذه الفئة من المجتمع الرعاية التي تستحقها من أنشطتها وبرامجها والورش التعليمية المتنوعة والمختارة بعناية فائقة وعلى أيدي اختصاصيين في مجالي الطفولة والشباب.
وعن اختيار مبنى مستشفى الإرسالية الأمريكية أو (المستشفى الامريكاني) ليكون مركزا للدار افادت بانه نظرا لما يتمتع به من موقع جغرافي متميز على شارع الخليج العربي بجوار مبنى مجلس الأمة ومقابل الكنيسة الإنجيلية فقد تم هذا الاختيار كإشارة رمزية إلى أحد أهم الملامح التي تميز بها المجتمع الكويتي وهو التسامح الديني وحرية الدين والمعتقد.
ولفتت الى انه سيكون في الوقت ذاته راصدا لما يدور في الحقل السياسي والحياة الديمقراطية في البلاد.
واضافت ان الاختيار كان ايضا لما يملكه المستشفى من موقع واطلالة على ساحل الخليج العربي الزاخر بأهازيج أهل البحر القدماء الذين مخروا عباب البحر بحثا عن الرزق متسلحين بإرادة قوية ترفض التقاعس وتدعو إلى البحث في الأفق عن مجد يخلده التاريخ لهذا البلد.
وشاركت دار الآثار الإسلامية كامتداد لرسالتها الثقافية العالمية في العديد من المعارض الدولية منها معرض (الإسلام فن وحضارة) في السويد عام 1985 ومعرض (كنوز الفن الإسلامي) في جنيف عام 1985 ومعرض (الهند فن وحضارة) في متحف المتروبوليتان للفن في نيويورك من العام نفسه.
كما أقامت الدار معرض (السلطان سليمان القانوني) في واشنطن عام 1987 ومعارض (العلوم والحضارة العربية الإسلامية) و(أوائل المطبوعات الأوروبية والحضارة الإسلامية) و(السجاد هدية الشرق) في فرنسا عام 1989 ومعرض (رومانسية تاج محل) في كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1989.
ونظمت بعد ذلك معارض خاصة لبعض تحف الدار وهو ما أطلق عليه (المعارض العالمية المتجولة) كان أولها بعنوان (الفن الإسلامي ورعايته..كنوز من الكويت) الذي عرض 107 تحف من المجموعة خارج الكويت في متحف الهرميتاج في الاتحاد السوفيتي آنذاك في عام 1990 وقد طاف هذا المعرض أرجاء كثيرة من العالم.
ثم أقامت الدار المعرض العالمي المتنقل الثاني بعنوان (ذخيرة الدنيا.. فنون الصياغة الهندية في العصر المغولي) أما المعرض الثالث فكان (الفن في الحضارة الإسلامية) الذي أقيم في كل من ميلانو عام 2010 وفيينا عام 2011 وعرض 368 تحفة من تحف المجموعة ثم حط الرحال في المتحف الوطني في سيؤول عاصمة كوريا الجنوبية عام 2013 والآن يحط رحاله في العاصمة الإيطالية روما.
وتتخذ دار الآثار الإسلامية حاليا مبنى مستشفى الإرسالية الأمريكية الذي يسميه الكويتيون (المستشفى الامريكاني) مقرا لها ليحتضن المعارض والتحف والمقتنيات حيث تم ترميم المبنى الأصلي و تزويده بكل التقنيات الحديثة وانشاء مسرح بداخله تقام فيه المسرحيات والأمسيات الثقافية والموسيقية والغنائية التي عادة ما تغص مدرجاته بالجمهور الشغوف المحب للفنون الجميلة.
واحتضن المبنى عددا كبيرا من المعارض والأنشطة الثقافية منها معرض (روائع الشرق القديم.. تحف أثرية من مجموعة الصباح الأثرية) ومعرض (الكويت في الشرق القديم) ومعرض (الذكر المكنون في عالم الفنون.. آيات من الذكر الحكيم في أعمال فنية) كما شهد عددا من الورش الثقافية والمحاضرات.
واستضاف المركز أحد أهم معارض الدار وهو معرض (ذخيرة الدنيا.. فنون الصياغة الهندية في العصر المغولي) الذي عرض أكثر من 500 تحفة من مجموعة الصباح الأثرية والذي طاف بين 11 عاصمة حول العالم.
ويحتوي ما يطلق عليه (مركز الامريكاني الثقافي) على محترف تعليمي وتدريبي ومعرض (قصة الامريكاني) وهو عرض سمعي وبصري يحكي تاريخ مستشفى الإرسالية الأمريكية والرعاية الصحية في الكويت منذ نشأتها.
ويضم المركز مختبرا لصيانة وترميم التحف الأثرية ويعنى بتدريب كوادر من الباحثين فضلا عن تدريب متطوعين في البرامج المختلفة للدار.
ومع توسع اعمال الدار وأنشطتها الثقافية والفنية والمختصة اضافت الدار مبنى في منطقة اليرموك تابعا لها افتتح منذ قرابة العامين وفق أحدث طراز ليكون مركزا ثقافيا بتصميم حديث أخاذ يضم عددا من القاعات لاقامة الندوات والمعارض ومسرحا جميلا احتضن مجموعة من الأمسيات الثقافية والموسيقية والغنائية خلال مواسم الدار الثقافية السنوية.
ومن المنتظر ان يتم قريبا الانتهاء من انجاز مبنى جديد للدار في منطقة الشعب (على شارع الخليج العربي) ليكون حلقة جميلة جديدة في عقد مباني الدار التي تزين العنق الثقافي الكويتي وتبرزه على الخريطة الثقافية العالمية.
وتقدم الدار موسما ثقافيا سنويا يعتبر الأكبر في البلاد اذ يمتد لتسعة أشهر انطلاقا من شهر سبتمبر وحتى مايو تستضيف خلاله نخبا وكوادر كويتية وعربية وعالمية تساهم في اثراء المشهد الثقافي الكويتي.(النهاية) م د م / ج خ