(تقرير)
   الكويت - 26 - 11 (كونا) -- في وقت شكل رفع وكالة (ستاندرد آند بورز) العالمية يوم الجمعة الماضي التصنيف الائتماني السيادي لدولة الكويت إلى مستوى (-AA) مع نظرة مستقبلية مستقرة تتويجا لزخم الإصلاحات الشاملة والتحول الهيكلي الذي تشهده البلاد فإنه يعطي كذلك مؤشرا على مرحلة مبشرة من الاستدامة الاقتصادية قائمة على خريطة إصلاحات حكومية تحمل تحولا نوعيا في الأجندة الوطنية.
   ويمضي هذا التحول النوعي بثبات في مساره قدما إلى الأمام في ضوء مقاربته الجادة والشمولية لمعالجة الاختلالات الهيكلية واعتماده نموذجا تنمويا مستداما بتركيزه على تطوير القطاعات الاقتصادية والاستثمارية وتحسين بيئة الأعمال وتسريع المشاريع التنموية.
   ففي اجتماعه الأسبوعي أمس الثلاثاء برئاسة سمو الشيخ أحمد عبدالله الأحمد الصباح رئيس مجلس الوزراء أكد المجلس حرص الحكومة على تحقيق الرؤية السامية لحضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه والمضي قدما في خطوات جذب الاستثمارات الخارجية وتحسين بيئة الأعمال بما يواكب طموحاتها التنموية في تحويل البلاد إلى مركز مالي وتجاري إقليمي وعالمي.
   كما أكد المجلس خلال الاجتماع استمراره في الإصلاحات المالية التي من شأنها رفع التصنيف الائتماني السيادي لدولة الكويت في المؤشرات العالمية ذات الصلة وحرصه على توفير متطلبات المرحلة الحالية والمستقبلية لتحقيق الاستدامة المالية والحفاظ على التصنيف الائتماني لدولة الكويت.
   وقرر مجلس الوزراء تكليف وزير الكهرباء والماء والطاقة المتجددة ووزير المالية ووزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار بالوكالة الدكتور صبيح المخيزيم موافاة المجلس بتقرير دوري كل ستة أشهر بآخر المستجدات بشأن التصنيف الائتماني لدولة الكويت.
   من جهته قدم الوزير المخيزيم شرحا لمجلس الوزراء بحضور محافظ بنك الكويت المركزي باسل الهارون حول رفع (ستاندرد آند بورز) التصنيف السيادي لدولة الكويت وأفاد بأنه عائد إلى أسباب عدة أبرزها التقدم في الإصلاحات الاقتصادية والمالية خصوصا في مجالات التنويع الاقتصادي وتحديث البنية التحتية وتنويع مصادر الإيرادات غير النفطية.
   ولفت في هذا الشأن إلى إقرار المرسوم بقانون رقم (60) لسنة 2025 في شأن التمويل والسيولة حيث أعاد تمكين الدولة من الوصول إلى أسواق الدين وتوفير خيارات للتمويل أكثر تنوعا بما يدعم الاستدامة المالية.
   كما أشار إلى ضخامة الأصول المالية السيادية لدولة الكويت المدارة من الهيئة العامة للاستثمار التي تعتبر من الأعلى عالميا مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي وأيضا التزام الحكومة بضبط الانفاق وتنمية الإيرادات غير النفطية من خلال إعادة تسعير الخدمات الحكومية وترشيد الدعومات وتحسين المشتريات الحكومية وطرح الأراضي لأغراض اقتصادية.
   وأفاد الوزير المخيزيم بأن (ستاندرد آند بورز) العالمية رصدت التقدم الذي تحققه دولة الكويت في مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية والمالية إلى جانب برامج الاستثمار الرأسمالي الكبرى وأن دولة الكويت تتجه بشكل متزايد إلى تنويع آليات تمويل المشاريع من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص (PPP) والاتفاقيات بين الحكومات واستثمارات القطاع الخاص.
   وأكد أن ذلك "يعكس تحولا عمليا في نموذج التمويل ويسهم في تخفيف العبء على المالية العامة ورفع كفاءة تنفيذ المشاريع مبينا أن المشاريع الرأسمالية التي تم تسليط الضوء عليها في تقرير (ستاندرد أند بورز) هي المنطقة الاقتصادية الشمالية وميناء مبارك الكبير ومشاريع الطاقة المتنوعة ومطار الكويت الدولي الجديد (T2) والمدن السكنية الجديدة والمنطقة الاقتصادية الحرة في العبدلي".
   إلى ذلك يمكن القول إن رفع (ستاندرد آند بورز) التصنيف السيادي للكويت يحمل دلالات بالغة الأهمية لناحية إعطائه دفعة قوية للثقة الدولية بالاقتصاد الوطني وتحفيز تدفق رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى المشاريع التنموية والاستراتيجية علاوة على تعزيز الجدارة الائتمانية للبلاد وتأكيد مسارها الاقتصادي الصحيح.
   فمنذ منتصف العام 2024 انطلقت سلسلة الإصلاحات المتزامنة على محاور متعددة شاملة حزمة قرارات اقتصادية ومالية وتشريعية وهيكلية بهدف تأسيس نموذج تنموي مستدام وبناء اقتصاد وطني مرن يحقق تطلعات رؤية (الكويت 2035) ويواكب التحديات العالمية المتسارعة وبما يعزز الإيرادات غير النفطية ويتماشى مع المعايير الدولية.
   في موازاة ذلك أقرت الكويت قوانين حاسمة مثل (قانون 60 لسنة 2025 بشأن التمويل والسيولة) الذي يهدف إلى تفعيل أدوات إدارة السيولة وتأمين التمويل اللازم للموازنة عبر ترتيبات شاملة إضافة إلى ضريبة الشركات متعددة الجنسيات التي دخلت حيز التنفيذ في يناير الماضي.
   وإذ تقترب البلاد من إقرار (قانون الصكوك) في خطوة تعزيزية للإطار القانوني المتين للمرحلة المقبلة فقد مثلت التشريعات الاقتصادية التي دخلت حيز التنفيذ العام الحالي تقدما في التوسع نحو تعزيز الإيرادات غير النفطية والاستجابة للمعايير الدولية.
   وإلى جانب الإصلاحات التشريعية تواصل الحكومة العمل على إصلاحات جوهرية مثل إعادة تسعير أراضي الدولة لتعظيم الاستفادة من الأصول العقارية وترشيد الدعم لتوجيهه نحو مستحقيه الفعليين علاوة على جهود تعزيز كفاءة القوى العاملة في القطاع العام لرفع مستويات الإنتاجية والخدمة الحكومية.
   كذلك شملت حزمة الإجراءات الإصلاحية (نظام الوسيط العقاري) الذي يعزز الشفافية ويحسن بيئة الأعمال ومشروع (الرخصة الذكية) وتدشين الخطوات التنفيذية لمنظومة (المطور العقاري) وتطوير (منظومة سوق المال).
   وفي المحور التنموي سجلت الكويت بنهاية الربع الأول من خطة التنمية (2025 - 2026) أعلى معدل إنفاق تنموي ربع سنوي خلال السنوات الخمس الماضية بواقع نحو 4ر132 مليون دينار كويتي (حوالي 434 مليون دولار أمريكي).
   وتضمنت النفقات الرأسمالية في مشروع ميزانية السنة المالية 2025/2026 إدراج 69 مشروعا جديدا للوزارات إلى جانب 373 مشروعا مستمرا قيد التنفيذ من أبرزها توسعة محطة أم الهيمان واستكمال مبنى الركاب الجديد في مطار الكويت الدولي والانتهاء من المرحلة الأولى من ميناء مبارك الكبير في عام 2028.
   وقد وجه مجلس الوزراء مؤخرا إلى البدء بتحديد مواعيد التوقيع على عقود تنفيذ مشروعات كبرى مشتركة مع عدة حكومات في مجالات مختلفة منها البناء والنقل والخدمات اللوجستية في ضوء تطور الشراكات الاستراتيجية الطموحة التي عقدتها البلاد.
   في موازاة ذلك أسهمت الاجتماعات الحكومية رفيعة المستوى ذات الصبغة الاقتصادية والفنية التي تسارعت وتيرتها خلال الأشهر الماضية في تطوير المشهد التنموي وإجراء المراجعات القانونية والفنية اللازمة لتحريك المشروعات الكبرى.
   كما يعمل عدد من اللجان المتخصصة التي شكلها مجلس الوزراء على متابعة دقيقة للمشروعات وتنفيذ الاتفاقيات مع جمهورية الصين الشعبية بالتزامن مع تبادل زيارات تنموية وهو ما يعزز الثقة في قدرة الدولة على تنفيذ خططها الاستراتيجية.
   كما أكد سمو رئيس مجلس الوزراء خلال ترؤسه مؤخرا اجتماع اللجنة الوزارية لمتابعة المشاريع التنموية الكبرى على تكليف الهيئة العامة للاستثمار التنسيق مع الجهات الحكومية المعنية بالمشاريع لاتخاذ الإجراءات اللازمة للتعاقد مع مستشار مالي على أن يتولى مسؤولية تعيين وإدارة وتنسيق أعمال المستشارين القانونيين والفنيين وغيرهم من المستشارين المتخصصين المرتبطين بكافة المشاريع.
   وضمن هذه الرؤية الطموحة وعلى صعيد السياسة النقدية فإن نهج بنك الكويت المركزي القائم على ربط الدينار الكويتي بسلة من العملات من شأنه توفير ركيزة فعالة لاستقرار الأسعار والحد من تقلبات التضخم مع المحافظة على جاذبية الدينار كعملة ادخار واستقرار نقدي.
   كما تمثل التسهيلات الحكومية في حركة التأشيرات جزءا من حزمة إصلاحات استهدفت إحداث نقلة نوعية في قطاع الاستثمار والسياحة شملت تطوير المرافق السياحية وتأسيس مشاريع نوعية جديدة وتعزيز فرص الاستثمار في القطاع السياحي علاوة على تعزيز البنية التحتية واعتماد سياسات داعمة للأنشطة الترفيهية والثقافية.
   ووسعت البلاد على مدى أشهر متواصلة خطواتها الرامية إلى استقطاب كبريات الشركات العالمية من أجل تفعيل دورها بشكل أكبر في إحداث النهضة الاقتصادية المنشودة من خلال فتح فروع لها في البلاد.
   وفي هذا الإطار تعمقت الشراكة الاستراتيجية مع شركة (جوجل كلاود) التي افتتحت مكاتب جديدة لها في البلاد بالنصف الثاني من العام الماضي في ضوء تموضع التحول الرقمي في صميم الإصلاح الاقتصادي الكويتي.
   كما شرعت شركة (بلاك روك) مؤخرا في مزاولة عملياتها بالكويت في مبادرة تعكس ثقة الشركة في التطور الاقتصادي للدولة وبما يسهم في تعزيز الاستدامة المستقبلية المبنية على المعرفة وتطوير الكفاءات الوطنية.
   وتحركت الكويت بخطوات ثابتة نحو التطور التقني والتكنولوجي ورفد الجهود لتعزيز القدرة التنافسية للكفاءات الوطنية المتخصصة وتعزيز الجاهزية للمستقبل بينما أطلقت منظومة إدارة الأداء الحكومي بهدف تطبيق مبادئ الحوكمة الفعالة وتطوير آليات الحوافز والمحاسبة والتدابير الرامية لتعزيز الشفافية ومكافحة الفساد.
   وقد سجل الاقتصاد الكويتي نموا سنويا بنسبة 3ر1 في المئة في النصف الأول من العام الحالي فيما تجمع توقعات المنظمات الدولية المعنية في تقاريرها المتابعة على استمرار النمو الاقتصادي في الكويت بفضل إصلاحاتها.
   وكانت وكالة (ستاندرد آند بورز) العالمية قد رفعت يوم الجمعة الماضي التصنيف السيادي لدولة الكويت من المرتبة (+A) إلى المرتبة (-AA) مع الإبقاء على نظرة مستقبلية مستقرة مؤكدة أن (قانون التمويل والسيولة) الذي تم إقراره في مارس 2025 يمهد لترتيبات تمويل شاملة للموازنة العامة وأن الاستثمارات الرأسمالية واسعة النطاق ستدعم النمو.
   وتوقعت (ستاندرد آند بورز) استمرار الكويت في تطبيق حزمة من الإصلاحات المالية والاقتصادية في إطار رؤية (الكويت 2035) تركز بشكل أساسي على التنويع الاقتصادي وتحديث البنية التحتية وتنويع مصادر الإيرادات العامة لتحسين الاستدامة المالية.
   وتعكس النظرة المستقبلية المستقرة تقدير الوكالة بأن الموازين العامة والخارجية لدولة الكويت ستظل قوية جدا على المدى المتوسط مدعومة بمستوى كبير من الأصول المالية الحكومية وسط توقع (ستاندرد آند بورز) أيضا أن الأصول المالية وزخم الإصلاح المستمر سوف يخففان من المخاطر الاقتصادية المرتبطة بالاعتماد الكبير على القطاع النفطي والتقلبات المحتملة في أسعار النفط ومستويات الإنفاق المالي المرتفعة. (النهاية)
 
   س ت ا ر / ت م