التاريخ : 12/11/2025
من محمد عبدالعزيز (تقرير إخباري)
الخرطوم - 12 - 11 (كونا) -- أعاد سقوط الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور في يد قوات الدعم السريع بعد حصار ومعارك استمرت 18 شهرا مخاوف من شبح تكرار سيناريو دارفور في ضوء مؤشرات على رصد "مقابر جماعية" و"فظائع" تخشى الأمم المتحدة أنها "قد تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية إذا تم إثباتها".
وقرر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عقد جلسة طارئة في 14 نوفمبر الحالي لمراجعة "وضع حقوق الإنسان" في الفاشر والمناطق المحيطة بها بعدما أفادت المنظمة الدولية بوقوع مجازر وعمليات نهب ونزوح جماعي للسكان عقب سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة وهي آخر المعاقل الرئيسية للجيش السوداني في غرب البلاد.
وتأتي الجلسة الطارئة للمجلس في توقيت تتقاطع فيه الأدلة التقنية والحقوقية على نحو غير مسبوق إذ ينتظر أن تطرح خلالها نتائج تقارير أممية وصور أقمار اصطناعية كشفت عن وجود مقابر جماعية في محيط الفاشر.
ومن شأن هذه المعطيات أن تضيف ثقلا قانونيا وأخلاقيا للنقاش داخل المجلس وتمهد الطريق نحو مطالب متزايدة بفتح تحقيق دولي مستقل ومساءلة المسؤولين عن الانتهاكات.
وتعقيبا على تطورات الفاشر أكد رئيس هيئة محامي دارفور صالح محمود في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم أن ما جرى في المدينة منذ 26 أكتوبر الماضي "يرقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وقد يشكل بعضها جريمة إبادة جماعية" مشددا على أن "هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم ولا يجوز العفو عنها".
وأشار إلى أن هيئته ناشدت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي مرارا حماية المدنيين وفتح الممرات الإنسانية إلا أن "العجز الدولي عن اتخاذ إجراءات فعلية أسهم في تفاقم المأساة وسقوط مزيد من الضحايا".
وحذر من تحويل الصراع إلى حرب أهلية ذات طابع قبلي داعيا إلى نبذ الانتقام والتوحد ومنظمات حقوق الإنسان إلى توثيق الجرائم وملاحقة الجناة أمام القضاء الدولي لضمان عدم الإفلات من العقاب.
ومن جانبه قال الصحفي والمحلل السياسي السوداني أمير بابكر في تصريح ل(كونا) إن دخول قوات الدعم السريع لأي منطقة غالبا ما ترافقه انتهاكات موثقة.
وأضاف أن ذلك قد يدفع المجتمعين الدولي والإقليمي إلى إعادة تقييم التعامل مع قوات الدعم السريع متوقعا أن تتزايد الضغوط لاستبعادها من المشهد السياسي في أي مرحلة انتقالية قادمة.
ومن الناحية الأمنية يرى بابكر أن السيطرة على دارفور بأكملها تفتح الباب أمام احتمالات التقسيم لكنها في الوقت نفسه تبرز ضعف القبول الشعبي للدعم السريع حتى داخل الإقليم نفسه.
ويضيف ان "السيطرة على الفاشر لن تحدث تحولا بنيويا في الحكم فالحل يكمن في السلام والتوافق الوطني لبناء دولة المواطنة والقانون بعيدا عن منطق الحرب والمليشيات" لكنه حذر من أن استمرار الحرب واستدعاء الخطاب التعبوي قد يبقي احتمالات التفكك الجغرافي قائمة.
وأدت سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر إلى توسع رقعة الصراع نحو الشرق خصوصا في ولاية شمال كردفان المجاورة حيث فر أكثر من 36 ألف مدني من بلدات وقرى وفق منظمة الهجرة الدولية.
وتشهد مدينتا (بارا) و(الأبيض) تحشيدا عسكريا مكثفا بين الجيش والدعم السريع مع تقارير عن انتهاكات وعمليات انتقام عرقي وقعت في (بارا) بعد استعادتها من قبل الدعم السريع في 25 أكتوبر الماضي.
وتعد مدينة الأبيض نقطة استراتيجية حيوية على الطريق الذي يربط الخرطوم بإقليم دارفور الذي أحكمت قوات الدعم السريع قبضتها عليه بالسيطرة على الفاشر كما تشكل محورا رئيسيا للإمدادات والعمليات العسكرية وتضم مطارا مدنيا وعسكريا يضاعف من أهميتها الميدانية.
وانبثقت قوات الدعم السريع من ميليشيا الجنجويد المتهمة بارتكاب إبادة جماعية في الفترة ما بين عامي 2003 و2008 في دارفور حيث قتل وفق تقديرات نحو 300 ألف شخص ونزح قرابة 7ر2 مليون آخرين.
وكانت المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي في السادس من أكتوبر الماضي أصدرت أول حكم لها في ملف دارفور بإدانة القائد البارز السابق في مليشيا (الجنجويد) علي محمد عبدالرحمن المعروف باسم (علي كوشيب) على خلفية اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال الحرب الأهلية التي شهدها الإقليم قبل 20 عاما.
ورافقت سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر انتهاكات واسعة أثارت إدانات محلية ودولية فيما نزح نحو 70 ألف شخص من المدينة وسط تقارير عن احتجاز مدنيين بداخلها.
وفي هذا الإطار يقول المتحدث باسم تنسيقية النازحين في دارفور آدم رجال لـ(كونا) إن منطقة (طويلة) شمال الفاشر استقبلت نحو 700 طفل دون أسرهم محذرا من تدهور الأوضاع الإنسانية وارتفاع معدلات سوء التغذية بين النساء والأطفال وكبار السن.
واستجابة لتدفق آلاف النازحين من الفاشر إلى منطقة طويلة يواصل صندوق إعانة المرضى الكويتي - مكتب شمال دارفور تقديم خدمات طبية وتغذوية وحماية من العنف المبني على النوع الاجتماعي عبر ثلاثة مواقع ميدانية.
وأوضح منسق المكتب الميداني محمد أحمد ل(كونا) أن أعداد النازحين في تزايد معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن ويعاني كثير منهم سوء التغذية والإصابات والإعياء مؤكدا أن الاحتياجات الإنسانية تفوق الإمكانات المتاحة وتستدعي توسيع نطاق الاستجابة.
واتهم رجال قوات الدعم السريع بارتكاب انتهاكات ضد الفارين داعيا إلى هدنة إنسانية وفتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات.
وفي موازاة ذلك أكد التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) الذي يدار بالشراكة مع الأمم المتحدة انتشار المجاعة في منطقتي الفاشر وكادوغلي بعد أشهر من الحصار.
ويعاني أكثر من 21 مليون سوداني من انعدام الأمن الغذائي الحاد فيما جوع نحو 375 ألف شخص في دارفور وكردفان منذ سبتمبر الماضي في وقت تشير فيه التقديرات إلى أن الوضع لن يتحسن قبل منتصف عام 2026 على الأقل.
وحذر خبراء الأمم المتحدة في تقرير لهم أخيرا من أن تفشي المجاعة في الفاشر وكادوغلي "سيضاعف من حدة الأزمة الإنسانية المدمرة أصلا" داعين المجتمع الدولي إلى ضمان وصول المساعدات فورا وحماية العاملين في المجال الإنساني.
كما حذرت منظمة أطباء بلا حدود من أن "عددا كبيرا من الأشخاص لا يزالون معرضين لخطر الموت المحدق" مؤكدة أن المدنيين ما زالوا محاصرين وأن المساعدات الإنسانية تمنع من الدخول بشكل متعمد.
وقال مسؤول الطوارئ في المنظمة ميشال أوليفييه لاشاريتيه إن "عدد من وصلوا إلى طويلة منخفض جدا.. أين البقية الذين عاشوا المجاعة والعنف طوال أشهر في الفاشر؟" مضيفا أن "الإجابة الأرجح وإن كانت مرعبة هي أنهم يقتلون أو يحتجزون أثناء محاولتهم الفرار".
وبعد سيطرتها على الفاشر أصدرت قيادة الدعم السريع توجيها لقواتها يطلب منها "الالتزام الصارم بالقانون وقواعد السلوك والانضباط العسكري أثناء الحرب" مؤكدة ضرورة ضمان "حماية المدنيين" لكن الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية تحدثت منذ ذلك الحين عن وقوع فظائع واسعة النطاق بما في ذلك عمليات قتل وخطف على أسس عرقية.
وقال خبراء أمميون إنهم "شعروا بالفزع إزاء التقارير الموثوقة" عن إعدام قوات الدعم السريع لمدنيين في الفاشر ووصفوها بأنها جرائم حرب "قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية".
وأكدوا أن الهجمات تشبه حملات سابقة شنتها قوات الدعم السريع في مخيم زمزم القريب الذي اجتاحته في أبريل وفي الجنينة حيث قتل الآلاف متهمين المجموعة باستهداف بعض القبائل "بقصد إرهابهم وتهجيرهم وتدميرهم كليا أو جزئيا".
وفي ضوء الانقطاع التام للاتصالات في الفاشر نشر مختبر البحوث الإنسانية في جامعة ييل الأمريكية صور أقمار اصطناعية أظهرت وقوع إعدامات ميدانية ووجود مقابر جماعية إبان سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة وهو ما تطابق مع روايات نقلها الشهود عن فظائع مرتكبة هناك.
كما أظهرت الصور اختفاء أجسام ضخمة وحركة مركبات ثقيلة يرجح أنها استخدمت لنقل الجثث فيما تشير شهادات ميدانية إلى إعدامات جماعية نفذت بالقرب من حاجز ترابي أقامته قوات الدعم السريع أثناء الحصار الذي استمر 18 شهرا.
وكان المختبر ذاته نشر صورا جوية مماثلة التقطت بعد مذبحة سربرينيتشا عام 1995 ساعدت في نهاية المطاف في توجيه اتهامات إلى القائد العسكري السابق لصرب البوسنة راتكو ملاديتش قبل أن تحكم عليه محكمة دولية بالسجن المؤبد بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية.
وبحسب مختبر البحوث الإنسانية أدى الغضب العالمي إلى انحسار وتيرة الصور التي ينشرها مقاتلو الدعم السريع لأعمال العنف التي يرتكبونها.
وحذر مكتب المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية من أن الفظائع التي ارتكبت هناك "إذا تم إثباتها قد تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بموجب نظام روما" مؤكدا أنه يتابع التطورات عن كثب. (النهاية)
م ع م / ط م ا