من نجود القاسم (مقابلة) رام الله - 30 - 9 (كونا) -- لا شك بأن سلسلة الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية أخيرا مهدت لمرحلة جديدة في مسار قضية فلسطين مدفوعة بجرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة وما ترتب عليها من حراك تضامني على مستوى العالم.
وأجمع محللان فلسطينيان على أن تزايد الاعترافات بدولة فلسطين ذات السيادة يمثل خطوة مهمة تحمل دلالات سياسية وقانونية تمنحها أداة جديدة في معركتها السياسية ضد الاحتلال الإسرائيلي الذي بات أمام مأزق في الشرعية الدولية.
وفي هذا الإطار قال الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني نبهان خريشة لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم الثلاثاء إن الاعترافات بالدولة الفلسطينية "تعكس زخما سياسيا غير مسبوق منذ سنوات".
وأكد أن هذه الاعترافات "لا يمكن اختزالها في البعد الرمزي فقط إذ إن توالي هذه الاعترافات يعكس تحولا في المزاج العالمي إزاء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي ونفاد الصبر تجاه استمرار الاحتلال والحروب المتكررة".
وأوضح في هذا السياق أن "المسألة باتت أعمق إذ تترسخ قناعة متنامية بأن تجاهل الحقوق الفلسطينية لم يعد خيارا قابلا للاستمرار وأن كلفة الصمت باتت أعلى من كلفة الاعتراف".
وقال خريشة إن "هذه الاعترافات تشكل بالفعل تجاوزا للخطاب الدبلوماسي المألوف الذي غالبا ما اكتفى بقرارات أممية لم تجد طريقها للتنفيذ" موضحا أنها تمنح الفلسطينيين أداة جديدة في معركتهم السياسية وتضع الاحتلال الإسرائيلي أمام مأزق متزايد في الشرعية الدولية.
وشدد على وجوب "الحذر من المبالغة" لأن الاعتراف وحده لا ينهي الاحتلال ولا يلغي اختلال موازين القوى على الأرض.
وعن مدى انعكاسات هذه الاعترافات على الحرب في غزة أوضح خريشة أنها قد تتجلى في تعزيز الضغوط الدولية لإيقافها وربما دفع بعض الأطراف إلى التفكير جديا في "اليوم التالي" بجدول أعمال مختلف يضع الدولة الفلسطينية على الطاولة لا كخيار بعيد بل كضرورة.
وأردف بالقول "لكن النجاح في ترجمة هذه الاعترافات إلى مسار سياسي حقيقي مرهون بالقدرة الفلسطينية على توحيد الصف الداخلي وبإرادة دولية تتجاوز الرمزية نحو خطوات عملية وهنا تكمن المعضلة بين الاعتراف السياسي والقدرة على إنفاذه".
وقال إن "المشهد ما زال مثقلا بالاحتلال والانقسام الفلسطيني الداخلي ورفض الاحتلال الإسرائيلي المدعوم من واشنطن وبالتالي فإن هذه الاعترافات تشكل خطوة إلى الأمام في الشرعية الدولية لكنها لا تحسم بشكل نهائي معركة الدولة".
وشدد على أن النظر إلى هذه الموجة من الاعترافات لا تعني بالضرورة أن "الظروف باتت ناضجة لتجسيد الدولة على الأرض" لافتا أنها تتطلب التمييز بين "الرمزية" و"السياسة الفعلية" لاسيما أنه يمكن القول إن بعض الحكومات سعت إلى توجيه "رسائل أخلاقية" لامتصاص الغضب الشعبي جراء ما يحدث في غزة وإظهار انحياز للقانون الدولي.
من جانبه وصف المحلل السياسي الفلسطيني نهاد أبوغوش الاعترافات الدولية بدولة فلسطين بالمهمة جدا خاصة أنها جاءت من دول حليفة تاريخيا للاحتلال ومنها بريطانيا التي كانت وراء (وعد بلفور) وفرنسا التي مدت الاحتلال بالعتاد وزودته بتقنيات السلاح النووي.
وأكد أبوغوش في تصريح مماثل ل(كونا) ضرورة حماية الاعترافات الدولية قائلا إن "الاعترافات نوع من الاستجابة لموجات التضامن العالمي التي عمت كل دول العالم وخاصة أوروبا الغربية" مشيرا في الوقت نفسه إلى أنه في ظل "توحش" الاحتلال ووجود مثل هذه "الحكومة الفاشية" فيه فإن الاعترافات "بحاجة إلى حماية".
وأضاف أن الاعترافات لم تعد كافية لكي تترجم إلى واقع عملي في ظل إصرار الاحتلال الإسرائيلي على حرب الإبادة ومنع قيام دولة فلسطينية وتمسكه أيضا بخطة تهجير الفلسطينيين وحرمانهم من أدنى حقوقهم مشيرا إلى أن قرارات الاعتراف بالدولة الفلسطينية بحاجة إلى إجراءات عملية وسياسات تلزم الاحتلال باحترام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والإقرار بحل الدولتين.
ووصف أبوغوش الواقع على الأرض بأنه "صعب" حيث يقف الفلسطينيون أمام "عدوان متوحش يهدف إلى إبادتهم وتهجيرهم".
وشدد على أن موجة الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية تحتم على الفلسطينيين أنفسهم الاتحاد على "برنامج عمل وطني موحد يدعم النضال السياسي والدبلوماسي والجماهيري والصمود والمقاومة في غزة".
كما أشار إلى أهمية الموقف العربي الموحد الداعم لفلسطين داعيا في الوقت نفسه دول العالم إلى "اعتماد نموذج إسبانيا" التي اتخذت سلسلة من الإجراءات لمعاقبة الاحتلال ومجرمي الحرب ومنع مرور الطائرات التي تحمل أسلحة إلى الاحتلال الإسرائيلي في الأجواء الإسبانية ودعم فلسطين على كل الصعد. ويأتي ذلك في وقت تشكل فيه سياسات الاحتلال تحديا كبيرا أمام دول العالم المطالبة فلسطينيا بمتابعة مخرجات مؤتمر نيويورك للسلام الذي قادته المملكة العربية السعودية وفرنسا أخيرا وبالضغط على الاحتلال الإسرائيلي من أجل تحقيق تطلعات أبناء الشعب الفلسطيني.
ودفعت حرب الإبادة التي ينتهجها الاحتلال في قطاع غزة منذ نحو عامين بعض الدول الغربية إلى مراجعة مواقفها من القضية الفلسطينية التي عادت إلى الواجهة مدعومة بمبادرة المملكة العربية السعودية في سبتمبر 2024 بتشكيل "التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين" من أجل حشد الدعم والتأييد للدولة الفلسطينية وعقد المؤتمر الدولي في نيويورك إلى جانب فرنسا.
ويمكن اعتبار 30 يوليو 2025 يوما مهما عندما وجهت فرنسا العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي ومعها 14 دولة أخرى نداء جماعيا قالت فيه إنها تعتزم الاعتراف بدولة فلسطين ودعت الدول الأخرى إلى فعل ذلك.
وشكل هذا قوة دفعت بدول كبرى إلى اتخاذ الموقف ذاته مثل المملكة المتحدة وأستراليا وكندا والبرتغال ومالطا فيما أكدت دول أخرى اعترافها السابق مثل إيرلندا وإسبانيا لتصبح غالبية دول العالم تعترف بدولة فلسطين. (النهاية) ن ق / م ع ع