نيويورك - 24 - 9 (كونا) -- ألقى ممثل حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه سمو ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد الصباح حفظه الله كلمة دولة الكويت أمام الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة بمقر المنظمة في مدينة نيويورك.. هذا نصها:
 
   "بسم الله الرحمن الرحيم
   
   معالي السيدة أنالينا بيربوك
   رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة..
 
   معالي السيد أنطونيو غوتيريش
   الأمين العام للأمم المتحدة..
 
   أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي رؤساء الوفود..
   السيدات والسادة:
 
   السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،
 
 
   في البداية يسرني أن أنقل لكم تحيات حضرة صاحب السمو أمير دولة الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه وتمنيات سموه رعاه الله بنجاح أعمال الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة وأتقدم إليكم - السيدة الرئيس - وبلدكم الصديق بالتهنئة لانتخابكم رئيسا للجمعية العامة للأمم المتحدة كما أشيد بالجهود التي بذلها سلفكم السيد فيليمون يانغ خلال رئاسته للدورة السابقة لأعمال الجمعية العامة ولا يفوتني أن أثمن عاليا القيادة الحكيمة لمعالي الأمين العام السيد أنطونيو غوتيريش وأغتنم هذه المناسبة لأجدد دعم دولة الكويت المتواصل له ولجهوده الجريئة والحميدة في إنفاذ الأهداف والرسالة السامية للأمم المتحدة.
 
   السيدة الرئيس:
   إننا نشاطر رؤيتكم لأهداف هذه الدورة بعنوان (أفضل معا) حيث يجسد هذا العنوان روح الوحدة والمسؤولية المشتركة المطلوبة لتجاوز التحديات العديدة والمتشابكة في عالمنا اليوم ومن الواجب على الدول الأعضاء أن تعمل معا للحفاظ على هذه المنظمة حجر الزاوية لتعددية الأطراف والملاذ الدولي الآمن الذي تتجه إليه الدول والشعوب لمعالجة وحل خلافاتها ومشاكلها ولاستكشاف مستقبل وسبل تحقيق المزيد من التنمية الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية في العالم.
   وقبل أن ننظر إلى المستقبل لا بد أن نقف لوهلة للنظر إلى العقود الثمانية الماضية التي مرت بها هذه المنظمة التي تأسست عندما اتفقت الدول في عام 1945 على إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي جلبت على الإنسانية مرتين أحزانا يعجز عنها الوصف.. وعلى الرغم من عدم اندلاع حرب عالمية ثالثة منذ إنشاء الأمم المتحدة إلا أننا شهدنا أحيانا - ومؤخرا على وجه الخصوص - عجزها عن التعامل مع التحديات السياسية والأمنية والمناخية والإنسانية والصحية كما ينبغي علاوة على أن الإخفاقات التي نتشارك بها في إطار هذه المنظمة يجب أن نستوعب دروسها ونتعلم منها كدول وحكومات وشعوب فذلك هو السبيل الأمثل لضمان عدم تكرارها ولبناء مستقبل أكثر أمانا للأجيال المقبلة.
 
   السيدة الرئيس:
   هناك نجاحات عديدة لهذه المنظمة لا يمكن نسيانها وأستذكر هنا - وبكل امتنان - إحدى أبرز قصص نجاح الأمم المتحدة بشكل عام ومجلس الأمن على نحو خاص عندما وقف العالم قبل 35 عاما بجانب دولة الكويت دعما للحق والعدل والقانون.
   لقد وقف على هذا المنبر في 27 سبتمبر 1990 أمير دولة الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح طيب الله ثراه حاملا رسالة شعب أحب السلام وعمل من أجله وتعرضت أرضه للغزو.. وقد عبر الحضور في هذه القاعة عن تأييدهم ومساندتهم لرسالة هذا الشعب – شعب الكويت المسالم – وقضيته العادلة في لحظة راسخة في ذاكرة كل مواطن كويتي جسدت الموقف الدولي المؤيد لتحرير دولة الكويت من العدوان العراقي الغاشم وإعادة الشرعية لأهلها.
   وقد أثبت مجلس الأمن آنذاك قدرته على الاضطلاع بمسؤولياته في حفظ السلم والأمن الدوليين حيث طبق نموذجا رائعا لما ارتأى الآباء المؤسسون لميثاق المنظمة فتدرج حينها المجلس في تطبيق صلاحياته وصولا إلى اتخاذ قراره التاريخي "باستخدام جميع الوسائل اللازمة" لتحرير دولة الكويت وهو موقف مخلد في وجدان الشعب الكويتي وشعوب العالم.
   وفي سياق حديثنا عن أهمية الحفاظ على قصص نجاحات منظمتنا التي جسد من خلالها مجلس الأمن أروع الأمثلة في تحقيق العدالة والإنصاف والذود عن سيادة الدول والحفاظ على شعوبها لا يفوتنا هنا أن نذكر بالقضية الإنسانية لدولة الكويت التي لا تزال تشغل أذهان الشعب الكويتي ألا وهي مصير الأسرى والمفقودين الأبرياء الذين ارتقوا إلى جوار ربهم جراء ما تعرض له وطنهم من ظلم وعدوان والأرشيف الوطني الذي يمثل الذاكرة المؤسسية المفقودة لدولة الكويت منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن.. هذه القضية ذات الأبعاد المتعددة: الإنسانية والأخلاقية والأممية تتطلب توافر النوايا الصادقة والإرادة الصلبة لمعالجتها على النحو الأمثل بمتابعة حثيثة من قبل مجلس الأمن ونأمل في تضميد جراح ذوي الأسرى والمفقودين الذين لا تزال أفئدتهم تعتصر ألما لغيابهم وقلوبهم تمتلئ أملا بدفن رفات أحبتهم على أرض الوطن.
   ونرحب في هذا الصدد باعتماد مجلس الأمن القرار 2792 (2025) بالإجماع والذي نص على تعيين ممثل أممي رفيع المستوى لمتابعة تلك الملفات على وجه الخصوص.. وعليه - ونظرا لعمق تأثيرها وأبعادها الإنسانية والوطنية - فلا بد أن تسخر ولاية هذا الممثل الأممي رفيع المستوى لإنهاء هذه الملفات العالقة بشكل عادل ونهائي بما يتسق مع التطلعات المشروعة لدولة الكويت والمجتمع الدولي وهو الأمر الذي سيسهم - بلا أدنى شك - في تعزيز مناخ التعاون المشترك بين دولة الكويت وجمهورية العراق الشقيق.
 
   السيدة الرئيس:
   لقد أطلق معالي الأمين العام "مبادرة الأمم المتحدة 80 - UN80 Initiative" والتي تأتي متوافقة مع الجهود الإصلاحية التي تسعى إلى تعزيز فاعلية الأمم المتحدة وكفاءتها لجعلها قادرة على مواجهة التهديدات والتحديات المستقبلية.
   وعندما نتحدث عن الإصلاحات في إطار النظام الدولي المتعدد الأطراف فلا بد أن يكون إصلاح جهاز مجلس الأمن على سلم الأولويات وإننا على قناعة تامة بأن هناك حاجة ملحة لإجراء إصلاحات ترسخ مبادئ العدالة والشفافية والمصداقية وعدم الازدواجية في المعايير لجعل مجلس الأمن أكثر قدرة على التصدي للتهديدات المعاصرة ولتكون تركيبته أكثر انعكاسا للعالم الذي نعيشه اليوم.
 
   السيدة الرئيس:
   تتشرف دولة الكويت برئاسة الدورة الحالية الخامسة والأربعين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية وعبر مرور الزمن أثبت هذا المجلس أنه بات ركيزة أساسية للاستقرار والازدهار في منطقتنا.
   وقد دأبت بلادي من خلال رئاستها لهذا المجلس على مواصلة مسيرة العمل الخليجي المشترك وتعزيز الشراكة الاستراتيجية مع المنظمات الإقليمية والدولية.. وتعتز دولة الكويت بتقديمها - نيابة عن كافة الأشقاء في دول المجلس - القرار الذي اعتمد بتوافق الآراء في هذه الجمعية المعني بالتعاون بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومنظمة الأمم المتحدة.. ويتطلع هذا الكيان المبارك والدول الأعضاء فيه إلى أخذ زمام الريادة والقيادة في مختلف المجالات فنحن شعوب الخليج لا نعرف المستحيل وسنبحر في خضم أمواج المستقبل بعزيمة لا تلين مؤمنين قولا وفعلا بوحدة المصير.
 
   السيدة الرئيس:
   لقد شهدت منطقتنا في الآونة الأخيرة تصعيدا عسكريا خطيرا واتساعا لرقعة النزاع وهو الأمر الذي سبق أن حذرنا من خطورته وتبعاته على أمن واستقرار المنطقة.. وإذ ندين في هذا الصدد بأشد العبارات العدوان الإسرائيلي الغاشم على دولة قطر الشقيقة فإننا نعد ذلك انتهاكا صارخا للقوانين الدولية كافة وتعديا على سيادة وسيط يعمل بجهود صادقة من أجل السلام وتجدد دولة الكويت تضامنها الكامل مع الأشقاء في دولة قطر مؤكدة أن أي تهديد أو عدوان تتعرض له دولة عضو في مجلس التعاون لدول الخليج العربية يمثل تهديدا وعدوانا مباشرا على جميع دول المجلس.
   وقبل أيام معدودة عقدت قمتان استثنائيتان: الأولى للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية والثانية القمة العربية – الإسلامية الطارئة لبحث العدوان الإسرائيلي على دولة قطر الشقيقة ونشدد على كافة المضامين التي وردت في البيانين الختاميين الصادرين عنهما.
 
 
   السيدة الرئيس:
   تواصل دولة الكويت سعيها الدؤوب الممتد لأكثر من عقدين من الزمن لمساعدة العراق على تلبية آمال وتطلعات شعبه الشقيق وتمكينه من الإسهام في أمن واستقرار المنطقة في إطار تفاهمات ثنائية تمثل حجر الأساس محددة لمعالم التعاون والتنسيق والتكامل وصولا إلى مستقبل أكثر إشراقا كفيلة بطي صفحات الماضي الأليم ومعالجة جراحه.
   وعليه تؤكد بلادي من هذا المنبر وللعام الثالث على التوالي التزامها بما نصت عليه اتفاقية تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله وبروتوكول المبادلة الأمني المبرم مع جمهورية العراق الشقيق منذ العام 2009 وتجدد التزامها بتصحيح مسار العملية التفاوضية لترسيم الحدود البحرية مع جمهورية العراق الشقيق لما بعد العلامة 162 وفقا لمبادئ وقواعد القانون الدولي واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982 ودون أي مساس بالأراضي والجزر والمرتفعات المائية الثابتة.. ونجدد في الوقت ذاته دعوتنا للأشقاء في العراق باحترام ما نصت عليه الاتفاقيات والتفاهمات النافذة التي أسلفنا ذكرها بحيث يتسنى لنا الانطلاق نحو الارتقاء بمجالات التعاون التي بادرت بلادي بإرسائها مع العراق الشقيق إلى آفاق أرحب.
 
 
   السيدة الرئيس:
   إن ما يحدث في قطاع غزة منذ ما يقارب عامين من عقاب جماعي وقتل لعشرات الآلاف من الأبرياء الفلسطينيين معظمهم من الأطفال والنساء وانتهاج القوة القائمة بالاحتلال سياسة التجويع كأداة حرب.. ما هو إلا تطبيق مرئي للإبادة الجماعية وقد وصلنا إلى ما نحن عليه نتيجة لازدواجية المعايير في تطبيق القانون الدولي ولا يمكن الدعوة إلى احترام القانون الدولي في مكان وتجاهل تطبيقه في مكان آخر حيث يؤدي ذلك إلى زعزعة الثقة بالمنظومة الأممية وتقويض أسس العدالة والمساواة التي قامت عليها.
   وتدين دولة الكويت مجددا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وكافة الأراضي الفلسطينية المحتلة وتدعو إلى إنهائه بشكل فوري والسماح بدخول المساعدات الإنسانية بشكل عاجل مشيدة في ذات الصدد بجهود دولة قطر الشقيقة وجمهورية مصر العربية الشقيقة والولايات المتحدة الأمريكية الصديقة ومساعيها المبذولة من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
   وإذ نستذكر في هذا الصدد المؤتمر الدولي رفيع المستوى لتسوية القضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين برئاسة مشتركة بين المملكة العربية السعودية الشقيقة والجمهورية الفرنسية الصديقة فإننا نتطلع إلى البناء على ما توج به المؤتمر من زخم سياسي مشيدين بالخطوة التي اتخذتها العديد من الدول الصديقة المتمثلة في الاعتراف رسميا بالدولة الفلسطينية المستقلة ونؤكد ضرورة اتخاذ سائر الدول خطوات مماثلة.
   كما تؤكد دولة الكويت التزامها الثابت بدعم وكالة الأونروا إدراكا منها للدور المحوري والهام الذي تضطلع به الوكالة لتأمين الاحتياجات الأساسية للملايين من اللاجئين الفلسطينيين وتجدد رفضها القاطع لسياسة الاستيطان والتهجير القسري التي تنتهجها القوة القائمة بالاحتلال مشددين على ضرورة أخذ خطوات لتحميل إسرائيل - القوة القائمة بالاحتلال - المسؤولية القانونية تجاه ما قامت به من قتل ودمار.
   هذا وتجدد دولة الكويت موقفها التاريخي والثابت في دعم الشعب الفلسطيني الشقيق وقضيته العادلة وحقه المشروع في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وفقا لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية لعام 2002.
 
   السيدة الرئيس:
   تقف دولة الكويت إلى جانب الجمهورية العربية السورية والجمهورية اللبنانية في مساعيهما لبناء مستقبل مزدهر وآمن يحقق تطلعات شعبيهما مؤكدة ضرورة احترام سلامة وسيادة ووحدة أراضي البلدين الشقيقين.
   كما تتابع ببالغ القلق ما تشهده كل من الجمهورية اليمنية وجمهورية السودان وجمهورية الصومال الفيدرالية ودولة ليبيا وندعو إلى تغليب صوت الحكمة والعقل والانخراط بالحوار السياسي لحل الخلافات وفقا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وقواعد القانون الدولي بما يضمن وحدة وسلامة واستقرار وسيادة هذه الدول الشقيقة.
   وانطلاقا من تمسكنا بمبادئ حسن الجوار الواردة في ميثاق الأمم المتحدة نؤكد مجددا دعوتنا للجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى تفعيل إجراءات جادة لبناء الثقة القائمة على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.. ونؤمن بأن تهيئة الظروف الملائمة لاستئناف المفاوضات من شأنها أن تسهم في معالجة البرنامج النووي الإيراني وسائر القضايا العالقة.
 
   السيدة الرئيس:
   إننا في دولة الكويت، وبفضل عزيمة أبنائها الأوفياء نمضي بخطى ثابتة نحو المستقبل وفق "رؤية الكويت 2035" التي تهدف إلى ترسيخ الكويت كمركز مالي وتجاري وثقافي رائد في المنطقة وكذلك وبشكل مواز نعمل على تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030 مستلهمين من الآباء والأجداد قيم العمل والإخلاص والعطاء التي غرسوها في الأجيال المتعاقبة من أجل بناء وطن آمن ومزدهر.
   ونؤكد في ذات الصدد على أهمية الدور الفاعل للمرأة الكويتية والشباب الكويتي في مختلف المجالات مشيدين بمساهماتهم القيمة في مسيرة التنمية ونهضة المجتمع وازدهاره.. ومع بقاء خمسة أعوام فقط على تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030 نشدد على ضرورة مواصلة العمل حتى تستطيع الدول تحقيق تلك الأهداف النبيلة لضمان عدم ترك أي أحد يتخلف عن الركب.
   وانطلاقا من تلمسها معاناة الدول النامية والأقل نموا حرصت دولة الكويت على دعم جهود التنمية الدولية حيث قدمت عبر الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية منذ تأسيسه في عام 1961 دعما لتمويل مشاريع إنمائية في 107 دول.. وتؤكد التزامها بدعم مسيرة التنمية العالمية واستمرارها في تقديم وتأمين إيصال المساعدات الإنسانية إلى شتى بقاع العالم دونما تمييز أو تسييس أو شروط.
 
   وفي الختام.. السيدة الرئيس،،،
 
   فإن دولة الكويت كانت وما زالت وستبقى كما عهدتموها عبر الزمن داعمة بقوة للأمم المتحدة ومساعيها السامية في مختلف بقاع العالم ملتزمة التزاما راسخا بمقاصد ومبادئ ميثاقها.. منارة ومركزا للعمل الإنساني ورائدة في العمل الدولي الإنمائي ووسيطة إقليمية موثوقا بها.. مساندة للجهود الدولية لتسوية النزاعات عبر الحوار والحلول السلمية.. مؤمنة بثقافة التسامح والتعايش السلمي.. محبة للسلام، وستبقى تعمل من أجله.
 
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته". (النهاية)
 
 
   م ص ع