من هنادي وطفة (تقرير اخباري) مدريد - 26 - 7 (كونا) -- موجة من العنف ضد المهاجرين شهدتها إسبانيا في الأيام الماضية على وقع مقطع مصور (فيديو) لاعتداء على رجل مسن ما أشعل فتيل توتر كبير بين السكان وأحدث فوضى وأعمال شغب عنصرية.
وحمل الفيديو الذي نشر في العاشر من يوليو الجاري على منصات التواصل الاجتماعي تعليقا بأنه "تم تسريب فيديو لاعتداء وحشي على رجل مسن (68 عاما) من قبل أشخاص من شمال إفريقيا في توري باتشيكو، مورثيا" لكن هناك تقارير أظهرت في وقت لاحق أن الحقيقة كانت أبعد عما تم تداوله.
وتلقف موالون للأحزاب اليمينية المتطرفة الفيديو على منصاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي وادعوا أن منفذي الحادث مهاجرون وأرفقوه برسائل معادية للأجانب ما أسفر عن موجة احتجاجات عنيفة استمرت عدة أيام وسط انتشار قوي لقوى الأمن لردع الجماعات المتطرفة.
وخرجت مظاهرات ضد المهاجرين في (توري باتشيكو) وعمت الفوضى البلدة لعدة أيام تخللها إحراق حاويات وتكسير واجهات محال تجارية وتدميرها وسط تراشق بالحجارة بين الجماعات المتطرفة التي خرجت ل "مطاردة المهاجرين" وبين هؤلاء.
لكن الفيديو الذي انتشر سريعا يعود في الحقيقة لواقعة حدثت قبل شهرين في مدينة (ألمريا) في إقليم (الأندلس) التي تبعد أكثر من 200 كيلو متر عن (توري باتشيكو) تعرض فيها مسن آخر لاعتداء عنيف من قبل أشخاص زعم أنهم إسبان وليسوا مهاجرين.
وسرعان ما انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي سلسلة من مقاطع الفيديو المضللة الأخرى التي تعود لأحداث سابقة في إسبانيا وخارجها فاحتشد في (توري باتشيكو) عدد كبير من المتطرفين الذين وفدوا من مناطق مختلفة في إسبانيا داعين إلى "اصطياد المهاجرين" وإخراجهم من الأحياء السكنية وسط حالة من الفوضى والخوف بين سكان البلدة فيما اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي برسائل تحريضية ضد المهاجرين وأبنائهم الذي ولدوا في إسبانيا.
وردت الحكومة الإسبانية بإرسال تعزيزات أمنية كبيرة من الشرطة الوطنية والحرس المدني وتم إلقاء القبض على 14 شخصا بينهم عناصر من جماعات اليمين المتطرف ومسؤولون عن صفحات تحريضية على مواقع التواصل الاجتماعي أبرزهم زعيم مجموعة "اطردوهم الآن" على (تيليغرام) المقيم في (برشلونة) بتهم التحريض على الكراهية والعنف وحيازة أسلحة بيضاء الذي أدخل السجن الاحتياطي.
ونشرت وزارة الداخلية الإسبانية المئات من عناصر الأمن الإضافيين ووحدات مكافحة الشغب كما سيرت طائرات مسيرة لضبط أي تحركات مشبوهة وردع المتطرفين الذي واصلوا التحريض على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأدى ما يعد الحدث الأخطر منذ عام 2000 إلى انقسام واضح في الخطاب السياسي وتوتر اجتماعي وأمني كبير في إسبانيا أشعل مخاوف حقيقية من انتقال عدواه وعدوى مشاهد حصلت في ضواحي باريس وبروكسل وبرلين إلى مناطق إسبانية أخرى تحتضن أعدادا كبيرة من العمالة المهاجرة.
واندلعت الحادثة بعد أيام قليلة من دعوة الحزب اليميني المتطرف (بوكس) وهو ثالث أكبر قوة في البرلمان الإسباني إلى طرد أكثر من ثمانية ملايين مهاجر في إسبانيا وإعادتهم وأبنائهم إلى بلدانهم الأصلية.
و(توري باتشيكو) واحدة من البلديات الإسبانية ذات التركيبة السكانية الأكثر تنوعا حيث يقدر عدد سكانها 39910 آلاف نسمة منهم 11649 من الأجانب من عشرات الجنسيات أي ما يمثل 2ر29 في المئة من السكان.
وتشير آخر إحصائيات إقليم (مورثيا) الذي يعد إحدى "السلال الزراعية" لإسبانيا وأوروبا بفضل إنتاجه الضخم من الخضراوات والفواكه حتى يناير 2025 إلى أن السكان القادمين من افريقيا يشكلون 6ر58 في المئة من السكان الأجانب.
ويتجاوز عدد الأجانب في (توري باتشيكو) المتوسط الوطني ويترتب عليه تحديات كبيرة مرتبطة بالاندماج الاجتماعي والثقافي وتوفير الخدمات الأساسية خاصة في الأحياء الفقيرة التي تفتقر أحيانا إلى أدنى مقومات العيش اللائق.
ووجدت المواجهات في شوارع البلدة أصداءها في المشهد السياسي الإسباني وقد أدانت الحكومة الإسبانية العنف بشكل قاطع معتبرة ان ما جرى "اعتداء على التعايش السلمي" في البلدة في الوقت الذي شددت فيه على أنه "لا تهاون مع خطاب الكراهية".
وحذر وزير الداخلية الإسباني الاشتراكي فرناندو غراندي مارلاسكا من أن الحكومة "لن تتسامح مع محاولات زرع الفتنة أو تأجيج الكراهية ضد الأجانب" مشددا على ضرورة عدم الانجرار وراء المعلومات المضللة أو مشاركة المنشورات التي تحرض على العنف والكراهية وضرورة التحقق من مقاطع الفيديو والعودة إلى المصادر الرسمية.
وتؤكد هيئات المجتمع المدني في (مورثيا) أن ما يجري في (توري باتشيكو) هو ثمرة قصور طويل الأمد في سياسات الاندماج لافتة إلى ان مئات العائلات المهاجرة تعاني من التهميش وضعف فرص التعلم الجيد لأبنائها الذين "ولدوا في إسبانيا ويتحدثون لغتها ولا يعرفون غيرها وطنا لكنهم يواجهون حملات شيطنة وتحريض تجعلهم يشعرون بأنهم غرباء في بلدهم".
وفي هذا السياق أفاد تقرير أعدته جمعيتا (الشباب والتنمية) و(بوسكو جلوبال) بتمويل من الوكالة الاسبانية للتعاون الدولي التابعة لوزارة الخارجية الإسبانية وقدمت نتائجه الأسبوع الماضي بأن إسبانيا سجلت 600 إنذار بانتشار معلومات مضللة في الأشهر الستة الماضية حول قضايا الهجرة والعنصرية.
وذكر التقرير ان الرسائل المضللة تعرض المهاجرين كجماعات "عنيفة" أو "غزاة" يحصلون على "امتيازات" على حساب السكان الأصليين ويسعون لفرض عادات ثقافية خطرة أو غريبة لافتا إلى ان تلك الرسائل سريعة الانتشار على منصات منها (واتساب) و(اكس) و(انستغرام) ما يساهم في سهولة تناقلها.
وحذر التقرير من أن تلك الأخبار المضللة تؤثر بشكل مباشر على الصحة النفسية للمهاجرين وتزعزع "التماسك الاجتماعي" وقد ترتبط أحيانا بأعمال عنيفة ملموسة وهو ما أبرزته الاضطرابات الأخيرة في (توري باتشيكو). (النهاية) ه ن د / ط م ا