من الهيثم صالح (تقرير اخباري)

الكويت - 1 - 10 (كونا) -- في الأول من أكتوبر من كل عام يحتفل العالم باليوم العالمي للقهوة الذي أطلقته المنظمة الدولية للقهوة في لندن للاحتفاء بهذا المشروب الذي يعد ثاني أكثر السلع رواجا في العالم بعد النفط وينافس الشاي كأكثر المشروبات شعبية واستهلاكا بعد الماء.
فالقهوة تعد إحدى الطقوس اليومية لجميع الشعوب اذ يحتسي سكان العالم يوميا أكثر من ملياري وربع المليار كوب منها كما يستهلكون سنويا أكثر من خمسة مليارات كيلوغرام من حبوب البن المحمصة.
ويقال إن القهوة كانت الوقود المفضل لأبرز مفكري أوروبا وأمريكا كمونتيسكيو وبنجامين فرانكلين والسكندر بوب وإيمانويل كانط ووليام جيمس وغيرهم لدرجة أن الفيلسوف الفرنسي الشهير فولتير روي أنه كان يحتسي يوميا ما بين 40 إلى 50 كوبا من القهوة وكان يمزجها بقطع الشوكولا.
لكن من أين وكيف بدأت قصة القهوة؟ وهنا تقول موسوعة المعارف البريطانية (بريتانيكا) إن شابا عربيا يدعى خالدي كان يرعى الأغنام في غابات (كافا) المطيرة ذات الأشجار الباسقة في بلاد الحبشة (إثيوبيا حاليا) عام 850م ثم لاحظ ذات يوم أن الأغنام أصبحت أكثر مرحا وتكاد ترقص.
ووفقا ل(بريتانيكا) سرعان ما اكتشف خالدي أن الغنم أكلت من بعض الأشجار ثمارا حمراء تشبه الكرز فقرر أن يجربها بنفسه ثم توجه إلى عمه الراهب في الدير القريب يطير فرحا بهذا الاكتشاف لكن الرهبان نزعوا منه تلك الثمار وألقوها في موقد النار خوفا من الأرواح الشريرة.
لكن عندما تسللت رائحة البن المحمص إلى أنوف الرهبان انتابهم ذات الشعور الذي كان قد انتاب خالدي وتراجعوا عن رأيهم بعد أن شعروا بالحماسة التي تضفيها هذه الطاقة الجديدة وسرعان ما أضافوا الماء إلى الحبوب المحمصة لتبرد كي يتذوقوها وبذلك صنع خالدي أول كوب من القهوة.
وعلى رغم الخلاف بشأن هذه القصة فالراجح أن قصة القهوة بدأت من بلاد الحبشة ويقال إن كلمة (Coffee) الإنجليزية مشتقة من اسم غابات (كافا) القابعة في المرتفعات الإثيوبية الشاهقة حيث تنمو آلاف الأنواع من أشجار البن بطريقة طبيعية دون تدخل من أحد.
وخلال القرن ال15 شقت أشجار البن طريقها عبر البحر الأحمر إلى اليمن الذي أتاح مناخه وتربته أيضا ظروفا مثلى لزراعة محاصيل البن الغنية ومن هناك انتقلت إلى باقي شبه الجزيرة العربية ومصر ثم إلى تركيا وفارس.
وفي اليمن حصل (البن العربي) على اسمه وكان أول ميناء وصلت إليه حبوب القهوة هو ميناء (المخا) ومنه عرفت القهوة بالمخاء أو التي نطقت لاحقا (موكا) ونظرا لتزايد شعبية القهوة وشحنها من تلك المدينة الساحلية أصبحت الموكا مرادفا أوروبيا للقهوة.
وظلت منطقة شبه الجزيرة العربية تحتفظ بسر القهوة وبذلت جهودا مضنية لمنع أي شخص من إخراج بذور القهوة من اليمن لكن رجلا هنديا مسلما يدعى بابا بودان نجح في القرن ال16 في تهريب سبع حبات خصبة من البن من اليمن في لحيته أثناء عودته من رحلة الحج ووصل بها إلى الهند مغيرا مجرى التاريخ لتنتشر زراعة البن شرقا وغربا على نطاق واسع في الهند وإندونيسيا وفيتنام والبرازيل وغيرها.
وفي عام 1615 وصلت القهوة إلى مدينة البندقية الإيطالية وسرعان ما أصبحت مشروبا شهيرا ثم انتشرت المقاهي في أوروبا من هولندا إلى النمسا وألمانيا وبريطانيا وأصبحت مكانا للقاءات الاجتماعية والسياسية المهمة.
اما في عام 1669 فقد دخلت القهوة إلى فرنسا عندما قدمها السفير التركي إلى الملك لويس ال14 وسرعان ما تغلبت على باقي المشروبات في باريس.
ونجح الكولونيل فرانسيسكو دي ميلو بالهيتا في عام 1727 بإنشاء أول مزرعة للقهوة في العالم في البرازيل عندما أرسله الفرنسيون إلى غيانا لتسوية نزاعها مع الهولنديين لكن كانت أولويته تهريب بذور البن إلى البرازيل مهما كان الثمن.
وفي الولايات المتحدة بدأت رحلة القهوة عام 1773 أثناء الثورة الأمريكية عندما تسللت مجموعة من القوميين على متن سفن الشاي الإنجليزية التي كانت رابضة في ميناء بوسطن وألقوا كل محتوياتها في المحيط للتمرد على الضريبة الإنجليزية على الشاي.
وبمنتصف القرن ال19 أصبح البن من أهم سلع التجارة الدولية بعد أن شق طريقه نحو مختلف أصقاع الأرض وباتت عقود البن من العناصر الرئيسة للبورصات العالمية في نيويورك ولندن وأصبحت القهوة الخضراء من أهم السلع الزراعية تداولا في العالم.
وفي عام 1962 توصلت الدول المنتجة والمستهلكة للبن إلى (الاتفاقية الدولية للبن) بهدف تحقيق تجارة عادلة للسلعة الاستراتيجية إذ يعتبر "اقتصاد القهوة" اقتصادا حاسما يعمل فيه عشرات الملايين من البسطاء في العالم.
وفي العام التالي تأسست المنظمة الدولية للقهوة في لندن من أجل تطبيق الاتفاقية وضمان استقرار الأسعار بين المنتجين والمستهلكين والتغلب على التحديات التي تواجه قطاع البن وهي تضم اليوم 42 بلدا منتجا للبن بالإضافة إلى 7 مستوردين منهم الاتحاد الأوروبي وتمثل 98 في المئة من الإنتاج العالمي و67 في المئة من الاستهلاك.
وبات الناس في كل مكان بالعالم يتحدثون عن مذاق مختلف للقهوة دون أن يدركوا أن السر في البن المستخدم وأنه توجد الآلاف من أنواعه والكثير من الخلطات المصاحبة له.
ويشكل البن العربي (أرابيكا) ما بين 60 إلى 70 في المئة من إنتاج القهوة في العالم نظرا لنكهته الغنية وحموضته البسيطة كما أنه يحوي كميات جيدة من الكافيين لكن نبتته تعد شديدة الحساسية لتقلبات المناخ ومكلفة في الإنتاج ما يجعله الأعلى طلبا وسعرا في العالم وهو يزرع في 50 بلدا في المناطق المدارية تسمى (حزام البن).
ويليه بن الروبوستا الذي يشكل نحو 20 الى 30 في المئة من انتاج القهوة وهو يستخدم في توليفات القهوة الإيطالية المضغوطة (إسبريسو) لإحداث النكهة المميزة ويزرع في إندونيسيا وإفريقيا وفيتنام والهند والبرازيل وطعمه لاذع وأكثر حموضة كما أنه يحوي كميات أعلى من الكافيين لكنه أكثر مقاومة للأمراض من الأرابيكا ورائحته أقوى يمكن تمييزها بسهولة.
وهناك صنف آخر مهم من البن قد يمثل تغييرا هائلا في مذاق القهوة هو بن الليبريكا الذي ينتج في إفريقيا والفلبين ويمثل حوالي 2 في المئة فقط من الإنتاج العالمي.
وتعد حبة بن الليبركا أكثر صلابة وأصعب في التحضير لكن برزت أهميته بسبب مقاومته للتغيرات المناخية التي أدت لتراجع الإنتاج العالمي من بن الأرابيكا.
وهناك بن (كوبي لواك) الأغلى ثمنا والأندر في العالم وينتج في إندونيسيا حيث يتوافد السائحون على جزيرة بالي لتذوقه ويتجاوز سعر الكيلو منه 1300 دولار.
ولأن القهوة من المشروبات القليلة المتنوعة فقد ابتكرت شعوب العالم طرقا مختلفة للاستمتاع بها بدرجات مختلفة من التحميص وسواء كانت ساخنة أو باردة مع الماء أو الحليب وبدرجات متباينة أو قد يضاف إليها الكاكاو والكريما والكراميل وهناك أيضا القهوة منزوعة الكافيين.
ولقد انتشر هذا المشروب في العالم وتطورت أماكن تناوله ولا تكاد قرية أو مدينة تخلو من المقاهي على اختلاف درجاتها وصولا إلى العلامات التجارية العالمية منها.
فالحقيقة أن القهوة وفرت مساحات مريحة للبشر للالتقاء والحديث وتبادل الأفكار وعقد الصفقات والمطالعة بل حتى العمل والدراسة فمن بين طرق التدريس الحديثة في فرنسا (pédagogies) طريقة تدعى (MOOC) وهي للتعلم عن بعد من المقاهي.
ونجحت القهوة في غزو العالم وعبرت المحيطات لتصبح واحدة من أكبر صادرات العالم ويعمل بها 10 في المئة من سكانه.
وفي يومها العالمي لم يتوقع خالدي بالتأكيد كل هذا من الثمرة الحمراء الغريبة التي جعلته يتراقص مع أغنامه في ظلال غابات كافا قبل نحو 1200 عام.(النهاية) ه س ص / م خ