من علاء الهويجل بغداد - 17 - 5 (كونا) -- بعد مضي سبعة أشهر وبضعة أيام على إجراء الانتخابات النيابية المبكرة في العراق لا تلوح أي بوادر حتى اليوم على تشكيل حكومة عراقية جديدة.
فالفائزون بمقاعد البرلمان الجديد تخندقوا منذ اعلان النتائج بخندقين متضادين لا يقوى اي منهما منفردا على ضمان ما يكفي من الاصوات لتمرير الحكومة كما لم تنجح مبادرات تقريب وجهات النظر بينهما للخروج بحل من الازمة.
فما ان اعلنت نتائج انتخابات في العاشر من اكتوبر الماضي حتى بانت الاصطفافات واتضحت التحالفات بتقارب لافت بالمواقف والرؤى بين أكبر ثلاث كتل نيابية فائزة وهي (الكتلة الصدرية) و(تحالف السيادة) و(الحزب الديمقراطي الكردستاني) وهو ما شكل نحو 180 مقعدا من اصل 329 مقعدا.
تلك الأحزاب الثلاثة جهرت علانية بنيتها العمل معا لتشكيل حكومة "أغلبية وطنية" بدعم من اغلبيتها النيابية المريحة الامر الذي اثار مخاوف الاخرين من احتمال اقصائهم من التشكيلة الحكومية المقبلة لا سيما ان من بين المستبعدين عن خطة حكومة الاغلبية احزابا شيعية كانت جزءا مهما من الحكومات السابقة فوجدت نفسها اليوم تدفع دفعا خارج السلطة وبعيدا عن مصدر القرار.
وتلك كانت بداية الازمة السياسية المستعصية في البلاد والتي عطلت تشكيل الحكومة حتى اليوم فالأحزاب المستبعدة من الثلاثي شكلت ما يعرف بالاطار التنسيقي ووقف إلى جانبها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني القلق من احتمال خسارة منصب رئاسة الجمهورية لصالح الثلاثي فضلا عن نواب سنة في تحالف (عزم) هم على خلاف سياسي مع قيادات تحالف السيادة.
فيما حاول الاطار التنسيقي وحلفاؤه تعطيل مساعي الثلاثي بالاستحواذ على المناصب الكبرى في البرلمان والحكومة فقاطعوا جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب لكن الثلاثي نجح في تحقيق النصاب بالأغلبية المطلقة (نصف + 1) ومرر مرشحه محمد الحلبوسي في جلسة التاسع من يناير الماضي بنحو 200 صوت من أعضاء الثلاثي وعدد من النواب المستقلين.
وفي الوقت الذي كان تحالف الثلاثة الكبار يستعد لجولة ثانية للاستحواذ على منصب رئاسة الجمهورية لصالح الحزب الديمقراطي الكردستاني فاجأ الرئيس المنتهية ولايته برهم صالح من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الجميع بإرسال استفسار الى المحكمة الاتحادية عن النصاب المطلوب لانعقاد جلسة انتخاب الرئيس لتجيب الاخيرة في الثالث من فبراير الماضي في توضيح لبند دستوري بأن النصاب يجب ان يكون بواقع ثلثي اعضاء مجلس النواب.
وكانت تلك العقبة هي التي كبحت مساعي الثلاثي وطموحاته العريضة وخلقت أزمة سياسية عصية على الحل وأعادت الثقة للاطار التنسيقي وحلفائه بشأن إمكان تحقيق مكاسب سياسية لان التحالف الثلاثي لا يقوى بأي حال من الاحوال على تحشيد 220 صوتا هو نصاب الثلثين لجلسة انتخاب الرئيس.
في المقابل أبدت احزاب (الثلاثي) إصرارا على المضي في مشروعها وأطرت علاقتها بتحالف رسمي في 23 من مارس الماضي تحت اسم تحالف (انقاذ وطن) وقدمت ريبر احمد مرشحا لمنصب رئيس الجمهورية عن الحزب الديمقراطي الكردستاني ومحمد جعفر الصدر مرشحا لرئاسة الحكومة ماضية في خططها لتشكيل حكومة أغلبية وطنية ورافضة لمبدأ الحكومة التوافقية.
لكن تحالف (انقاذ وطن) أخفق بالفعل في تحقيق نصاب الثلثين لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية التي عقدت في 26 من مارس الماضي ولم يؤمن هو ومن حضر معه من المستقلين سوى 202 نائب وهو اقل بواقع 18 نائبا عن الحد الذي اشترطته المحكمة الاتحادية لتحقيق النصاب ثم اخفق ثانية في 30 من مارس الماضي بتحقيق النصاب وكل ذلك بسبب مقاطعة الاطار التنسيقي وحلفائه وعدد من المستقلين.
وهنا ايقن (انقاذ وطن) ان العقدة أصعب مما كان يتصور لكنه لم يتراجع عن متبناه الاساسي بتشكيل حكومة أغلبية وطنية وحتى لا يتهم بأن إصراره ذلك عطل تشكيل الحكومة اعلن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الرجل الاقوى في (انقاذ وطن) في 31 من مارس الماضي وبشكل مفاجئ الانسحاب من مفاوضات تشكيل الحكومة وفسح المجال للاطار وحلفائه بالتفاوض مع من يشاؤون لتشكيل الحكومة.
وكما كان متوقعا أخفق الاطار التنسيقي في ضمان تحالفات تؤمن له ال220 صوتا لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية لا سيما ان حليفي الصدر في (انقاذ وطن) تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني اعلنا صراحة في بيان في الاول من إبريل تمسكهما بالتحالف مع الصدر لا مع غيره.
وقبل ان تنتهي مهلة الصدر تقدم (الاطار التنسيقي) اليائس من تشكيل الحكومة بمبادرة لحلحلة الازمة في الرابع من مايو الجاري ملخصها ان يتولى الاكراد تقديم مرشح رئاسة الجمهورية وتتولى الكتل الشيعية مجتمعة تقديم مرشح رئاسة الوزراء.
ولم تلق المبادرة آذانا صاغية لدى (انقاذ وطن) بل ما هي الا ساعات حتى عاد الصدر ليطلق مبادرة جديدة يدعو فيها هذه المرة النواب المستقلين من خارج الاطار التنسيقي والتحالف الى العمل على تشكيل الحكومة بدعم منه.
ومع تشتت توجهات المستقلين وعدم وجود قيادة موحدة لهم لم تفلح مبادرة الصدر تجاههم كذلك بحلحلة الازمة وعدها مراقبون انها لم تكن اكثر من محاولة من الصدر لاستمالة المستقلين ل(انقاذ وطن) لدعمه في تحقيق النصاب القانوني.
ورغم مرور اكثر من سبعة اشهر على إجراء الانتخابات النيابية المبكرة فإن الغريمين (انقاذ وطن) من جهة و(الاطار التنسيقي) وحلفاءه والذي صار يعرف لاحقا ب"الثلث المعطل" او "الثلث الضامن" من جهة اخرى لا يزالان يبديان تصلبا في المواقف.
اذ عقدت قيادات (انقاذ وطن) اجتماعا تشاوريا في التاسع من مايو الحالي في أربيل وخرجوا ببيان يؤكدون فيه ان التحالف منفتح على القوى السياسية التي تؤمن بحكومة الاغلبية الوطنية في اشارة الى انه ماض في برنامج الاغلبية حتى الان ولا تراجع فيه.
بدوره أعلن (الاطار التنسيقي) في بيان في ال12 من مايو الجاري انه متماسك وثابت على رؤيته في تشكيل الحكومة المقبلة نافيا ما يتم تداوله من وجود انشقاقات في صفوفه واستمالة اطراف منه الى تحالف (انقاذ وطن) لتشكيل الحكومة.
ومع اصرار الجميع على مواقفهم وانعدام الحلول الفعلية للازمة تواصل حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ادارة البلاد بصفة تصريف اعمال بما يعنيه ذلك من قيود ادارية وقانونية في ارسال الموازنات او عقد الاتفاقيات وبما يجسده ذلك من ضبابية في المشهد السياسي. (النهاية) ع ح ه / ع س ع