(تقرير اخباري) الكويت - 27 - 1 (كونا) -- ما بين شد وجذب تدور رحى الأزمة الأوكرانية التي أخذت في الفترة الأخيرة منحى جديدا على ضوء قرار واشنطن ولندن ودول أخرى سحب عائلات الدبلوماسيين العاملين في كييف خشية مسار غير محمود العواقب في الصراع الدائر مع روسيا.
فعلى الرغم من تأكيد الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي أنه "لا أساس للهلع" وإعلان سكرتيره للأمن القومي الكسي دينيسوف عدم وجود دلائل على غزو روسي وشيك لأوكرانيا فإن حالة التوتر تسير في خط تصاعدي بين روسيا والغرب خاصة عقب قرار حلف شمال الأطلسي (ناتو) زيادة حشوده العسكرية في أوروبا الشرقية تحسبا ل "عدوان روسي وشيك ضد أوكرانيا".
وفي حين أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاغون) حالة التأهب القصوى ووضع أكثر من ثمانية آلاف عسكري في حالة استعداد للتوجه إلى أوروبا الشرقية عند الضرورة وجهت موسكو لها الاتهام بأن هذه الاجراءات "تزيد حجم التوتر في مجال الأمن بالمنطقة".
وفي هذا الصدد شدد الرئيس الأمريكي جو بايدن غداة الإعلان على عدم وجود نية لدى واشنطن أو (ناتو) بنشر قوات داخل أوكرانيا مؤكدا أن ذلك عائد لكونه يشعر بأنه "مضطر" لتعزيز الوجود الأمريكي في المنطقة.
وبالتوازي مع التشديد على تفضيل الخيار الدبلوماسي يلوح الرئيس الأمريكي باستمرار "برد اقتصادي قوي ومنسق في حال قامت روسيا بغزو أوكرانيا" مؤكدا أنها "ستدفع ثمنا باهظا" إذا ما اتخذت هذا الخيار.
واستباقا لحدوث سيناريو الغزو الروسي تتخذ واشنطن كذلك عدة خطوات أبرزها مد كييف "بقطع واسلحة دفاعية" تبلغ قيمتها مئات الملايين من الدولارات.
وعلى ضوء الخلافات والتهديدات والحشود العسكرية والمناورات الحربية المتبادلة يتمثل السؤال الأهم: إلى أين يمكن أن تصل حدود المجابهة؟ وهل يمكن أن تفلت الأمور من عقالها باتجاه مواجهة عسكرية؟ وهنا يميل أغلب الخبراء إلى استبعاد وقوع حرب شاملة في أوروبا أو حتى محدودة أولا بسبب خطورة مثل هذا المنحى وعدم القدرة على التحكم بمسار المجابهة في حال وقوعها وعدم ضمان ألا تصل إلى حد استخدام أسلحة للدمار الشامل وثانيا بسبب كلفة مثل هذه المواجهة التي ستكون مرتفعة جدا ولن تنحصر حدودها في منطقة الحدود بين روسيا وأوكرانيا.
وفي هذا السياق يلفت الخبراء إلى أن المهمة الأساسية تكمن حاليا في التوفيق بين إصرار (ناتو) على التمسك ب(سياسة الأبواب المفتوحة) أمام كافة الدول الراغبة بالانضمام إلى الحلف ومطالب موسكو بعدم ضم أوكرانيا وجورجيا ودول أخرى من الفضاء السوفياتي السابق إلى عضوية الحلف.
وتقول روسيا إنها "لا تفكر ولا تخطط لغزو أوكرانيا لكن من حقها نشر قواتها العسكرية في أي مكان تريده في أراضيها لا سيما أن الجانب الأوكراني (كما تقول مصادر روسية) حشد قرابة 120 ألف عسكري سواء في منطقة الحدود مع روسيا أو في خطوط التماس مع الأقاليم الشرقية (لوغانسك ودونيتسك) الانفصالية المجاورة لروسيا والتي يشكل الروس أغلبية سكانها".
وترفض روسيا من ناحية المبدأ حصر خلافها مع واشنطن و(ناتو) بالمسألة الأوكرانية التي تعتبرها "جزءا من المشكلة" وتصر على ضرورة النظر في مطالبها الأمنية بشكل واسع "يضمن العودة إلى مفهوم الأمن الموحد للجميع على أساس قرارات منظمة الأمن والتعاون في أوروبا".
وبالنسبة للاجراءات التي يمكن لروسيا أن تتخذها في حال رفض الغرب الاستجابة لمطالبها الأمنية يرى عدد من الخبراء والمحللين العسكريين أن موسكو يمكن أن تقوم بنشر منظومات صاروخية ضاربة فتاكة في كوبا وفنزويلا خاصة على ضوء الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس بوتين مع نظيره الكوبي دياس كينيل برموديس والتأكيد خلاله "على ضرورة تنسيق جهود البلدين على الصعيد الدولي وفقا لمبادئ الشراكة الاستراتيجية وتقاليد الصداقة والتعاون بين البلدين".
اما بالنسبة للجانب الأمريكي فشهدت الفترة الأخيرة احتلال الحدث الروسي الأوكراني مكان الصدارة في أجندة الولايات المتحدة الخارجية وبرز خلالها تحديد واشنطن للخطوط الأساسية لمقاربتها لأزمة تمثلت في التركيز على التنسيق مع الحلفاء والشركاء الأوروبيين.
وفي سباق محموم مع الزمن قامت الدبلوماسية الأمريكية بخطوات كبيرة قادها الرئيس جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن وذلك في محاولة لإيجاد أرضية مشتركة بين واشنطن وموسكو حيال هذا الملف الحساس مع التأكيد على التمسك بالدبلوماسية كحل مفضل لهذه الأزمة.
وحددت واشنطن الخطوط الأساسية لمقاربتها للأزمة بالتركيز على التنسيق مع الحلفاء والشركاء الأوروبيين مع تكرار عبارتي "لا شيء عن حلفائنا من دون حلفائنا" و"لا شيء عن أوكرانيا من دون أوكرانيا" اللتين أصبحتا بمثابة شعار تعبر فيه إدارة الرئيس جو بايدن عن وحدتها مع حلفائها وتطمئن كييف إلى عدم إمكانية التوصل إلى حل مع موسكو على حسابها كما تشدد على عدم قبولها بإغلاق الباب أمام دخول أي من حلفائها إلى (ناتو) بالإشارة إلى أوكرانيا التي تشترط روسيا عدم انضمامها للحلف لإنهاء التصعيد.
وحول التفاعلات والانخراطات الدبلوماسية التي وضعتها واشنطن في إطار جهود خفض التصعيد قادت نائبة وزير الخارجية الأمريكي ويندي شيرمان في 10 يناير وفد بلادها إلى جنيف لإجراء "حوار الاستقرار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وروسيا" وإلى بروكسل بعد يومين للمشاركة في لقاء "مجلس ناتو وروسيا".
كما قاد السفير مايكل كاربنتر في الأسبوع ذاته مشاركة بلاده في جلسة "منظمة الأمن والتعاون في أوروبا" ثم أجرى وزير الخارجية أنتوني بلينكن جولة أوروبية من 18 إلى 21 يناير شملت كييف حيث التقى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ليتجه منها إلى برلين ثم إلى جنيف حيث التقى بنظيره الروسي سيرغي لافروف.
وأكد كل من بلينكن وشيرمان في تصريحاتهما عدم توقع أي نتائج من تلك اللقاءات مع المسؤولين الروس والتي تنظر إليها الولايات المتحدة كفرصة لمشاركة "مخاوفها الرئيسية" مع روسيا.
وفي هذا الصدد أجرى الرئيس الأمريكي في 24 يناير الحالي اجتماعا افتراضيا عبر دائرة الفيديو المغلقة مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي والأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرغ والرئيس البولندي أندريه دودا ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون للتنسيق مع حلفاء الولايات المتحدة وشركائها "عبر المحيط الأطلسي" بشأن التعامل مع التعزيزات العسكرية الروسية على حدود أوكرانيا.
وفيما يتعلق بالاستعدادات لاحتمال انقطاع الغاز الروسي عن أوروبا في حال حدوث المزيد من التصعيد أكد مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأمريكية تعاون واشنطن مع حلفائها لتحديد المجالات التي يمكن لروسيا أن تستخدم فيها الطاقة كسلاح في استراتيجيتها العدوانية ضد أوكرانيا.
وعلى الصعيد التشريعي كشف الديمقراطيون في مجلس الشيوخ الأمريكي عن تشريع يهدف إلى فرض عقوبات على روسيا في حال قامت بغزو أوكرانيا وهو ثاني تشريع يقدم في أسبوع واحد بعدما قدمت مجموعة من الجمهوريين في مجلس النواب مشروع قانون "ضمان الحكم الذاتي الأوكراني من خلال تعزيز دفاعاتها" والذي يهدف بالمثل إلى تعزيز القدرات الدفاعية في كييف ورفض المطالب الأمنية لروسيا.
وتظهر التحركات الأمريكية بمجملها أن واشنطن تولي أهمية كبرى للملف الروسي الأوكراني وأنها تبذل جهدا مكثفا على الصعد الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية والحقوقية والإعلامية للتعامل مع التصعيد الروسي ضد أوكرانيا ومحاولة وقفه والاستعداد لاحتمال تحوله لغزو.
ننتقل إلى الموقف الأوروبي من الأزمة حيث حذر الاتحاد الأوروبي موسكو من أن أي عدوان عسكري آخر ضد أوكرانيا ستكون له عواقب وخيمة وتكلفة باهظة على روسيا.
وقال الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل في تصريح صحفي "إننا نواجه خطر نشوب نزاع عسكري كبير في قارتنا .. حشدت روسيا أكثر من 100 ألف جندي ومعدات ثقيلة على الحدود الأوكرانية .. إنها تطلق تهديدات مفتوحة باستخدام القوة ما لم تتم تلبية مطالبها".
لكنه في الوقت نفسه حث المسؤول الاوروبي روسيا على تهدئة التوترات قائلا "نحن على استعداد لإعطاء الأولوية للمشاركات الدبلوماسية باعتبارها المسار الوحيد القابل للتطبيق والمستدام نحو خفض التصعيد". (النهاية) ا س / ن خ / ر س ر / م م ج