من نجود قاسم (تقرير اخباري)

رام الله - 19 - 4 (كونا) -- بدت قاعة العرض في المتحف الفلسطيني كأعلى مرتفع في فلسطين يطل على مشاهد طبيعية واعدة وعلى أخرى نالت منها التأثيرات السياسية واصابتها بحالات من التشوه رغما عنها.
واستخرج عشرات الفنانين الفلسطينيين من أجيال مختلفة في معرض (اقتراب الافاق) المقام حاليا في المتحف الفلسطيني جمالية المشهد الطبيعي الفلسطيني من خزائن الذاكرة وباحت ادواتهم بتجارب تمر بها الأرض كالخسارة والفقدان والتفتيت والمحو.
ويضم معرض (اقتراب الافاق) 87 عملا فنيا ل36 فنانا فلسطينيا من الداخل والخارج والشتات من جيل المؤسسين - للفن التشكيلي-الى يومنا هذا.
ويعود تاريخ اقدم لوحة بالمعرض وهي للفنان الراحل توفيق جوهرية الى ثلاثينيات القرن الماضي بجانب اعمال فنانين من الشباب تخرجوا قبل سنوات من كليات الفنون ومن جيل الانتفاضة الأولى الذين طوروا خلالها اعمالا مبنية على خامات طبيعية كالخشب والجلود والطين وصنعوا منها اعمالا فنية وكأنها مرحلة أخرى من الفن فبدلا من تجسيد الأرض في أعمالهم شكلوا من منتجات الأرض اعمالا فنية في تجربة فلسطينية فريدة من نوعها.
ورسم الفنان الراحل جوهرية مشهدا من فلسطين في سنوات الثلاثينيات من القرن الماضي.
وإن كانت تلك اللوحة باسم (بلا عنوان) إلا أن القمر وهو يعانق البحر يكتب عنوانا لا تمحوه قسوة التأثيرات بمحاولاتها إحلال مشاهد مصطنعة. وفي جانب اخر تظهر مدينة (يافا) بجمالها في موسم قطف ثمار البرتقال مجسدة في لوحة للفنان سليمان منصور رسمها عام 1979 والى جانبها مشهد (امومة) للفنان نبيل عناني مطرز بشجر عنب الخليل.
والفنان عناني المسكون بحب الطبيعة يتنقل من قرية الى أخرى في الضفة الغربية يرسم كروم الزيتون والعنب والبيوت القروية القديمة والمرأة الفلسطينية بزيها التراثي اذ لا ينجذب عناني الا للمشهد المحفور في ذاكرته عن طبيعة فلسطين الجميلة.
واشار عناني في تصريح لوكالة الانباء الكويتية (كونا) اليوم الجمعة إلى أنه كثيرا ما يعجبه منظر لجبل جميل فيسارع لرسمه لكن المستوطنة الإسرائيلية المقامة على قمته تجعله يتراجع او يرسمه دون المستوطنة.
واضاف انه جسد هذا المشهد مرة واحدة في لوحة معروضة في متحف (ام الفحم) واظهر فيها التناقض بين القرية المنسجمة مع محيطها والمتعايشة مع الطبيعة وعلى أسطح بيوتها القديمة نما العشب وبين تلك الكتل الاسمنتية -المستوطنة- الشاذة والتي لا علاقة لها بمشهد فلسطين الطبيعي.
ومن بين كروم العنب وبساتين البرتقال يطل (غزال) الفنانة التشكيلية الشابة منال محاميد بلونه متماسكا رافعا هامته غير مبال بساقه المبتورة وبما يجري حوله.
وقالت محاميد وهي من (ام الفحم) وتسكن مدينة (حيفا) "ان الغزال الفلسطيني جزء من المشهد الطبيعي في البلاد يتعرض لحالات تشويه وملاحقة تحت منظومة الفصل العنصري فليس الانسان من يتعرض للتشويه هنا وانما الحيوانات والنباتات والأشجار وكل ما يتعلق بالمشهد الطبيعي".
و (غزال) محاميد المعروض في المتحف الفلسطيني ببلدة بير زيت في معرض (اقتراب الافاق.. التحولات الفنية للمشهد الطبيعي) هو جزء من مشروع عملت عليه خلال السنوات الثلاث الماضية.
وقالت محاميد ل (كونا) إن فكرة مشروع الغزال بدأت قبل سنوات عند مشاهدتها لوحة ارشادية في حديقة الحيوانات بمدينة حيفا كتب عليها باللغتين العربية والانجليزية (غزال فلسطين) وبالعبرية (غزال إسرائيل).
واضافت ان ذلك اثار فيها تساؤلات عما يجري هنا "التهويد والتشويه يطال كل شيء " موضحة ان الغزال بالنسبة لها مجاز يروي قصة شعب يواجه محاولات النيل من هويته منذ عام 1948.
وتغير المشهد كثيرا ما بين الامس واليوم شواطئ وتلال ومشاهد طبيعية من فلسطين التاريخية لم تعد كما خبرتها المصورة رولا الحلواني في السلسلة التي عرضتها (من اجل ابي) فيما يخرج جواد المالحي من المخيم في القدس ليسمع (رنين الأرض) تحت ثقل تكدس المخيم المحاط بجدار الفصل العنصري وبمستوطنة لا تعرف الحدود.
من ناحيتها رأت مدير عام المتحف عادلة العايدي هنية ل(كونا) انه لا يمكن اعتبار المعرض مجرد بانوراما عن تاريخ الفن الفلسطيني بشكل حي ومجسد في رواق المتحف فحسب بل يتناول ايضا موضوع المشهد الطبيعي او تمثيلات المشهد الطبيعي عبر العصور أي تجسيد علاقة الفنان بالأرض وبفلسطين.
اما القائمة على المعرض تينا شيرويل وهي مؤرخة وفنانة فقالت ان "لفلسطين تاريخ طويل في كونها هدفا لمطامح الآخرين ومنذ تأسيسها انخرطت دولة الاحتلال في نحت المشهد الطبيعي المادي وتحويله عبر مشاريع استيطانية ضخمة ومصادرة للأراضي وتدمير للمعالم التاريخية وصاحب كل ذلك حرب ديموغرافية عبر إخلاء الفلسطينيين وطردهم وعزلهم عن بعضهم البعض".
واضافت في مؤتمر صحفي عقد قبيل انطلاق المعرض انه" من هذا السياق المشحون يتخذ المعرض نقطة انطلاقه نحو استكشاف كيف تم تمثيل المشاهد الطبيعية من قبل الفنانين الفلسطينيين على مر العقود".
ويستعرض الفضاء الزجاجي تاريخ تفتيت الأرض وسلبها من أصحابها الاصليين من خلال مجموعة منشورات ونصوص ومختارات شعرية ونثرية ورسوم بيانية ومواد قانونية مكملا الفكرة الرئيسية لمعرض (اقتراب الافاق) الذي انطلق في الثاني من ابريل الجاري لمناسبة (يوم الأرض) وسيبقى مفتوحا حتى نهاية العام.
وتتمحور الفكرة الأساسية للمعرض حول فقدان الأرض وانكماش المشهد الطبيعي وتفتيته بالحواجز وجدار الفصل والطرق الالتفافية والمحو الدائم للمشهد الطبيعي بتدمير القرى والبيوت واقتلاع الأشجار وابراز المقاومة اذ يقاوم الفلسطينيون باستمرار الفقدان والتفتيت والمحو لحياتهم وطبيعتهم من خلال تاريخ متواصل مكون من الكثير من استراتيجيات المقاومة". (النهاية) ن ق