من علاء الهويجل (تقرير)

بغداد - 19 - 3 (كونا) -- بخطى حذرة ومتباطئة يخطو العراق اليوم لاعادة صياغة العديد من التشريعات والقوانين المثيرة للجدل التي فرضها الحاكم المدني الامريكي السابق في العراق بول بريمر ابان سيطرة القوات الامريكية على العراق في عام 2003 بعد سقوط النظام السابق في بغداد في التاسع من ابريل من العام ذاته.
وكان بريمر قد شرع اكثر من 100 قانون في شتى المجالات مستندا الى النظام رقم واحد الذي اصدرته السلطات الامريكية في العراق بناء على احكام اتفاقية جنيف المتعلقة بادارة الدول المحتلة.
ولقيت العديد من قوانين بريمر ردود افعال سلبية او متحفظة في العراق وعدها البعض سببا في اثارة الكثير من الازمات الداخلية لاسيما التشريع رقم 2 لسنة 2003 الذي حل بريمر بموجبه كل من وزارتي الدفاع والاعلام والجيش العراقي وسلاح الجو والقوات البحرية وجهاز المخابرات ومديرية الامن العام وتشكيلات امنية اخرى.
وفي هذا الصدد قال الخبير القانوني العراقي طارق حرب لوكالة الانباء الكويتية (كونا) اليوم الاثنين ان "قرارات بريمر وبغض النظر عن مدى قبولها او رفضها عراقيا تتمتع بالشرعية القانونية كونها تستند الى اتفاقية جنيف الدولية التي تخول الدول المحتلة سن القوانين في الدولة المحتلة".
بيد ان حرب اكد انه "لا مانع قانونيا بالمطلق من الغاء جميع قوانين بريمر مرة واحدة لكن من الناحية العملية فان الامر غير ممكن لأنه سيخلق حالة من الاضطراب القانوني لان تلك القوانين تنظم اليوم العديد من اوجه الحياة في البلاد مثل المصارف والتشكيلات الرقابية".
وأشار الى ان "الحل الوحيد للتخلص من قوانين بريمر المثيرة للجدل هو سن قوانين جديدة بدلا عنها تعالج السلبيات والاخطاء التي فرضتها الظروف التي رافقت تشريعها آنذاك".
من جانبها اكدت النائب عن الدائرة القانونية في مجلس النواب العراقي زينب السهلاني ل(كونا) ان "البرلمان شرع بالفعل ومنذ الدورة النيابية الاولى بالغاء عدد من قوانين الحاكم المدني السابق وسن قوانين جديدة تتماشى مع الواقع والحالة الاجتماعية العراقية".
وبينت ان "البرلمان لا يستطيع الغاء تلك القوانين بشكل عاجل ودفعة واحدة لانها تغلغلت في الكثير من تفاصيل الحياة وادارة المؤسسات العراقية فمنها ما عدل قانون الشركات العامة واخرى نظمت عمل الضمان الاجتماعي والتقاعد وغيرها شكلت هيئات للمفتشين العامين وكل تلك القوانين اوجدت مؤسسات وهيئات على الارض لا يمكن الغاؤها او تركها بدون تشريع قانوني بديل".
ورجحت "ان تستغرق عملية الغاء جميع تشريعات الحاكم المدني السابق دورتين انتخابيتين على مدار ثمانية اعوام اخرى" مرجعة طول المدة الى "تباطؤ البرلمان العراقي في عمله في سن التشريعات فضلا عن حداثة التجربة الحكومية في وضع التشريعات الجديدة اذ ان العديد من التشريعات الحكومية الحديثة التي يقرها البرلمان سرعان ما تعدل او تلغى بعد عام او عامين لعدم انسجامها مع الواقع العام في البلاد".
ورات السهلاني وهي نائبة عن التيار الصدري ان التشريعات التي وضعها الحاكم المدني السابق "دمرت" العديد من المنظومات القانونية العراقية "فهي قد انهت المنظومة العسكرية العراقية بحل الجيش العراقي والشرطة كما انها عقدت المنظومة الرقابية وخلقت ثغرات للفساد المالي والإداري".
كما كشفت عن ان المنظومة الادارية المدنية تضررت هي الاخرى من قرارات بريمر الذي وضع سلما للرواتب والتقاعد وصفته "بسيئ الصيت" حيث يقتضي على الموظف ان يمضي 111 عاما في مجال عمله حتى يصل الى المستوى الاعلى في الترتيب الإداري.
اما المحلل السياسي الدكتور خالد قره غولي فقال ل(كونا) ان "التأثير السلبي للعديد من قرارات بريمر لا يقتصر على الجانب القانوني والاداري في البلاد بل يمتد الى الجوانب السياسية والأمنية".
وتابع قره غولي وهو من محافظة الانبار قائلا "يكفي ان نرى تبعات قرار حل الجيش العراقي على الواقع الامني في البلاد حتى نعرف حجم الاثار السلبية لتلك القرارات على المشهد الامني في العراق طيلة الأعوام ال15 الماضية".
واوضح انه على الصعيد السياسي فان معظم الاشكالات السياسية التي يعاني منها العراق حاليا ناجمة عن تراكم الاخطاء جراء القرارات التي وصفها ب"المجحفة" لبريمر والتي "قسمت العراقيين الى مكونات وطوائف منذ ذلك الحين وهمشت شرائح كبيرة من المجتمع بحجة اجتثاث البعث".
وكان بريمر قد دافع في مقابلة تلفزيونية في ابريل 2016 عن جميع قراراته قائلا ان "العراق ينعم اليوم بديمقراطية حقيقية ودستور هو الاكثر تحررا في المنطقة بفضل قرارات سلطة التحالف" التي كان يرأسها مضيفا ان البلاد شهدت بناء عليها ست عمليات انتخابات واستفتاء واحدا وأربع عمليات انتقال سلمي بين الحكومات المتعاقبة كان احدثها لحكومة رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي.
وكان الرئيس الامريكي الاسبق جورج بوش الابن عين بريمر حاكما مدنيا في العراق في السادس من مايو 2003.
وأنهى بريمر عمله في العراق في 28 يونيو 2004 معلنا ان العراق أصبح "بلدا ذا سيادة". (النهاية) ع ح ه