من وسيم حيدر
   بيروت - 9 - 4 (كونا) -- شهد لبنان منذ نوفمبر الماضي توافقا سياسيا توج بانتخاب العماد ميشال عون رئيسا للبلاد وتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة سعد الحريري بعد سنوات سيطر فيها الخلاف السياسي الحاد وانعكس شغورا في الرئاسة الاولى وتعطيلا لعمل البرلمان والحكومة.
   ورغم الاجواء الايجابية التي اثمرت عملا حكوميا وتشريعيا مكثفا فإن الخلاف بين مكونات العهد والحكومة الجديدة استمر حول اقرار قانون جديد للانتخابات النيابية قبل موعد انتهاء ولاية المجلس النيابي الحالي في 20 يونيو المقبل.
   ودخل لبنان مرحلة فاصلة في 20 مارس الماضي اي قبل ثلاثة اشهر من انتهاء ولاية البرلمان الحالي مع تخطي المهلة القانونية اللازمة لدعوة الناخبين اللبنانيين بموجب قانون الانتخابات النافذ حاليا ما يترك البلاد امام خيارين هما التمديد للمجلس الحالي او الفراغ التشريعي في حال تعذر اقرار التمديد.
   وكان الرئيس اللبناني ميشال عون رفض توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة وفق القانون الحالي المعروف ب (قانون الستين) والذي يفرض دعوة الناخبين قبل 90 يوما من موعد الانتخابات ما يعني عمليا تعذر اجراء الانتخابات وفق القانون الذي شدد عون وقوى سياسية اخرى على رفضه.
  واعلن الرئيس عون في موقف سابق له خلال جلسة لمجلس الوزراء انه اذا خير بين تمديد لمجلس النواب أو الفراغ "فسأختار الفراغ".
   وفي المقابل يتصدر رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري طليعة المحذرين من ايصال البلاد الى فراغ وشدد مرارا على ضرورة اقرار قانون جديد للانتخابات بأقرب وقت لانتخاب مجلس نيابي جديد.
  وقال في تصريح خلال لقائه عددا من النواب الاسبوع الماضي ان "الذهاب الى الفراغ هو تطيير للبلد واي تفكير لدى البعض او استسهال لهذا الامر يعني المزيد من السقوط والانهيار للمؤسسات".
   من جانبه جدد رئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري خلال جلسة مناقشة الحكومة في البرلمان الاسبوع الماضي التزام حكومته باجراء انتخابات نيابية ورفض الفراغ في السلطة التشريعية.
   وقال ان المدخل الى الانتخابات يكمن في انجاز قانون جديد لافتا الى ان الحكومة ستعقد جلسات متتالية مخصصة لاقرار مشروع قانون جديد للانتخابات.
   وكان وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق الذي تشرف وزارته على تنظيم الانتخابات في لبنان اكد ان الانتخابات النيابية لن تجري الا وفقا لقانون جديد.
   وقال ان اعتماد النظام النسبي بات امرا حتميا في اي قانون جديد مؤكدا الحاجة الى "تأجيل تقني" لموعد الانتخابات النيابية بعد تخطي المهل القانونية اللازمة للقانون الحالي وعدم اقرار قانون جديد حتى اللحظة.
   بدوره قال عضو كتلة حزب (الكتائب اللبنانية) في مجلس النواب اللبناني النائب ايلي ماروني في تصريح لوكالة الانباء الكويتية (كونا) ان الخلاف حول قانون الانتخاب الجديد ما يزال عند حاله اذ يتمسك كل فريق سياسي بموقفه السابق ويسعى لبلورة صيغة انتخابية تتناسب مع مصالحه.
   واضاف ان مطلب حزب (الكتائب) هو الوصول الى قانون انتخابي جديد تتوافق عليه كافة الكتل النيابية شرط ان يضمن وحدة المعايير والمساواة بين المواطنين وعدالة التمثيل فلا ينتخب نائب على اساس دائرة صغيرة وفق نظام اكثري فيما ينتخب آخر على اساس دائرة انتخابية كبيرة وفق نظام نسبي.
   واشار الى وجود عدة مشاريع قوانين للانتخابات امام المجلس النيابي متمنيا على رئيس المجلس ان يطرحها على الهيئة العامة للتصويت واقرار القانون الذي يحظى باكبر عدد من اصوات النواب.
   واعتبر ماروني ان موقف (الكتائب) مبدئي لناحية رفض اي تمديد لولاية المجلس الحالي ولكنها ستتخذ الموقف المناسب في حال التوافق على تمديد "تقني" لولاية المجلس خصوصا اذا ما تم الاتفاق حول قانون جديد ما يتطلب التمديد لفترة قصيرة قبل اجراء الانتخابات.
   وحذر ماروني من الفراغ في السلطة التشريعية "ما قد يقود البلاد الى مؤتمر تأسيسي وفي هذا تدمير مطلق للبنان ونهاية لمؤسساته" لافتا الى ان "الرئيس عون حريص على الدستور والمؤسسات ولن يسمح بانهيارها بهذا الشكل".
   ومن جانبه قال عضو كتلة (المستقبل) النائب امين وهبي في تصريح ل(كونا) ان الخلاف حول اقرار قانون جديد للانتخاب يتمحور حول النظام الذي يجب ان يعتمد للتمثيل وحجم الدوائر الانتخابية اضافة الى نسبة النواب المنتخبين وفق النظامين في المشاريع المختلطة بين الاكثري والنسبي.
   واضاف ان كل فريق يريد الصيغة التي تناسبه وتؤمن له العدد الاكبر من النواب انما التقدم الوحيد الذي تحقق خلال الفترة الماضية هو تبيان النقاط التي يرفضها كل فريق في القوانين المطروحة.
   واكد ان (تيار المستقبل) يؤيد اقرار قانون يؤمن التمثيل الصحيح للناخبين ويراعي العيش الواحد بين اللبنانيين ويعتمد وحدة المقاييس مؤكدا رفض اي قانون يعتمد التصويت المغلق داخل الطوائف.
   ولفت وهبي الى ان "اعتماد التمثيل النسبي بشكل كامل في لبنان غير مقبول في ضوء  وجود فريق سياسي يحمل السلاح هو (حزب الله) ويريد ان يستأثر بالتمثيل النيابي في المناطق التي يفرض فيها سلطته دون وجود امكانية حقيقية لسواه بمنافسته واقامة الحملات الانتخابية في مناطقه".
   واعتبر ان القانون الانسب وفق الظروف الحالية هو القانون المختلط بين النظامين الاكثري والنسبي والذي يشكل تسوية ترضي جميع الفرقاء الاساسيين في البلاد.
   وقال ان "التهويل بادخال البلاد في فراغ تشريعي خطير جدا وهو سياسة عبثية لن نقبل بها ولن نستسلم لها" مؤكدا ان "الرئيس عون اقسم على احترام الدستور وتنفيذه ونحن لا نعتقد انه سيتخذ اي خطوة تخالف الدستور".
   واضاف "في حال عدم اقرار تمديد تقني لولاية المجلس فان الحكومة مجبرة دستوريا على اجراء انتخابات وفق القانون النافذ اي (قانون الستين) خلال مهلة 60 يوما من موعد انتهاء ولاية المجلس الحالي".

بدوره اعتبر الكاتب والمحلل السياسي اللبناني راجح خوري في تصريح ل(كونا) ان القوى السياسية في لبنان تريد ان تضمن حجمها التمثيلي في مجلس النواب قبل موافقتها على اي قانون جديد ولذاك فالخلاف الحقيقي هو حول الحصص التي ستنتج من قانون الانتخاب لا حول القانون نفسه.
وقال "ما زلنا في نقطة الصفر وكل المشاريع المطروحة اليوم بما فيها القوانين المختلطة تحظى برفض جهة او اكثر وبالتالي لا اتوقع شخصيا ان نصل الى تسوية حول اي قانون جديد خلال الاشهر المقبلة".
ولفت الى ان "الامور تتجه نحو تمديد تقني لولاية المجلس الحالي قد يمتد حتى شهر سبتمبر المقبل" معربا عن اعتقاده بان "الانتخابات لن تجرى هذا العام والتمديد التقني سيتبعه تمديد آخر في حال استمرار تمسك كل فريق بموقفه".
واستبعد خوري حدوث فراغ تشريعي مضيفا ان "اسقاط السلطة التشريعية في لبنان خطير جدا ويسقط شرعية السلطات الدستورية ولا اعتقد ان الرئيس عون سيقبل بخيار الفراغ التشريعي انما هو يتخذ مواقف ضاغطة لحث القوى السياسية على الاتفاق على قانون جديد للانتخابات".
وقال ان "الخلافات بين القوى السياسية تتخطى موضوع قانون الانتخاب وتشمل ملفات كثيرة في البلاد رغم كل الحديث حول التوافق والمرحلة الجديدة مع انتخاب رئيس وتشكيل حكومة" معتبرا ان "الخلافات تظهر ان لبنان خرج من ازمته السابقة ليدخل في ازمة اكبر".
من ناحيته استبعد استاذ العلوم السياسية في الجامعة الامريكية في بيروت هلال خشان في تصريح ل(كونا) التوصل الى اتفاق حول قانون الانتخابات خلال الفترة المقبلة "نتيجة تمسك عدد من القوى السياسية بالنظام النسبي في مقابل رفض قوى سياسية اخرى لهذا الخيار".
وتوقع خشان ان يقوم المجلس النيابي بتمديد ولايته لمدة مفتوحة نظرا لصعوبة الاتفاق على قانون خلال المدى المنظور لافتا الى ان الوصول الى اتفاق سياسي حول القانون مرتبط ايضا بالتوازنات الاقليمية والازمات التي تمر بها المنطقة.
وكان لبنان اعتمد منذ بداية التمثيل النيابي فيه نظاما انتخابيا على اساس اكثري بحيث يفوز من ينال العدد الاكبر من الاصوات في حين تنوعت الدوائر الانتخابية واختلفت بين انتخابات واخرى وفق الظروف السياسية.
وقد تزايدت خلال السنوات الاخيرة القوى السياسية اللبنانية المطالبة بتطبيق النظام النسبي للتمثيل النيابي والذي تفوز كل قوة من خلاله بعدد معين من النواب اعتمادا على حجم الاصوات الذي تناله في الانتخابات.
وتطرح كل قوة من القوى السياسية صيغة قانونية تعتبرها الافضل وتتراوح بين دائرة واحدة تضم 128 مقعدا نيابيا على اساس النسبية ودائرة فردية تضم مقعدا نيابيا واحدا على اساس اكثري اضافة الى عدة صيغ مختلطة تجمع بين النظامين الاكثري والنسبي.
يذكر ان لبنان شهد آخر انتخابات نيابية في عام 2009 وفقا لقانون الانتخاب المعروف ب(قانون الستين) والذي يعتمد الاقضية الادارية كدوائر انتخابية والنظام الاكثري في التصويت.
ومدد المجلس النيابي الحالي ولايته مرتين الاولى قبل انتهاء مدة ولايته العادية في عام 2013 لمدة عام وخمسة اشهر والثانية في نوفمبر 2014 لمدة عامين وسبعة اشهر تنتهي في 20 يونيو المقبل وذلك نتيجة الظروف السياسية والامنية التي مرت بها البلاد خلال السنوات الماضية. (النهاية) و س م