نسخة معدلة

من خلود العنزي

الكويت - 31 - 1 (كونا) -- لا شك ان العنف الجسدي تجاه الزوجة جريمة بشعة تتنافى مع كل المبادئ والأعراف والتقاليد وهو أمر محظور ولا مبرر له بأي شكل من الأشكال لاسيما أن بعض الزوجات يعشن ظروفا تحول دون طلبهن المساعدة أو الإفصاح عما يتعرضن له من إهانة وذل.
ويبدو أن هذا النوع من العنف لم يعد حدثا استثنائيا في أي من المجتمعات المعاصرة ولا يقتصر على ثقافة معينة وإن كانت الشواهد تؤكد أن هذا السلوك متفاوت بحسب الثقافات والأزمان.
وهذه المشكلة تستحق التوقف عندها لإثارة ما تراكم عليها من تراب العادة الذي يعمي عيون العقل عن رؤية ما بات مستشريا في بعض الأماكن والثقافات قبل ان تصبح ظاهرة نظرا لما تشهده من نمو في بعض المجتمعات.
وفي هذا السياق أكد أكاديميون كويتيون متخصصون بالعلاقات الأسرية والاستشارات النفسية في لقاءات متفرقة مع وكالة الأنباء الكويتية (كونا) أن العنف الجسدي أمر لا يمكن غض الطرف عنه لما له من أضرار جسيمة على صحة المرأة النفسية والعقلية والجسدية مشددين على أنه يخالف القوانين الدولية الخاصة بحقوق المرأة.
وشددت أستاذة الخدمة الاجتماعية في جامعة الكويت هيفاء الكندري على أنه لا توجد أسباب يمكن أن تبرر عنف الزوج ضد الزوجة مشيرة الى أن الزوج العنيف يصنف بأنه مريض نفسي يحتاج إلى علاج تأهيلي وسلوكي فوري لضمان استقرار الأسرة وحماية حق الزوجة.
وأضافت الكندري أن القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية تدين الضرب بجميع أشكاله لكونه اعتداء على المرأة ويعطيها حق الإبلاغ عن الزوج ومعاقبته إذا استخدم العنف الجسدي مهما كانت دوافعه وأسبابه.
واوضحت انها اجرت دراسة عن العنف الجسدي ضد الزوجات على عينة بلغت 1071 متزوجة من الجنسية الكويتية تراوحت أعمارهن بين 18 و68 عاما اظهرت أن 2ر40 في المئة منهن تعرضن للعنف الجسدي من أزواجهن بأنواعه المختلفة سواء أكان نادرا بنسبة 19 في المئة أو قليلا بنسبة 13 في المئة أو كثيرا بنسبة بلغت 5ر8 في المئة.
وذكرت أن نتائج الدراسة تشير إلى أن الزوجات المعنفات مقارنة بغيرهن يعتقدن أن هناك انتشارا كبيرا للعنف الجسدي ضد الزوجة في المجتمع الكويتي في حين يرى الاختصاصيون الاجتماعيون والمهنيون (الاختصاصيون النفسيون والأطباء والمحامون ورجال الشرطة) أن العنف ضد الزوجة منتشر إلى حد ما.
وأكدت أن هذا التفاوت في الآراء حول انتشار العنف الجسدي ضد الزوجة في الكويت يشير إلى ضرورة القيام بدراسة مسحية ديموغرافية تتضمن أعدادا كبيرة من الزوجات الكويتيات للتعرف على نسبة انتشار العنف الجسدي في المجتمع الكويتي لاسيما أن عدم لجوء البعض إلى طلب المساعدة الرسمية من مراكز الشرطة أو المحاكم أو المستشفى أو طلب الاستشارات من المختصين قد يحول دون معرفة المهنيين درجة انتشار العنف الجسدي ضد الزوجات كما هي في الواقع.
وذكرت أن نتائج الدراسة بينت أن أكثر الزوجات تعرضا للعنف الجسدي من الزوج هن الفئة العمرية من 30 - 39 عاما بنسبة تبلغ 1ر38 في المئة ثم فئة 29 أو أقل بنسبة 4ر33 في المئة ففئة 40 عاما أو أكثر بنسبة 5ر28 في المئة.
وأشارت إلى أنه يمكن تفسير هذه النتيجة بأن الزوجات الكبيرات السن وفق الدراسات السابقة قد يتعرضن للسيطرة والتحكم من الزوج أو الإهمال أو التهديد وإلقاء اللوم عليهن أو التحقير أو التخويف والترهيب.
وأضافت أن الزوجات ذات المستوى التعليمي العالي (البكالوريوس والدراسات العليا) قد يتعرضن إلى العنف الجسدي أكثر من ذوات المستوى التعليمي المنخفض (الثانوية العامة أو أقل) وذلك بنسبة 2ر81 في المئة مقابل 8ر18 في المئة وقد تتعرض الزوجات الموظفات للعنف الجسدي بنسبة 4ر78 في المئة أكثر من غيرهن في حين قد تتعرض ذوات الدخل المرتفع (1000 دينار وما فوق) إلى العنف الجسدي من الأزواج بنسبة 1ر41 بالمئة أي أكثر من الزوجات ذات الدخل المتوسط بنسبة 8ر37 في المئة أو المنخفض بنسبة 1ر21 في المئة (999 دينارا أو أقل).
وبينت الكندري في دراستها أن أهم المعوقات الذاتية التي تمنع الزوجة المعنفة جسديا من طلب المساعدة تتمثل في شعورها بالعزلة والضعف والعجز وفقدان الأمل في وقف ضرب الزوج لها إضافة إلى خجلها من التحدث مع الآخرين بشأن هذا الموضوع ورغبتها في الحفاظ على السرية والخصوصية.
وأضافت أن بعض المعنفات لا يرغبن في أن يكن مطلقات إما بسبب الأطفال أو لحاجتهن إلى السكن إضافة إلى شعورهن بالإحباط لعدم تدخل الآخرين رغم معرفتهم بضرب الأزواج لهن إضافة إلى جهلن بمعنى العنف وحلول إيقافه وتجاهلهن الأمر.
وأكدت حق الزوجة في طلب الطلاق إذا تعرضت للعنف الجسدي بأي نوع وأي درجة ناصحة الزوجات عند التعرض لذلك بإبلاغ الزوج منذ اللحظة الأولى برفض هذا السلوك وعدم الاستمرار في الحياة الزوجية في حال تكراره ووقف الإنجاب بوسائل منع الحمل الطبية لحين التأكد من سلامة الزوج العقلية.
وأعربت عن أسفها الشديد لعدم اهتمام المجتمع الكويتي بالزوجات المعنفات داعية المسؤولين إلى تخصيص خط ساخن لاستقبال حالات العنف ضد الزوجات ومراكز إيوائية تمكن الزوجة من اللجوء إليها ونشر الوعي بين الزوجات لوقايتهن من خطر العنف الجسدي.
ومن ناحيته قال عميد كلية العلوم الاجتماعية الأستاذ الدكتور حمود فهد القشعان ل (كونا) ان العنف الأسري هو صورة من صور إرغام المرأة إما جسديا أو نفسيا أو ماليا أو حتى وظيفيا على أداء أي أمر غير راغبة فيه موضحا أن أقصى أنواع العنف الذي يمارس في الأسرة الكويتية هو رفض الزوج العاطفي لزوجته وتأثيره يعادل تأثير العنف الجسدي إلا أن الأخير أكثر ظهورا في الإعلام.

وبين القشعان أن العنف الزوجي الجسدي في المجتمع الكويتي لا يعد ظاهرة بل مشكلة مشيرا إلى أن العقبة الرئيسية في هذه المشكلة أنها مخفية وقليل من الناس يتحدثون عنها.
وأوضح أنه لا توجد إحصاءات مباشرة حول العنف الجسدي في الكويت مشيرا إلى أنه من خلال عمله في المحكمة مدة 25 عاما كحكم مرجح في المذهب السني والجعفري وجد أن العنف لا يأتي سببا أولا في طلب الطلاق بل يكون أحد الأسباب المساعدة في تسريعه.
وقال إن الطلاق بسبب العنف في الكويت يمثل نسبة واحد في المئة فقط موضحا أن العنف الجسدي المباشر يقع في مجتمعنا بشكل أكبر على الأخت العزباء من أخيها العازب.
وأوضح أن قليلات التعليم أكثر عرضة لهذا النوع من العنف الذي لا يقتصر على فئة معينة في المجتمع بل ينتشر بين كل الطبقات والمستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وأضاف أن اعتماد المرأة بشكل كبير على الرجل لاسيما من الناحية الاجتماعية والمادية يعد أهم العوامل المثبطة التي تجعلها لا تخبر عن العنف الذي تتعرض له إضافة إلى أن وجود الأولاد يجعلها تقيس المفاسد والمصالح مؤكدا أن المرأة اليوم أصبحت شريكة للرجل لا تابعة له.
وأوضح أن بذور العنف لاسيما غير المبرر غالبا ما تبدأ مع بداية الزواج داعيا الزوجة المعنفة إلى حماية نفسها وعمل إثبات حالة وعدم السماح للزوج بالتمادي وإعلان رفضها التام لهذا السلوك حتى لا يشعر بأنها قبلت الأمر على نفسها ويصبح من السهل تكراره لأن سكوتها يعد وكأنه اعتراف ضمني منها بحقه في ممارسة العنف.
ودعا الزوجة التي ترى أن وجود هذا الرجل خطر عليها إلى الابتعاد عنه وهي صحيحة العقل والجسد والنفسية أفضل من أن تنتظر إصابتها بالأمراض والتشوهات لأن حياتها في هذه الحالة أهم من التمسك بعلاقة مريضة مؤكدا أهمية إشراك العقلاء من الأهل حتى يعرف الرجل أن لهذه المرأة عزوة وسندا.
وأوضح أن القوامة الشرعية من الناحية الاجتماعية هي مهارة وفن إدارة الأسرة لا التسلط والاستبداد مؤكدا أنها مرتبطة بالصبر الذي يتمثل في الحب والاحترام للزوجة وفي التربية للأولاد ومن ثم على كل رجل يريد أن يطبق القوامة أن يحسن إدارة هذه العلاقة الزوجية فلا يجعل التهديد والضرب الوسيلة السريعة لحل أي خلاف.
ولفت إلى أنه من خلال خبرته في قضية العلاقات الأسرية والتعامل مع الحالات وجد أن العنف لا يحدث من فراغ بل يكمن سببه في أنه كلما زادت حدة التعامل بين الزوجين وارتفع صوت المرأة في النقاش والتهديد والوعيد مع الزوج كانت ردة فعل الزوج أعنف ومن ثم يفقد أعصابه ومن هنا يحدث العنف.
ودعا الزوجة إلى إحسان التفاهم وإدارة النقاش في حال ملاحظتها بوادر العنف من الزوج حتى لا يستخدم حدتها معه ذريعة لضربها.
ومن جانبها أوضحت الاستشارية النفسية الأستاذة المساعدة في كلية التربية الأساسية - قسم علم النفس سعاد البشر ل(كونا) أن أهم الأسباب النفسية التي تمنع المرأة من الإفصاح عن تعرضها للعنف الجسدي هو نظرتها للحياة الزوجية على أنها الاستقرار والأمان وعندما يحدث أي عارض يخل بهذا الشعور ترفضه خوفا من الانفصال التي تشعر أنه دمار وتشتيت لحياتها وأطفالها.
وأعربت البشر عن أسفها لعدم وجود مراكز تلجأ إليها المعنفات لحمايتهن من ظلم الزوج مقارنة بالدول الأجنبية مبينة أن الزوجة بالكويت تضطر إلى تحمل عنف الزوج المستبد وذلك لحاجتها إلى المسكن.
وأضافت أن بعض النساء يتحاشين اللجوء إلى القانون خوفا من الدخول في متاهة القضايا والمحاكم التي قد تضر بسمعتهن وتؤثر على أبنائهن سلبا ولذلك يستجبن للعنف حفاظا على أسرهن أو لأنهن قد يكن مهددات من أزواجهن ويحول خوفهن منهم بينهن وبين تقديم شكوى.
وأشارت إلى أن الموروث الشعبي والعادات والتقاليد الخاطئة المتعارف عليها عند بعض العوائل الكويتية تدعو الزوجة إلى الصبر عند حدوث مثل هذا الأمر وتهوينه عليها وبناء عليه تقبل المرأة على نفسها الذل والهوان من غير وعي.
ولفتت إلى أن بعض النساء يعانين سوء مهارة توكيد الذات والثقة بالنفس مما يجعلهن دائما خانعات وراضيات مع يقينهن بعنف الزوج إلا أن الزوجة تسمح لنفسها باستفزاز زوجها مع علمها بأن النتيجة ستكون تعرضها للضرب داعية هذا النوع من النساء إلى تفادي حدوث مثل هذه الأخطاء لاسيما إذا كانت لا ترغب في الانفصال وذلك حتى تحافظ على كرامتها.
واشارت الى أنه في بعض الحالات تكون الزوجة أول من يبدأ بالعنف وبالتالي تشتعل الحرب بين الزوجين.
وأوضحت أن بعض الأزاوج يعانون اضطرابات شخصية فضلا عن تعاطي المخدرات التي تجعلهم فاقدين للوعي فيتصرفون تصرفات عنيفة جدا تصل إلى حد إحداث التشويه وعاهات دائمة بزوجاتهم مؤكدة أهمية اتخاذ الزوجة موقفا صارما تجاه زوجها والانفصال عنه وليس بالضرورة ان يكون ذلك بالطلاق بل بالابتعاد الجسدي إلى أن تهدأ الأمور وتشعر هي بأنه نادم على فعلته أو يقدم الاعتذار والوعد بعدم التعرض لها والمساس بكرامتها مرة أخرى.
وأكدت أن ضرب الرجل لزوجته دليل ضعف لا قوة فالرجل قوي بأخلاقه مشددة على أنه لا يوجد أي مبرر أو حق للزوج في ممارسة العنف تجاهها وأن الله كرم الإنسان بالعقل حتى يتحاور ويتوافق ويفكر ويتعايش ويتكيف.
وأكدت أهمية نشر الوعي بين الشباب وتثقيف المجتمع بمعنى القوامة الصحيح والتوافق بين الزوجين وقيمة الحياة الزوجية مشيرة إلى أن هذا الدور يقع على الجميع لاسيما الاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين والمهتمين بالقضايا الاجتماعية وأولياء الأمور.
وأوضحت أهمية التوعية أيضا بمضار العنف اللفظي الذي عادة ما يسبق العنف الجسدي والتحكم بالانفعالات من كلا الطرفين وذلك من خلال المشاركة في دورات أو اللجوء إلى الاستشاريين النفسيين والجلسات العلاجية.
وأعربت عن أملها أن يكون هناك منهج إلزامي في المرحلة الثانوية للذكور والإناث لتوعية أبناء الكويت بأهمية العلاقة الزوجية حتى يحترموا هذا الرباط المقدس الذي يعتبره البعض - للأسف - تجربة وبالتالي يستسهلون الإهانة أو التعنيف أو حتى الطلاق. (النهاية) خ ن ع / ي س ع