من أسامة جلال

الكويت – 29 – 6 (كونا) -– تحل غدا الخميس ذكرى مرور 70 عاما على انطلاق الناقلة البريطانية (بريتش فوسيلير) وعلى متنها اول شحنة نفط كويتية في حدث تاريخي غير واقع الكويت ومستقبلها ومكنها من تبوؤ مكانة مرموقة بين منتجي النفط في العالم.
ففي تمام الساعة السابعة من صباح يوم 30 يونيو 1946 شهدت الكويت احتفالا مهيبا بتصدير أول شحنة من النفط الكويتي برعاية وحضور المغفور له الشيخ أحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت آنذاك وحضور عدد كبير من المسؤولين في البلاد والحاكم السياسي البريطاني في منطقة الخليج والمعتمد السياسي لدى الكويت الكولونيل هارولد ديكسون وجمهور غفير.
ولأن تاريخ الشعوب والأمم يحوي أياما حولت مجرى التاريخ وكتبت بأحرف من نور بداية عصور جديدة نقلتها من عالم إلى آخر نجد في تاريخ الكويت أياما لا تنسى لعل أهمها 30 يونيو عام 1946 عندما أدار الشيخ أحمد الجابر الدولاب الفضي لأول عملية تصدير للنفط الخام بالكويت معلنا تحول الكويت إلى دولة مصدرة للنفط.
وكانت البداية بوصول الشيخ احمد الجابر الى موقع الاحتفال حيث كان في استقبال سموه مدير شركة نفط الكويت المحدودة فيليب ساوثويل عند المكان الذي نصب فيه الدولاب الفضي الذي اداره سموه ليبدأ تصدير أول شحنة نفط كويتي خام تدفقت الى البحر عبر الأنابيب وصولا إلى الناقلة (فوسيلير) التي حملت ب 10567 طنا من النفط في غضون 11 ساعة و13 دقيقة بمعدل 950 طنا في الساعة.
وجاء تصريح الشيخ أحمد الجابر رحمه الله ليوثق هذا التاريخ بقوله "ما من فرد من شعب بلادي وأصدقائي إلا وسيبتهج معي بهذا الحدث السعيد الذي هو بفضل الله حدث يصب في صالح مستقبلنا ورفاهنا وأشكر الله الذي منحنا هذه الفرصة للاستمرار في تنفيذ مختلف الإصلاحات التي ننشدها من أجل سعادة ورفاهية الشعب الكويتي".
وأضاف سموه "أود أن أشير أيضا إلى الرعاية التي قدمتها الشركة من خلال القيام بأعمالها في بلدنا كما أريد أن أوجه شكري إلى حكومة صاحبة الجلالة التي ساعدتنا على إنجاح مثل هذه العمليات وإلى أصدقائي الأمريكيين والبريطانيين أعضاء مجلس الإدارة بالإضافة إلى كل موظفي الشركة على مساعدتهم القيمة وأنا واثق من أن أواصر الصداقة الموجودة بيننا وبين الشركة ستستمر لتعيش بروح المودة والإخلاص".
وتبدأ قصة النفط في الكويت مع تأسيس شركة نفط الكويت المحدودة عام 1934 في عهد الشيخ أحمد الجابر حاكم الكويت العاشر (1921 ـ 1950) وتأسست في ذلك الحين كشركة مساهمة خاصة بين شركة النفط الانجليزية المحدودة المعروفة حاليا باسم (شركة البترول البريطانية - بي بي) وشركة غالف للزيت المعروفة حاليا باسم (شيفرون).
وتم في العامين 1935 ـ 1936 إجراء أعمال مسح جيوفيزيائي وحفر أول بئر تجريبية في منطقة بحرة بعد توقيع اتفاقية بين الشيخ أحمد الجابر وشركة نفط الكويت المحدودة في 23 ديسمبر 1934.
وفي فبراير 1938 تم اكتشاف النفط بكميات تجارية في بئر برقان لكن الكويت لم تستفد من هذه الثروة الا بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها ليتم تصدير أول شحنة من النفط إلى الخارج في 30 يونيو 1946.
وكانت بشائر اكتشاف أول حقل نفطي في الكويت بدأت بعد مسح جيولوجي للمنطقة أجرته شركة نفط الكويت المحدودة بناء على تقرير فني جعل الأنظار تتحول إلى منطقة برقان لتتم اولى عمليات الحفر فيها عام 1937 لتصبح الكويت على موعد مع التاريخ في 22 فبراير 1938 حيث تم اكتشاف النفط في بئر برقان الأولى.
وتبين أن النفط المكتشف موجود تحت ضغط وبكميات ضخمة فجرت معها رأس البئر بقوة لم يكن بالإمكان السيطرة عليها مما فرض البحث عن وسائل أخرى لوقف التدفق وبالفعل قام رئيس الحسابات في الشركة دونالد كامبيل بسد البئر ب 60 قدما من الخشب بصورة مؤقتة.
وجاء اكتشاف النفط في الكويت في وقت عصيب حينما تمكنت صناعة زراعة اللؤلؤ الصناعي من السيطرة على سوق اللؤلؤ في النهاية وشكلت منافسا لمورد رئيسي للعيش في الكويت وهو الغوص بحثا عن اللؤلؤ.
وبالرغم من هذا ومن التدهور العالمي في التجارة الذي شهده عقد الثلاثينات بقي ايمان الشيخ أحمد الجابر كبيرا بالمستقبل نظرا لتلك البقع السوداء الغريبة لمواد جيرية قاسية التي كان يلاحظ وجودها منذ فترة طويلة في اجزاء مختلفة من الصحراء.

وكان هناك ادراك كبير لدى الشيخ أحمد الجابر وعامة الشعب بنشاطات منقبي النفط في البحرين والسعودية والعراق عدا نجاح شركة (بريتيش بتروليوم) في جنوب ايران وقد نشطت تطلعاتهم مع اكتشاف النفط في البحرين عام 1932 وتفاءل الكويتيون عندها بأن تلك البقع تدل على وجود ابار تحت الأرض تحوي سلعة يمكن أن تحيي وتنعش اقتصاد الكويت وتحولها من دولة صحراوية فقيرة الى دولة غنية حديثة.
وعلى مدى العقود الثلاثة اللاحقة لتصدير اول شحنة نفط حدثت تطورات واسعة فقد بدأت شركة نفط الكويت عمليات التكرير بمصفاة ميناء الأحمدي عام 1949 وأسست شركة ناقلات النفط الكويتية عام 1957 في حين تأسست شركة البترول الوطنية الكويتية عام 1960 كشركة مملوكة للقطاعين العام والخاص وبدأت عملياتها في مصفاة الشعيبة عام 1968.
وفي عام 1963 تأسست شركة صناعة الكيماويات البترولية كمشروع بين الحكومة والقطاع الخاص وبدأت في السنة التالية عمليات تصنيع المشتقات النفطية وفي تلك الأثناء حدث تطور أيضا في المنطقة المحايدة التي تشترك فيها الكويت مع السعودية وقد بنيت مصفاة ميناء عبدالله نتيجة لهذه الشراكة.
ومن الأيام التاريخية في صناعة النفط بالكويت يوم السادس من ديسمبر 1975 عندما أممت الكويت هذه الصناعة لتبدأ مرحلة مهمة حيث كانت الكويت بدأت في وقت مبكر من السبعينات مفاوضات لإعادة السيطرة على الصناعة النفطية وباتفاقيات متبادلة مع شركتي بريتش بتروليوم ونفط الخليج المتشاركتين في ملكية شركة نفط الكويت فازدادت أسهم الدولة تدريجيا في شركة نفط الكويت حتى تم احكام السيطرة الكاملة عليها.
ومن المحطات المهمة في تاريخ النفط في الكويت إنشاء الرصيف الجنوبي في ميناء الأحمدي عام 1946 وانطلاق العمل ببناء مدينة الأحمدي بشكل متكامل لتضم المكاتب الرئيسية والورش والاحياء السكنية والمرافق اللازمة لتصبح مدينة متكاملة عام 1949.
وفي عهد الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح تزايد إنتاج النفط وفي عام 1955 بدأ الإنتاج في الروضتين شمال الكويت في حين تم عام 1959 اكتشاف النفط في المناقيش وفي سبتمبر من العام نفسه بدأ تشغيل الرصيف الشمالي.
أما في عهد الامير الراحل الشيخ صباح السالم فتم تصدير أول شحنة من غاز البترول السائل من ميناء الأحمدي في ديسمبر 1965 وفي يوليو 1966 جرت الموافقة على الاتفاقية المبرمة بين الكويت والسعودية بشأن تقسيم المنطقة المحايدة.
وفي يوليو 1967 بدأ تشغيل معمل حقن الغاز الطبيعي في المناقيش ومد خط أنابيب طوله 35 ميلا لنقل النفط الخام من أم قدير إلى مصفاة شركة البترول الوطنية الكويتية بالشعيبة وهو التاريخ الذي بدأ إنتاج النفط فيه في حقل أم قدير الجنوبي.
وكان الحدث الأهم في مارس 1975 حينما تملكت حكومة الكويت شركة نفط الكويت بالكامل اضافة الى وضع الشيخ صباح السالم في نوفمبر عام 1976 حجر الأساس لمشروع الغاز في ميناء الأحمدي.
ومن المحطات المهمة في تاريخ الصناعة النفطية بالكويت خلال عهد الأمير الراحل الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح تدشين مشروع الغاز بميناء الأحمدي في فبراير عام 1979 وتأسيس الشركات النفطية المتخصصة التي انضوت تحت مظلة مؤسسة البترول الكويتية الى أن جاء الثاني من أغسطس عام 1990 لتتوقف العمليات النفطية بسبب الغزو العراقي للكويت.
وتعرضت الكويت لأكبر محنة يشهدها قطاع النفط في العالم في فبراير عام 1991 حين دمرت القوات العراقية وفجرت أكثر من 700 بئر نفطية لكن وبفضل سواعد أبناء الكويت وبمعاونة الدول الشقيقة والصديقة بدأت في شهر مارس 1991 عمليات إخماد الابار النفطية ليتم في 27 يوليو تصدير أول شحنة من النفط الكويتي بعد التحرير.
وفي 14 سبتمبر 1991 تم استئناف عمليات الحفر في حقل المقوع وقام الأمير الراحل الشيخ جابر الاحمد بإطفاء آخر بئر نفطية مشتعلة في 6 نوفمبر عام 1991.
وبدأت الكويت بالعودة من جديد لتكون إحدى أهم الدول المنتجة للنفط تدريجيا ولتشهد صناعة النفط في الكويت محطات مهمة أخرى خلال مشوارها من أبرزها الاعلان عن اكتشافات غاز جديدة لترفع احتياطيات الكويت من الغاز الى 35 مليار قدم مكعبة في السادس من مارس في عام 2006 في عهد سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح.
ومنذ عام 2006 تحققت انجازات كثيرة في المجال النفطي كافتتاح منشأتي حقن المياه في المقوع وبرقان عامي 2007 و2008 وافتتاح وحدة الإنتاج المبكر للغاز الحر والمكثفات في شمال الكويت وافتتاح المرحلتين الأولى والثانية من توسيع مرافق التصدير وتدشين ثمانية خزانات عملاقة.
ومن المحطات المهمة أيضا الانتهاء من مشروع تحديث المنشآت الذي شمل 16 وحدة تجميع وثلاث محطات تعزيز غاز وجربت شركة نفط الكويت (إنتاج الحد الأقصى) في الفترة بين 14 و 18 أكتوبر 2010 بنجاح للوصول إلى الحد الاقصى من قدرة الانتاج والذي وصل إلى 052ر3 مليون برميل نفط يوميا للمرة الأولى في تاريخ الشركة.
وتنفذ مؤسسة البترول الكويتية حاليا العديد من المشروعات من أهمها أضخم مشروعين يشهدهما القطاع النفطي وتقوم عليهما شركة البترول الوطنية الكويتية وهما مشروعا الوقود البيئي ومصفاة الزور الجديدة بتكلفة تتعدي 6ر8 مليار دينار كويتي بهدف الوصول الى طاقة تكريرية تصل الى نحو 4ر1 مليون برميل يوميا.
70 عاما مرت على تصدير أول شحنة نفط كويتية شهدت العديد من الانجازات في هذه الصناعة التي تعد المصدر الأساسي للدخل القومي للبلاد فيما ينتظر الوصول الى انتاج اربعة ملايين برميل يوميا بحلول عام 2020 وفقا لاستراتيجية مؤسسة البترول الكويتية.(النهاية) أ س ج / ه ث / ع ب د