من تامر ابو العينين

جنيف - 6 - 5 (كونا) -- تقدر وكالات الامم المتحدة المتخصصة قيمة التحويلات المالية للمغتربين الى بلدانهم الاصلية بما يفوق 400 مليار دولار سنويا وذلك وفق احصائيات عام 2010 ما دفع بالعديد من خبرائها الى التفكير في كيفية الاستفادة من تلك التحويلات وترشيدها لتصبح احد موارد تمويل مشروعات اقتصادية ذات دور ملموس في الدول النامية.
وبلور خبراء الامم المتحدة هذه الافكار في كتاب اصدرته مؤخرا (المنظمة الدولية للهجرة) و(معهد سياسات الهجرة) بعنوان (خارطة طريق تحفيز المغتربين على المشاركة في التنمية) الذي يضم شرحا لكل من الدول والمغتربين على حد سواء حول كيفية المشاركة الفعالة في مشروعات التنمية مع كثير من الامثلة على بعض المبادرات والمجالات الممكنة لتحقيق الاستفادة المرجوة.
وقدم الكتاب عرضا لقائمة مختارة بعناية من السياسات القابلة للتطبيق استنادا الى خبرات فعلية في 62 دولة فضلا عن تحليلات متعمقة مع مسؤولين حكوميين وجهات فاعلة غير حكومية مسلطا الضوء على التجارب الايجابية والتحديات المتوقعة والدروس المستفادة والحالات الواعدة التي يمكن صقلها وتكييفها لتتناسب مع السياقات المحلية.
ويوصف كتاب (خارطة طريق تحفيز المغتربين على المشاركة في التنمية) بأنه "المورد الاول والوحيد الذي يقدم استراتيجية شاملة للعمل بذكاء لحشد اهتمامات المغتربين للمشاركة في مشاريع التنمية في بلدانهم الاصلية".
وينقسم الى احد عشر فصلا موزعة على ثلاثة اجزاء رئيسية يحدد الاول منها اربع استراتيجيات مبدئية هي تحديد اهداف مشاركة تحويلات المغتربين في مشروعات التنمية ورسم خرائط لخصائص تحويلاتهم اذا ما كانت مدخرات او استثمارات خاصة او مجرد مصروفات اسرية ثم البحث عن طرق بناء الثقة بين المغتربين والمؤسسات الحكومية في بلدانهم ثم حثهم على العمل كشركاء في التنمية فيها. ويركز هذا الجزء على بناء قدرات المغتربين كعنصر فعال في وضع سياسات البرامج التنموية في بلدانهم الاصلية وتنفيذها بشكل مناسب كما يعالج مشكلة افتقار بعض الحكومات الى التقنيات اللازمة للتعامل مع مشكلات عدم كفاية التمويل ووجود الدراية في ترشيد التحويلات الاجنبية نحو مشروعات التنمية.
كما يطالب بإنشاء هياكل جديدة مخصصة للتعامل مع هذا الملف وابتكار شراكات بين الحكومات والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية لتكون فعالة في زيادة قدرة المؤسسات الحكومية على اجراء مشاورات منتظمة لبناء الثقة بين مختلف الاطراف تمهيدا لشراكة معمقة.
اما الجزء الثاني من الكتاب فتطرق على مدى ثلاثة الى فصول الاطر القانونية والمؤسسية التي يجب على الحكومات وضعها لتسهيل التفاعل مع المغتربين مستعرضا امثلة لجهود 400 مؤسسة حكومية في 56 بلدا قامت بوضع قواعد بيانات حول تحويلات المغتربين والتي شكلت عنصرا اساسيا في التعامل معهم من خلال مختلف مستويات الحكومة مثل العلاقات الخارجية والتكامل الاقليمي والتجارة او العمل.
وشدد ايضا على اهمية مرونة القوانين التي تعالج موضوعات مثل المواطنة والاقامة وتأشيرة الدخول والحقوق السياسية وحقوق الملكية والحوافز الضريبية للاستثمار ومزايا الرعاية وتأمينات الصحة والتقاعد والاعتراف الرسمي بأن المغتربين هم جزء من الوطن وجزء لا يتجزأ من التنمية الوطنية.
وتناول الجزء الثالث مسارين اساسيين في سياسة ترشيد تحويلات اموال المغتربين الاول هو التركيز على تعزيز البنية التحتية المالية التي تدعم تلك التحويلات والثاني هو التركيز على زيادة انتاجية تدفقات التحويلات من خلال آليات مثل التوريق والروابط بين التحويلات المالية والاستثمارات المالية ذات الصلة.
كما سلط الضوء على اهمية تعزيز الاستثمار المباشر لرجال الاعمال واصحاب رؤوس الاموال المغتربين في بلدانهم الأصلية وتعزيز آفاق النمو الاقتصادي عن طريق تشجيع تشكيل وتنمية الاعمال ودعم وتطوير قطاعات اقتصادية جديدة شريطة وجود البنى التحتية العامة الملائمة وسياسات تهيئ مناخ التعاون وتنظيم المشاريع.
وركز في الوقت ذاته على اتجاهات سياسية جديدة تتعلق بنقل "رأس المال البشري" من خلال اتصالات بين الدول النامية وابنائها المهاجرين للمساعدة على سد الثغرات في الخبرات والمهارات التي تقف عائقا امام التنمية من خلال الاقتصاد القائم على المعرفة. وفي هذا الصدد لفت الكتاب الى ظهور تيار خلال السنوات الاخيرة في بعض الحكومات الذي وضع برامج لعودة الكفاءات البشرية من ابنائها المغتربين بشكل دائم او مؤقت وتشجيع هذا المنحى بالتعاون مع الدول التي تقيم بها تلك الكفاءات المهاجرة بما في ذلك الاتصالات من خلال قنوات علمية او اكاديمية لتعزيز التعاون بين بلد المنشأ وبلد الاغتراب.
وعول الكتاب في جزئه الاخير على دور العمل الخيري الخاص في التنمية واهمية توسيع نطاقه اذ يمثل المغتربون مصادر للاستثمار الاجتماعي بدءا من مساهمات كبيرة من قبل الاثرياء منهم ووصولا إلى التبرعات الجماعية من الفئات متوسطة الدخل من بين المغتربين. ثم انتقل الكتاب بعد ذلك الى كيفية التعامل مع تدفق تحويلات المغتربين الى بلدانهم الاصلية من خلال اسواق رأس المال والاستثمارات في ودائع البنوك والاسهم والسندات والقروض والاصول المدعومة والاوراق والمشتقات المالية من خلال ابتكار ادوات استثمارية بعنوان "سندات المغتربين" على سبيل المثال.
كما قدم شرحا لدور المغتربين كأحد المصادر الرئيسية لاستحداث فرص العمل ودعم عائدات النقد الاجنبي في البلدان النامية اذ ذكرت الدراسة ان بإمكان المغتربين لعب دور "فريد ومهم" في دعم القطاع السياحي وفتح اسواق دولية لوجهات سياحية جديدة يمكن ان توصف بأنها "سياحة الجذور" من خلال جذب ابناء المهاجرين لزيارة جذورهم على فترات منتظمة والتعرف على التراث الثقافي لآبائهم.(النهاية) ت ا / ا ب خ كونا061112 جمت ماي 12