من معتز الشبراوي

 واشنطن - 20 - 1 (كونا) -- يكتسب تنصيب الرئيس الامريكي ابعادا تخرج عن النطاق المحلي لتكتسي طابعا عالميا كما يحفل تاريخ حفلات التنصيب ال 68 للرؤساء الامريكيين السابقين ال 43 بالعديد من الرموز واللمحات الدالة فضلا عن التقاليد والاعراف التي تراكمت عبر اكثر من 220 عاما من عمر الجمهورية الامريكية.
ويعد يوم تنصيب الرئيس الامريكي الجديد يوما للاحتفال بالديمقراطية التي اوصلته سدة الرئاسة وبالتقاليد الامريكية وبالفخر الوطني..انه يوم عرس ضخم واحتفالية كبرى لكافة المواطنين الامريكيين.
وعلى الرغم من القائمة الطويلة للمراسم والبروتوكولات والتقاليد المتبعة يوم التنصيب الا ان الدستور الامريكي لا ينص على أي منها وانما يكتفي بتحديد نص الصيغة الرسمية للقسم الدستوري وموعده فقط.
ودرج الرؤساء الامريكيون على اداء القسم التالي في يوم التنصيب المشهود "أقسم (او اؤكد) أنا فلان باجلال انني سأساند وأحمي دستور الولايات المتحدة ضد كافة الاعداء .. سواء أجانب أو محليين .. وانني ساحمل ايمانا وولاء حقيقيين له وانني اقبل بهذا الالتزام طواعية دون اي تحفظات عقلية او اهداف خفية وانني ساقوم بأمانة بتنفيذ مهام المنصب الذي اوشك على توليه.. فليساعدني الرب".
اما الدستور نفسه فينص حسب المادة الثانية من الباب الاول على الزام الرئيس المنتخب بأداء القسم التالي "أقسم (أو اؤكد) باجلال انني سأنفذ بأمانة مهام منصب رئيس الولايات المتحدة وسأعمل باقصى ما لدي من قدرة على صون وحماية دستور الولايات المتحدة والذود عنه".
لذا فان اكثر من نصف القسم الاول هو نتاج اعراف وابتكارات واضافات الرؤساء السابقين وحتى عبارة (فليساعدني الرب) الشهيرة ليست واردة في الدستور وانما اصبحت عرفا منذ ان استخدمها الرئيس الاول جورج واشنطن.
كما لم ينص الدستور كذلك على ذكر اسم الرئيس أو استخدام الكتاب المقدس (التوراة والانجيل معا) لاداء القسم كما جرى التقليد او حتى أي كتاب مقدس آخر وهو ما يسري كذلك على كافة المراسم والطقوس المتعددة لاحتفالات تنصيب الرؤساء الامريكيين التي لم تنص عليها القوانين بل هي محض اعراف وتقاليد متوارثة.
ولم يتطرق الدستور الامريكي لاي من مراسم التنصيب باستثناء توقيته حيث ينص الباب الاول من التعديل ال 20 للدستور على ان الفترة الرئاسية تنتهي ظهر 20 يناير لذا فان الرئيس الجديد ملزم باداء اليمين الدستوري في او قبل ظهر هذا اليوم

وفيما يتعلق باستخدام الكتاب المقدس كان لافتا ان الرئيس الاول المؤسس جورج واشنطن استخدم يوم تنصيبه الاول في 30 ابريل 1789 لاداء القسم نسخة الكتاب المقدس الماسونية وقرأ منها بعض المقاطع يومها وظلت تلك النسخة محفوظة في متحف نيويورك حتى استخدمها الرئيس جورج بوش الاب يوم تنصيبه عام 1989.
بل ان جورج بوش الابن كان يرغب باستخدام ذلك الانجيل الماسوني بشدة يوم تنصيبه الاول عام 2001 وبالفعل رحلت تلك النسخة التاريخية من مكانها في نيويورك الى واشنطن تحت حراسة مشددة غير ان سوء الاحوال الجوية يوم تنصيبه والتوقعات باحتمالات هطول الامطار ادى الى عدم استخدامها ليستعاض عنها بكتاب عائلة بوش المقدس نظر لاقامة المراسم في الهواء الطلق.
واللافت كذلك ان القسمين الدستوري والعرفي راعيا عدم الزام الرئيس بالقسم لذا تضمنا بين مزدوجين كبيرين كلمة (او اؤكد) غير ان كافة الرؤساء الامريكيين اقسموا باستثناء حالة واحدة فقط تعود للرئيس ال 14 فرانكلين بيرس (1853 - 1857) الذي استخدم كلمة اؤكد ولم يقسم.
كما ان كافة الرؤساء استخدموا الكتاب المقدس لاداء القسم باستثناء حالة واحدة فقط هي تلك التي تعود للرئيس ال 26 ثيودور روزفلت الذي رفع يده اليسرى ايضا خلال القسم دون استخدام الكتاب خلال تنصيبه عام 1901 الذي تم في منزل صديقه آنسلي ويلكوكس الذي قام بعدها بسنوات بتأليف كتاب (الرؤساء وزوجاتهم) وضمنه شهادته على ذلك التنصيب.
ومن الشواهد المبهرة على اهتمام الامريكيين بتنصيب رؤسائهم القسم الخاص بذلك في الموقع الالكتروني لمكتبة الكونغرس التي خصصت صفحة اشبه ما تكون بموقع جانبي تتضمن كافة المعلومات المتعلقة بتنصيب الرؤساء الامريكيين وتضم اكثر من 400 مادة مستقلة ونحو ألفي ملف رقمي تحتوي على العديد من المعلومات والصور والوثائق والخطب والمواد الصوتية والمرئية بل وصفحة فرعية خاصة بتنصيب كل رئيس على حدة.
واللافت كذلك تقسيم مرات التنصيب فامريكا حكمها حتى الان 43 رئيسا غير ان عدد مرات التنصيب تصل الى 56 تنصيبا للمرة الاولى ويتزايد العدد الى 68 تنصيبا اذا تم احتساب كافة مرات اداء القسم الرئاسي بما في ذلك الحالات التي تولى فيها نائب الرئاسة نظرا لوفاة الرئيس اواغتياله او استقالته. 

ولا تنص القوانين الامريكية على ضرورة ان يشرف قاض على مراسم اداء القسم الرئاسي فاي شخص بامكانه تقديم شهادة قانونية على اداء القسم او تأكيده يمكنه الاشراف على تلك المراسم غير ان العادة جرت على ان يشرف كبير قضاة المحكمة العليا على اداء اليمين حيث قام شاغلو ذلك المنصب بالاشراف على 61 من التنصيبات ال 68 التي اقيمت حتى الان.
والاستثناءات السبعة التي ستصبح ثمانية اليوم تتعلق باشراف قاضي ولاية او مقاطعة على القسم عادة ما يكون كبير قضاة واشنطن دي سي كما في حالة الرئيس الجديد باراك اوباما.
والحالة الوحيدة التي لم يشرف فيها قاض على مراسم القسم الرئاسي كان صاحبها الرئيس ال 30 كالفين كوليدج الذي كان يزور مسقط رأسه في بلايموث بولاية فيرمونت عندما كان نائبا للرئيس عام 1923 عندما بلغه نبأ وفاة الرئيس وقتها وارن هاردنغ.
وسمح كوليدج لوالده جون الذي كان يعمل كاتب عدل بالاشراف على مراسم اداء القسم التي تمت على عجلة في الساعة الثانية والنصف فجرا قبل ان يعاود كوليدج النوم.
ومن اجل استكمال الشكليات لا اكثر كرر كوليدج اداء القسم في اليوم التالي امام كبير قضاة واشنطن.
كما ان المرأة الوحيدة التي اشرفت على مراسم تنصيب رئيس هي القاضية الفدرالية السابقة ساره هيوز التي ادى على يديها القسم الرئيس ال 36 ليندون جونسون عام 1963 على متن طائرة سلاح الجو الامريكي رقم واحد وهي على الارض في قاعدة (لوف) الجوية بمدينة دالاس في تكساس بعد لحظات قليلة من تأكيد وفاة الرئيس السابق جون كينيدي الذي تعرض للاغتيال خلال زيارته تلك المدينة.
وكان القانون الامريكي ينص في الاساس على ان تجرى مراسم تنصيب الرئيس الجديد في 4 مارس مانحا بذلك فرصة اربع اشهر من بعد يوم الانتخابات لفرز الاصوات واحتساب النتائج والنظر في الطعون وكذلك اتاحة الفرصة امام اي مواطن يرغب في حضور مراسم التنصيب للاستعداد لذلك في حقبة ما قبل وسائل المواصلات العامة.
وتغير يوم التنصيب عام 1937 عبر التعديل ال 20 للدستور من ظهر 4 مارس الى ظهر 20 يناير بدءا من مراسم انطلاق الفترة الرئاسية الثانية للرئيس فرانكلين روزفلت..
كما ان المراسم لم تقم في واشنطن سوى من عام 1801 الذي اصبحت فيه العاصمة الفيدرالية للولايات المتحدة.

 وعادة ما يولي الرؤساء الامريكيون اهمية كبرى بخطاب التنصيب لكن المؤسس جورج واشنطن اكتفى بخطاب من 135 كلمة في حفل تنصيبه الثاني في 4 مارس 1789 ليصبح بذلك اقصر خطاب تنصيب في التاريخ الامريكي أما اطول خطاب فذلك الذي القاه الرئيس التاسع وليام هاريسون وتكون من 10 آلاف كلمة تماما.
   وتحفل قائمة تنصيبات الرؤساء الامريكيين بالعديد من السوابق والمرات الاولى..فالمرة الاولى التي يشارك فيها افارقة امريكيون في مراسم التنصيب تعود للتنصيب الثاني للرئيس ال 16 ابراهام لنكولن محرر العبيد عام 1865.
   اما الرئيس ال 19 رذرفورد هايس فكان اول من يؤدي القسم الرئاسي في البيت الابيض عام 1877 لا في مقر الكونغرس كما جرى العرف كما انه اول رئيس يؤدي القسم مرتين بالنظر لان يوم 4 مارس صادف يوم احد اذ ادى القسم بصورة غير علنية في الثالث من مارس ثم كرر القسم علنا يوم الاثنين الخامس من مارس.
   وقام بعدها الرئيس ال 28 وودرو ويلسون بكسر حظر اداء القسم علنا في يوم احد وذلك في تنصيبه الثاني في 4 مارس 1917 غير انه اضطر لاداء قسم ثان علني ايضا في اليوم التالي.
   اما اول رئيس سمح لزوجته بمرافقته في مراسم التنصيب فكان الرئيس ال 27 وليام تافت الذي كان كذلك اول رئيس يستقل سيارة خلال ما يعرف باسم (مسيرة التنصيب) من الكونغرس الى البيت الابيض عام 1909 وقبلها كان الرؤساء يستقلون العربات التي تجرها الخيول واحيانا يكتفون بالسير على الاقدام لتحية مواطنيهم على طول الطريق.. كما شاركت المواطنات الامريكيات للمرة الاولى في مسيرة التنصيب بدءا من يوم تنصيب تافت.
   وتعود المرة الاولى والوحيدة التي اشرف فيها رئيس سابق على مراسم اداء القسم الرئاسي الى وليام تافت ايضا الذي شغل منصب كبير القضاة بعد رئاسته وهو ما سمح له بالاشراف على مراسم التنصيب الثاني للرئيس ال 30 كالفن كوليدج عام 1925 .
   وشهدت مراسم تنصيب الرئيس ال 35 جون كينيدي في 20 يناير 1961 العديد من السوابق فكان ذلك اول تنصيب يحضره والدي الرئيس المنتخب معا كما كانت تلك المرة الاولى والاخيرة التي يستخدم فيها الجيش قاذفات اللهب لاذابة الثلوج المتجمعة على جادة بنسلفانيا المحاذية للبيت الابيض.
   وفضلا عن ذلك كان تنصيب كينيدي اول تنصيب ينقل ملونا تلفزيونيا وكذلك اول تنصيب يشهد اقامة خمس حفلات تنصيب رسمية واول من يلقي فيه شاعر ابيات من الشعر..ولانه اول رئيس كاثوليكي حكم الولايات المتحدة استخدم كينيدي كذلك النسخة الكاثوليكية من الكتاب المقدس للمرة الاولى والاخيرة كما كان آخر رئيس يعتمر قبعة خلال تنصيبه.
   ولم يبدأ تقليد تصوير مراسم التنصيب الرئاسية بكاميرات السينما سوى من تنصيب الرئيس ال 25 وليام ماكينلي عام 1897 ولم يبدأ نقل المراسم عبر الاذاعة سوى من تنصيب الرئيس كالفن كوليدج في 1925 ولاحقا دخل التصوير التلفزيوني منذ التنصيب الثاني للرئيس ال 33 هاري ترومان عام 1949 اما اول تنصيب ينقل حيا على شبكة الانترنت فكان التنصيب الثاني لبيل كلينتون عام 1997.(النهاية)

   م ع ش