الكويت - 11 - 11 (كونا) -- يعتبر يوم ال11 من نوفمبر 1962 يوما خالدا ومشهودا في تاريخ الكويت ففي مثل هذا اليوم صادق سمو امير البلاد الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح الحاكم ال11 لدولة الكويت على دستور الكويت الذي يعتبر الوثيقة الكبرى الاولى والاساسية في حياة الشعب الكويتي التي تحدد نظام الدولة وتنظيم العلاقات بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.
ولقد ارتضى الكويتيون الدستور حكاما ومحكومين كأساس لبناء مجتمعهم العصري الحديث الذي هو خلاصة حياتهم وتجاربهم منذ ان نشأوا واستقروا على ارض الكويت وتتابعت بهم الحياة ابا عن جد.
وقد أكد الشيخ عبدالله السالم رحمه الله فى كلمته التى جاءت بمقدمة الدستور انه جاء "رغبة فى استكمال اسباب الحكم الديمقراطي لوطننا العزيز وايمانا بدور هذا الوطن فى ركب القومية العربية وخدمة السلام العالمي والحضارة الانسانية وسعيا نحو مستقبل افضل ينعم فيه الوطن بمزيد من الرفاهية والمكانة الدولية ويفيء على المواطنين مزيدا كذلك من الحرية السياسية والمساواة والعدالة الاجتماعية ويرسي دعائم ما جبلت عليه النفس العربية من اعتزاز بكرامة الفرد وحرص على صالح المجموع وشورى فى الحكم مع الحفاظ على وحدة الوطن واستقراره".
وجاءت احكام الدستور في مجملها لترسيخ الاسس والثوابت التي سارت عليها الكويت منذ نشأتها وتشربتها نفوس ابنائها وجرت مجرى الدم في عروقهم من حيث الاعتماد في حياتهم وتصرفاتهم على اسس الشورى والديمقراطية النيابية الحديثة.
وعندما انتخب الكويتيون المجلس التأسيسي في يناير عام 1962 ليتولى وضع دستور دولة الكويت وينظم السلطات والحريات شكل المجلس لجنة لاعداد مشروع الدستور تتألف من خمسة اعضاء مهمتها اعداد دستور ينظم كيان دولة الكويت وينظم السلطات والحريات على ان يتم عرضه على أمير البلاد.
وافتتح الشيخ عبدالله السالم الصباح جلسة المجلس التأسيسي والقى كلمة قال فيها "باسم الله العلي القدير نفتتح اعمال المجلس التأسيسي الذي تقع على عاتقه مهمة وضع اساس الحكم في المستقبل".
واضاف سموه "اختتم كلمتي بالنصح لكم كوالد لأولاده ان تحافظوا على وحدة وجمع الكلمة حتى تؤدون رسالتكم الجليلة في خدمة هذا الشعب على اكمل وجه واحسنه والله ولي التوفيق".
وتمت تزكية المرحوم عبداللطيف ثنيان الغانم رئيسا للمجلس التأسيسي وانتخب الدكتور احمد الخطيب نائبا للرئيس.
وشكل المجلس التأسيسي لجنة اعداد مشروع الدستور التي ضمت خمسة اعضاء هم المرحوم عبداللطيف ثنيان الغانم رئيس المجلس التأسيسي وسمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح وكان في حينها وزيرا للداخلية ورئيس لجنة اعداد مشروع الدستور المرحوم حمود الزيد الخالد الذي كان وزيرا للعدل ويعقوب يوسف الحميضي عضو المجلس التأسيسي وأمين سر اللجنة والمرحوم سعود عبدالعزيز العبدالرزاق عضو المجلس التأسيسي.
كما تولى سكرتارية اللجنة الامين العام للمجلس التأسيسي علي محمد الرضوان وشارك في اجتماعات اللجنة الخبير القانوني محسن عبدالحافظ الى جانب الخبير الدستوري عثمان خليل عثمان.
واعتبرت مشاركة سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح في اللجنة مبادرة سياسية لأول مرة في تاريخ الكويت البرلماني سبقتها رئاسة الشيخ عبدالله السالم الصباح للمجلس التشريعي عام 1938.

 وعقدت لجنة الدستور 23 جلسة كانت الاولى يوم السبت 17 مارس 1962 والاخيرة في 27 اكتوبر 1962 .
وقدم رئيس المجلس التأسيسي الدستور الجديد الى الشيخ عبدالله السالم الصباح بقصر السيف في الثامن من نوفمبر 1962 والقى كلمة قال فيها "انه لشرف كبير لزملائي اعضاء لجنة الدستور ولشخصي ان نتقدم الى سموكم في هذا اليوم التاريخي نيابة عن المجلس التأسيسي بمشروع الدستور الذي رأيتم وضعه للبلاد على اساس المبادئ الديمقراطية المستوحاة من واقع الكويت".
والقى سمو امير البلاد الراحل الشيخ عبدالله السالم كلمة بهذه المناسبة قال فيها "نحمد الله العلي القدير الذي اتاح لنا في هذه المرحلة التاريخية من حياة شعبنا العزيز تحقيق امنيتنا في وضع دستور للبلاد يقوم على اسس ديمقراطية سليمة ويتفق وتقاليدنا ويتجاوب وآمال امتنا".
واضاف سموه "ونحن اذ نبارك لكم اليوم هذا ونصدر الدستور نشكر لكم جميعا ما بذلتم من جهود مخلصة وما اظهرتم من روح الاخوة والصداقة في اثناء عملكم ...والله نسأل ان يسدد خطانا ويوفقنا الى ما فيه الخير والصلاح".
وصدق الشيخ عبدالله السالم على الدستور بعد ثلاثة ايام من تاريخ رفعه اليه وتم اصدار دستور الكويت في يوم 11 نوفمبر 1962 وكان على الصورة التي اقرها المجلس وتم نشره في الجريدة الرسمية في اليوم التالي.
وبعد مضي 72 يوما فقط على اقرار الدستور اجريت في 23 يناير 1963 اول انتخابات شاملة في الكويت لانتخاب اعضاء مجلس للامة وكان ايذانا رسميا ببدء العمل بالممارسة السياسية بموجب احكام الدستور الجديد كما كان المدخل الذي نفذت من خلاله حدود سلطات البلاد الرئيسية وهي التشريعية والتنفيذية والقضائية.
ويتألف دستور الكويت من 183 مادة موزعة على خمسة ابواب اولها عن الدولة ونظام الحكم والثاني عن المقومات الاساسية للمجتمع الكويتي والثالث عن الحقوق والواجبات العامة والرابع عن السلطات.
واشتمل الباب الرابع على خمسة فصول جاء الاول منها على شكل احكام عامة والثاني عن رئيس الدولة والثالث عن السلطة التشريعية والرابع عن السلطة التنفيذية والخامس عن السلطة القضائية.
اما الباب الخامس من الدستور فقد احتوى على نصوص الاحكام العامة والمؤقتة.

واوضحت المذكرة التفسيرية للدستور التي تعتبر بمثابة العامود الفقري لمواد الدستور التصور العام لنظام الحكم في البلاد وفسرت كافة المواد التي قد تخضع لأكثر من تفسير او اجتهاد.
وفي 10 فبراير من عام 1980 شكل سمو امير البلاد الراحل الشيخ جابر الاحمد الصباح لجنة للنظر في تنقيح الدستور تكونت من 35 عضوا.
وعقدت لجنة تنقيح الدستور اول اجتماع لها في 19 فبراير 1980 وقد حضر الاجتماع سمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح والقى خطابا في الجلسة مطالبا الاعضاء بالحفاظ على الدستور وصيانة مبادئه الاساسية مشددا على المسؤولية الملقاة على عاتق اللجنة لخدمة شعب الكويت وتحقيق امنه ورخائه واستقراره.
وانهت لجنة تنقيح الدستور اعمالها يوم 22 يونيو 1980 بعد ان عقدت عدة اجتماعات استمرت 18 اسبوعا واطلعت اللجنة على 13 تصورا من الحكومة وتصور واحد من الاعضاء. وكان دستور الكويت في ايام الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت في اغسطس 1990 بمثابة المظلة التي عملت على توحيد صفوف الكويتيين في الداخل والخارج وعززت تمسكهم بشرعيتهم فأهل الكويت في الداخل صمدوا ورفضوا التعاون مع الغزاة فيما اجتمع الكويتيون في الخارج بجدة في المملكة العربية السعودية في اكتوبر 1990 واعلنوا تمسكهم بدستورهم.
وقال سمو امير البلاد الشيخ جابر الاحمد الصباح طيب الله ثراه في المؤتمر الشعبي بجدة ان "الكويتيين عاشوا منذ القدم في اجواء من الحرية والتزموا الشورى ومارسوا الديمقراطية في اطار دستورنا الذي ارتضيناه".
من جهته قال عبدالعزيز الصقر رحمه الله في كلمته امام المؤتمر "ان استرشاد دستور الكويت بتجارب الدول الاخرى قد عزز هويته الكويتية الصادقة فجاء بمثابة عباءة سياسية كويتية النسيج والنموذج".

وبعد ان من الله على الكويت بنعمة التحرير وجه سمو امير البلاد الراحل الشيخ جابر الاحمد الصباح كلمة للشعب الكويتي في العشر الأواخر من رمضان في السابع من ابريل 1991 قال فيها "ان الشورى والمشاركة الشعبية في امور البلاد كانت طبيعة الحياة في بلدنا ولها طرق عدة الا ان عودة الحياة النيابية هي ما اتفقنا عليه في المؤتمر الشعبي بجدة".
واضاف سموه رحمه الله "ووفاء بهذا العهد فقد قررنا بعد ان تستقر الاوضاع وتبدأ مسيرة الحياة ويعود اهل الكويت الى اهلهم ان تجري الانتخابات النيابية خلال السنة المقبلة باذن الله تعالى حسب ما نص عليه دستورنا".
ووفاء بهذا الوعد شهدت الكويت في الخامس من اكتوبر 1992 عرسا ديمقراطيا تجلت فيه تطلعات الشعب وآماله التي ثبتت للعالم اجمع من خلال التفافه حول سلطته التشريعية التي شرعها دستور 1962 سواء كان ذلك اثناء الاحتلال العراقي الغاشم او بعد تحرير الكويت.
ومنذ صدور الدستور قبل 45 عاما وحتى اليوم تم انتخاب 11 فصل تشريعي وتم تشكيل 24 حكومة.
لقد جاء دستور دولة الكويت كنتيجة طبيعية لعدد من المطالبات والمشاورات التاريخية وهو جهد الرعيل الذي سبقنا وهو اتفاق الحاكم والمحكوم وهو علامة مشرفة فى تاريخ البلاد كما انه يقدم للموطن مزيدا من الحرية السياسية والمساواة والعدالة الاجتماعية فى ظل الرعاية الابوية لسمو أمير البلاد الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح وسمو ولي العهد الشيخ نواف الاحمد الجابر الصباح حفظهما الله.
(النهاية) ع د ف / ن ا