من صالح نزال عمان - 25 - 7 (كونا) -- ظل (سبيل الحوريات) الاردني اسما على غير مسمى ومتداولا عدة عقود حتى كاد يندثر ويعفو عليه الزمن رغم انه اثر بالغ الاهمية ويؤرخ لحقبة تاريخية مهمة من حياة الاردن .
وهذا السبيل الواقع فى قلب العاصمة الاردنية القديمة عمان وعلى مقربة من المدرج الروماني الشهير يعد احد ابرز معالم عمان التاريخية والاثرية وقد امتدت يد التطوير اليه اخيرا وانقذته مما هو فيه من اهمال فاصبح اثرا سياحيا يقصده السياح القادمون الى الاردن . والاثر الذي يقع خلف المسجد الحسيني الكبير في شارع الملك طلال ليس بتلك المساحة الكبيرة اذ لاتزيد مساحته على ثلاثة الاف متر مربع تنتشر فيه الاقواس و(الحنيات) وبعض الاعمدة والتيجان والحجارة التي تم انقاذها وتجميعها بعد ان امتدت اليها ايدى (الطامعين) بها على مدى العقود الماضية .
ويمثل (سبيل الحوريات)الذي بني فى القرن الثاني الميلادي وسط مدينة (فيلادلفيا) احد المرافق المعمارية المهمة لما يشتمل عليه من زخارف واعمدة وتماثيل تبرز ازدهار الحضارة الرومانية .
وقالت المهندسة شان بدر الدين من دائرة الاثار الاردنية والمشرفة على مشروع (سبيل الحوريات) لوكالة الانباء الكويتية (كونا) ان تاخير عملية انقاذ هذا الاثر وتطويره كانت بسبب الاولويات التي وضعتها دائرة الاثار لتطوير وتحسين المواقع الاثرية الكثيرة المنتشرة فى الاردن وفي مقدمتها اثار مدينتي جرش والبتراء وذكرت المهندسة الاردنية ان موقع الاثر فى قلب العاصمة بمكان تجاري مزدحم واحاطته بالمحال التجارية والمخازن من كل الجهات اعاق كثيرا عملية التطوير لان ازالة هذه المخازن والمحال تتطلب اموالا كثيرة لاستملاكها وتعويض اصحابها وهو مالم يكن متوفرا لدى امانة عمان الكبرى فى السنوات التي سبقت التطوير .
واضافت انه فى سنة 1991 بدات عملية الاستملاك وتنظيف الموقع تلتها فى السنوات الثلاث التالية عملية التنقيب التي قام بها كادر ضخم يقوده الدكتور محمد وهيب مع عدد من المساعدين والعمال .
وقالت المهندسة بدر الدين ان عملية التنقيب تمت على مرحلتين وجاءت بنتائج ممتازة "تعرفنا من خلالها الى الموقع وتاريخه الذي يمتد من العصر الروماني الى العصر الاسلامي الاول والعصور اللاحقة حتى العصر الايوبي مرورا بالعصر البيزنطي" .
وتشير نتائج التنقيبات الاثرية الى ان الشركس استوطنوا هذا الموقع والمدرج الروماني القريب منذ مطلع القرن التاسع عشر لوجود الماء والبساتين فى المنطقة .
ويصف رحالة عديدون منهم بتلر مروا بتلك المنطقة انها كانت كثيرة الماء وكانت بها سيول تعيش فيها انواع من اسماك الانهار العذبة.
لكن عمليات ترميم الموقع واعداده ليكون اثرا سياحيا مقصودا لم تبدا الا عام 1996 حيث انيطت بالمهندسة بدر الدين وفريقها عملية الاشراف على الترميم .
وقالت " بدانا بجمع المعلومات الاثرية عن الموقع واستعنا باراء وكتابات الرحالة العديدين وبكل الدراسات المتوفرة فى الجامعات والمتاحف وتزودنا بالصور الارشيفية بمساعدة المركز الفرنسي ووضعنا المخططات الاولية للمبنى وقارناها بالمخططات التي وضعها الرحالة بتلر الذي اطلق اسم (سبيل الحوريات) على هذا الموقع الاثري ثم بعد ذلك قمنا بتوثيق المبنى عن طريق الصور والسلايدات وفي وصفها للموقع تقول المهندسة بدر الدين انه يتالف من طابقين اولهما ارضي يشتمل على مجموعة من الاقواس الحجرية بعضها نافذ لتسهيل انسياب المياه وهو مازال مستخدما حتى الوقت الحاضر لتسهيل انسياب الامطار فى فصل الشتاء والطابق العلوي الذي يتالف من ثلاث حنايا ضخمة .
واضافت ان الحنية الشمالية منه مازالت ثابتة فى الموقع نفسه ويفصلها عن الحنية التالية صفان من الحنايا الصغيرة يشتمل كل صف على اربع حنايا تضم تماثيل بشرية فيما زينت واجهة الطابق العلوي بالالواح الرخامية المتعددة الالوان وبالتماثيل الحيوانية مثل الاسود والنمور وغيرها .
اما تيجان الاعمدة فقد زينت بالزخارف النباتية والاشكال الهندسية وغطي السقف بقطع القرميد الاحمر الذي تم اكتشافه فى الموقع مما اضفى على البناء جمالا فريدا ومنظرا زاهيا.
وفي وسط الساحة يقع الحوض المائي المقابل للحنية الشمالية حيث شكل الحوض مكانا مثاليا للقاء سكان عمان القدماء ويعتمد في بنائه الاساسي على الاقواس (الحنيات) التي كان يمر من تحتها الماء واقواس اخرى مغلقة كي تتحمل ما فوقها من بناء رصت بجانب بعضها على شكل (حدوة الفرس).
وذكرت المهندسة بدر الدين ان هذا البناء يعد الاضخم من نوعه فى الشرق الاوسط ويبلغ ارتفاعه من القاعدة الى القمة 35 مترا وتم بناؤه على عدة مراحل وفق ما كشفت عنه عمليات الترميم.
وتصدرت واجهة الموقع عدة اعمدة بتصميمات غريبة اذ تضيق من الاعلى والاسفل وتتسع عند الوسط كي تتحمل المزيد من الضغط لكن المهندسة الاردنية تعبر عن الاسى والاسف "لانه لم يبق من هذه الاعمدة سوى اثنين احدهما بارتفاع عشرة امتار " مضيفة انه بمقارنة هذا العمود بواجهة المبنى "قدرنا انه كان هناك 21 عمودا قطر كل منها 120 سنتمترا وتحمل على راسها تيجانا مزخرفة عثرنا عليها خلال الحفريات ".
وقالت "اما الحجارة الكبيرة وذات الطابع الفريد فقد فقدنا الكثير منها وخاصة تلك التي كانت ظاهرة فوق الارض قبل عمليات التنقيب والتطوير اذ سطا عليها البعض واستخدموها فى بناء منازلهم فى بدايات القرن الماضي عندما بدات عمليات البناء والاعمار تنطلق فى عمان وقد استطعنا استرداد بعض هذه الحجارة الا ان مافقد ظل كثيرا".
وعزت المهندسة بدر الدين سبب دمار هذا الموقع الى سلسلة زلازل ضربت المنطقة فى الحقب الماضية واسقطت اجزاءه العلوية ثم ساهم موقعه وسط العاصمة وفي قلب حي تجاري مزدحم فى زيادة الدمار نتيجة العبث والتخريب وسوء التقدير .
وذكرت ان الموقع لايخلو من الاخطار والمؤثرات التي تهدد بقاءه على وضعه منها الرطوبة العالية الناجمة عن الابخرة المتصاعدة من المياه العادمة للبنية التحتية فى المواقع المحيطة والتاكل المستمر بفعل عوامل الطبيعة.
واشارت الى المخاطر الاصطناعية المتمثلة بحركة البشر وسوء التخطيط وعوادم السيارات واهتزاز المركبات وخاصة الثقيلة التي تستخدم الشارع المجاور واستبدال الحجارة الاصلية المفقودة بمداميك اخرى فى القواعد السفلية .
ورغم ان الترميمات وعمليات التطوير اعادت الى هذا الموقع الاثري النادر بعض (هيبته واحترامه وقيمته) فانها جاءت متاخرة كثيرا الامر الذي اضاع الكثير من ميزاته . (النهاية) ص ن / ع ب د