A+ A-

(تعز) اليمنية .. مدينة تختنق عطشا وأسر تنزح هربا من الظمأ

مواطنون وأطفال بمدينة تعز يكافحون لأيام للحصول على عبوة ماء للشرب
مواطنون وأطفال بمدينة تعز يكافحون لأيام للحصول على عبوة ماء للشرب

من سامي نعمان (تقرير)

عدن - 23 - 7 (كونا) -- لم تعد القذائف والمعارك وحدها ما يدفع سكان مدينة (تعز) جنوب غربي اليمن للنزوح بل بات العطش خصما خطرا يهجر عشرات الأسر يوميا من المدينة المحاصرة جزئيا منذ عقد إذ جفت مصادر المياه وارتفعت أسعارها إلى مستويات لم يعرفها اليمنيون من قبل مهددة أمنهم واستقرارهم وحقهم في البقاء.
فمدينة (تعز) تعيش أزمة مياه حادة منذ أكثر من خمسة أشهر فاقمت معاناة مئات الآلاف من السكان وأججت مخاوف من وقوع كارثة إنسانية محدقة في المدينة المحاصرة جزئيا منذ نحو عقد.
وتسببت الأزمة المركبة في ارتفاع غير مسبوق لأسعار صهاريج المياه المتنقلة سعة ستة آلاف لتر إذ قفزت من 24 ألف ريال يمني إلى أكثر من 100 ألف ريال خلال الأسابيع الأخيرة ما جعل الحصول على المياه المخصصة للاستخدام المنزلي سلعة بعيدة المنال لكثير من الأسر ذات الدخل المحدود في ظل شحة المصادر المائية في المدينة التي كانت تعتمد في أغلب تغذيتها المائية على حقول واقعة في ضواحيها الخاضعة لسيطرة ميليشيا (الحوثي).
وتضافرت عوامل عديدة راكمت أزمة المياه الخانقة أبرزها شحة الأمطار التي تغذي مياه الآبار السطحية وتعثر مشاريع مياه استراتيجية كان مخططا لها أن تغذي المدينة الأكبر كثافة سكانية التي تعيش أزمة مياه مزمنة منذ عقود لكنها كانت تتعايش مع الحلول الإسعافية.
ولم تتوقف الأزمة عند المياه المنقولة عبر الصهاريج بل امتدت إلى مياه التحلية الخاصة بالشرب والتي تعرف شعبيا في المدينة باسم (مياه الكوثر) إذ تعاني محطات التحلية من شحة الإمدادات وارتفاع الطلب لتشهد أحياء المدينة طوابير طويلة أمام البقالات ونقاط التعبئة بحثا عن عبوة ماء سعة 20 لترا في مشهد أعاد إلى الأذهان أزمات الحصار الخانق التي عاشتها (تعز) قبل 10 أعوام.
وفي هذا الصدد قال مدير مؤسسة المياه في (تعز) وثيق الأغبري لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم الأربعاء إن "أزمة المياه في المدينة مشكلة قديمة تفاقمت هذا العام على نحو غير مسبوق نتيجة انقطاع مصادر المياه الرئيسية التي كانت تزود المدينة قبل عام 2015".
وأضاف أن "(تعز) كانت تعتمد سابقا على حقول مائية رئيسية بطاقة إنتاجية تبلغ 20 ألف متر مكعب يوميا لكنها انقطعت تماما بسبب الحرب كون أغلب تلك الحقول تقع في مناطق تخضع لسيطرة ميليشيا (الحوثي)".
وأوضح الأغبري أنه "لم يتبق ل(تعز) سوى حقل إسعافي داخل المدينة يضم 21 بئرا بطاقة إنتاجية لا تتجاوز 1500 متر مكعب يوميا وهذه الكمية لا تكفي بأي حال لتلبية احتياجات السكان بالنظر إلى الكثافة السكانية العالية والتوسع العمراني المهول".
ولفت إلى أن أزمة هذا العام تضاعفت بسبب جفاف الآبار السطحية التي كانت تغذي المدينة عبر الصهاريج القادمة من منطقة (الضباب) في الضاحية الجنوبية الغربية للمدينة نتيجة نضوب مصادرها المائية الطبيعية.
وذكر الأغبري أن مؤسسة المياه تعمل حاليا على حل أزمة مياه الشرب أو (مياه الكوثر) من خلال تغطية جزء كبير من احتياجات محطات التحلية من خلال الآبار التي حفرتها دولة الكويت عبر الجمعية الكويتية للإغاثة قبل ثلاثة أعوام لكنه شدد على أن الوضع "يبقى هشا للغاية" في ظل الطلب المرتفع على المياه.
وبين أن مدينة (تعز) وبكل تقدير استفادت من دولة الكويت التي ساهمت عبر (الجمعية الكويتية للإغاثة) وشريكها المحلي (مؤسسة استجابة للإغاثة) بحفر عدة آبار في عام 2022 واصفا تلك المشاريع بأنها "الوحيدة التي تنقذ المدينة الآن من أزمة أشد قسوة".
وقال الأغبري إن مؤسسة المياه وضعت حلولا إسعافية عاجلة من بينها دراسات فنية لحفر 10 آبار جديدة بعمق إجمالي يبلغ أربعة آلاف متر بتكلفة تقدر ما بين 750 و800 ألف دولار معتبرا أن "الحل الوحيد والأقرب حاليا لتخفيف الأزمة يكمن في التوسع في حفر الآبار وصيانة الشبكات القديمة".
وأعرب عن تقديره لدولة الكويت على دعمها المستمر للمدينة خاصة في مشاريع المياه التي قال إنها "أضحت شريان حياة رئيسيا لسكان (تعز)" مناشدا المنظمات الإنسانية والإغاثية الأممية والدولية وخصوصا في دول الخليج الإسهام في إغاثة محافظة (تعز) وإسناد الجهود الحكومية في تبني مشاريع استراتيجية تؤمن احتياج السكان من المياه خصوصا في ظل الظروف الاقتصادية القاسية التي يمر بها المواطنون في الفترة الراهنة.
وافتتحت (الجمعية الكويتية للإغاثة) في مارس عام 2023 مشروع (الحلول العاجلة لمشكلة مياه مدينة تعز اليمنية) الذي يستفيد منه أكثر من 300 ألف شخص في المدينة المحاصرة وسلمته للسلطات المحلية لتشغيله ليشكل رافدا رئيسيا للمياه في المحافظة من خلال ثماني آبار ارتوازية بعمق إجمالي بلغ 3300 متر تقريبا وبقدرة ضخ إجمالية تبلغ ألفي متر مكعب يوميا (مليونا لتر) بواسطة مضخات غاطسة ومحركات تشغيل تعمل بالديزل.
كما افتتحت (الجمعية الكويتية للإغاثة) مشروع مياه المستشفى الجمهوري بمدينة (تعز) والعديد من المشاريع في أرياف المحافظة إضافة لإسهامات جمعيات أخرى.
وتخضع أجزاء واسعة من مدينة (تعز) لحصار خانق من قبل ميليشيا (الحوثي) التي تقطع أوصالها وتعزلها عن مواردها منذ نحو 10 سنوات فيما يعيش سكانها أوضاعا إنسانية صعبة في مختلف الخدمات الأساسية وسط استمرار الحرب وانعدام الحلول المستدامة.
لكن أزمة المياه الخانقة القائمة تبدو الأكثر قسوة وإثارة لمخاوف السكان من انعدام الأمن المائي الذي تسبب بنزوح عشرات الأسر إلى الأرياف بحثا عن شربة ماء عزيزة مع كل ما يرافق شحة المياه من استخدام مياه غير صالحة للاستخدام وتسرب الأطفال من المدارس بحثا عن عبوة ماء وما لذلك من مآلات صحية ومعيشية بل وأمنية واجتماعية كارثية.
وتبدو المفارقة الأكثر قسوة أن كلفة تغطية الاحتياج من المياه باتت أزيد بالنسبة لبعض الأسر من كلفة الغذاء ما يجعل عبء المعيشة كارثيا بكل المقاييس على الأسر اليمنية ما لم يكن هناك تدخلات عاجلة لإنقاذ السكان من الموت عطشا.
وتكتب (تعز) اليوم فصلا جديدا من مأساة اليمن بين عطش يطارد الأحياء ونزوح يبدد ما تبقى من استقرار وقلوب تترقب بارقة أمل تأتيها مع قطرة ماء تنقذها من الهلاك.(النهاية) س ن ص / م خ