LOC13:26
10:26 GMT
من محمد عبدالعزيز (تقرير اخباري)
الخرطوم - 28 - 9 (كونا) -- في ضوء تحديات تواجه عملية السلام في دولة جنوب السودان أعلنت حكومة جوبا تأجيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقررة في ديسمبر بدعوى الحاجة إلى مزيد من الوقت لتعزيز الاستقرار في قرار قوبل بانتقادات لاذعة من المجتمع الدولي الذي يرى فيه انتكاسة لجهود بناء الدولة.
وأعلن مكتب رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت تمديد الفترة الانتقالية لمدة عامين فضلا عن تأجيل الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها مبدئيا في ديسمبر 2024 إلى 22 ديسمبر 2026 في وقت كانت تخطط فيه الحكومة لاختيار قادة لخلافة الحكومة الانتقالية الحالية التي تضم ميارديت والنائب الأول للرئيس ريك مشار اللذين اشتبكت قواتهما خلال الصراع.
ويقول الباحث الجنوب سوداني أتيم سايمون في تصريح لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) إن قرار تمديد الفترة الانتقالية يعكس بوضوح غياب الإرادة السياسية لدى الأطراف المتنازعة والتي تفضل التمسك بالسلطة على تحقيق التحول الديمقراطي ومناقشة القضايا المتعلقة بالإصلاح السياسي والاقتصادي والعسكري.
إلا أن المحلل السياسي ماهر أبوالجوخ أعرب في تصريح ل(كونا) عن اعتقاده بأن قرار تمديد الفترة الانتقالية في جنوب السودان يعكس مجموعة من العوامل المتداخلة بما في ذلك المصالح السياسية للأطراف الفاعلة والتحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجه البلاد مضيفا "هذا التوافق على التأجيل جاء في محاولة للحفاظ على الاستقرار الهش رغم المخاوف من تأخر عملية التحول الديمقراطي".
وفي ذات الوقت يقول المختص بأوضاع جنوب السودان المثنى عبدالقادر في تصريح ل(كونا) ان الرغبة في الحفاظ على المصالح الشخصية والأزمة المالية الخانقة بالإضافة إلى ضعف الضغوط الدولية هي العوامل الرئيسية التي دفعت الأطراف الحاكمة في جنوب السودان إلى تمديد الفترة الانتقالية وتأجيل الانتخابات التي تقدر تكلفتها بنحو 430 مليون دولار.
وبشأن الردود الدولية فقد أجمعت الأمم المتحدة والدول الضامنة على أن قرار تأجيل الانتخابات في جنوب السودان يعكس اخفاق الحكومة الانتقالية في تنفيذ اتفاق السلام ودعت إلى سرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتهيئة الأوضاع لإجراء انتخابات حرة ونزيهة مؤكدة أن الانتخابات هي السبيل الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار في البلاد.
وأعربت بريطانيا والولايات المتحدة والنرويج والاتحاد الأوروبي وكندا وفرنسا وألمانيا وهولندا وهي دول ضامنة لعملية السلام عن استيائها من قرار تمديد الفترة الانتقالية في جنوب السودان واعتبرته خرقا صارخا لاتفاق السلام.
وأكدت الدول الضامنة أهمية إجراء الانتخابات كسبيل لتحقيق السلام والاستقرار داعية الحكومة إلى الوفاء بوعودها والعمل على تهيئة الظروف اللازمة لإجرائها.
وفي المقابل قال وزير شؤون مجلس الوزراء في جنوب السودان مارتن لومورو إن الحكومة تقدر موقف الدول الضامنة ولم تشجبه.
وأضاف في تصريحات نقلتها محطة (آي راديو) المحلية "لم تدعموا هذا التمديد وهذا جيد ولكن ما يمكننا التأكد منه هو أننا لن نسمح لجنوب السودان بالدخول في حرب مرة أخرى".
وفي الاثناء يشير الباحث سايمون إلى أن المجتمع الدولي كان حريصا على إجراء الانتخابات العامة في جنوب السودان بموعدها رغم تحفظات الأطراف المحلية وقد التزمت دول الترويكا والمنظمات الدولية بتوفير الدعم المالي واللوجستي اللازم لكنه أكد أن الأطراف المعنية تسعى للحصول على شرعية حتى لو عن طريق التمديد المستمر مما سيعرضها لضغوط دولية متزايدة قد تؤدي إلى عزل النظام الحاكم في جوبا داخليا وخارجيا.
وأوضح أن مجموعة من المحامين قد طعنت دستوريا في قرار التمديد فيما دعت بعض قوى المعارضة إلى التظاهر احتجاجا على هذا القرار.
ويشير المختص بشأن دولة جنوب السودان عبدالقادر إلى أن عدم التزام الأطراف في جنوب السودان بتنفيذ بنود أساسية في اتفاق السلام مثل الدستور والتعداد السكاني يعرض الانتخابات للخطر ويؤجل تحقيق الاستقرار.
وحمل عبدالقادر جميع الأطراف مسؤولية هذا التأخر وطالبهم بتسريع وتيرة تنفيذ هذه البنود لضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة في موعدها المحدد.
غير ان المحلل أبوالجوخ يرى أن ضغوطا دولية وإقليمية دفعت نحو تأجيل الانتخابات لتجنب إشعال الحرب مجددا وهو ما لاقى قبولا من الأطراف الرئيسية في جنوب السودان.
وأضاف أن موافقة جميع الأطراف على التمديد ساهمت في إزالة خلاف كان يهدد السلام الهش مما يمنحهم فرصة للعمل معا لتجاوز تحديات تنفيذ اتفاق السلام خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الناتجة عن توقف تصدير النفط مؤكدا أن هذه الفترة قد تكون حاسمة إذا استغلت بحكمة لتجاوز التعقيدات السياسية والاقتصادية.
وعن التداعيات المستقبلية يرى المحللون أن تأجيل الانتخابات يحمل مخاطر جسيمة حيث قد يؤدي إلى تفاقم الصراع في المناطق المتأثرة واحتكار السلطة وتأجيل الإصلاحات بينما قد يوفر استقرارا مؤقتا إلا أن هذا الإجراء قد يدفع البلاد إلى أزمة طويلة الأمد.
ويقول سايمون أن تأجيل الانتخابات قد يوفر استقرارا مؤقتا مقارنة بإجرائها في ظل الظروف الحالية التي قد تؤدي إلى تصاعد العنف لكنه يحذر من أن تأجيل الاستحقاق الديمقراطي قد يجر البلاد إلى أزمة طويلة الأمد في ظل غياب المؤسسات الفاعلة والمشروع الوطني مما قد ينتهي بالفوضى والاقتتال وبالنسبة للمناطق المتأثرة بالصراع.
ويتوقع سايمون تصاعد العنف خصوصا في إقليم الاستوائية حيث تنشط جماعات متمردة مثل (جبهة الخلاص) مع احتمال ظهور جماعات مسلحة جديدة في مناطق مثل (جونقلي) و(أعالي النيل) مما يفاقم الوضع.
وليس بعيدا عما سبق يشير أبوالجوخ إلى ان التمديد الانتخابي مسألة معقدة قد يخفف التوتر الأمني مؤقتا ويوفر فرصة لإصلاح القوانين لكنه يحمل مخاطر عدة مثل احتكار السلطة وتأجيل الحلول قد يؤدي أيضا إلى تصاعد الصراعات في بعض المناطق بسبب تأخر تنفيذ الوعود.
وفي 13 سبتمبر الجاري أعلنت رئاسة جنوب السودان تمديد الفترة الانتقالية لعامين وتأجيل الانتخابات التي كانت مقررة في ديسمبر وذلك في الدولة التي لم تشهد أي انتخابات منذ استقلالها عن السودان في 2011 وتدار البلاد حاليا بموجب اتفاق سلام وقع في 2018 بعد حرب أهلية خلفت وفقا للأمم المتحدة حوالي 50 ألف قتيل بينما تشير دراسة لوزارة الخارجية الأمريكية إلى أن أكثر من 382 ألف شخص لقوا حتفهم جراء الصراع. (النهاية)
م ع م / ط م ا