A+ A-

سيد.. تجربة مصرية ملهمة لعمل ذوي الإعاقة في المطاعم

العامل "سيد" من ذوي الاعاقة خلال العمل
العامل "سيد" من ذوي الاعاقة خلال العمل

من محمد المطيري

(قصة خبرية) القاهرة - 10 - 6 (كونا) -- ما إن تطأ قدماك محل الوجبات السريعة الكائن في مدينة الشيخ زايد غرب القاهرة يستقبلك "سيد" الواقف وراء جهاز الطلبات بابتسامة ترسم محياه اللطيف ويسألك بهمهمة وتعابير غير مألوفة عما تريد.
وحينما يدرك سيد ان تعابير وجهه والهمهمة لا تنفعان في تسهيل التواصل اللغوي يبادر بحركة من يديه يعرف بها عن نفسه بانه من "ذوي الاحتياجات الخاصة" مشيرا الى الشعار المعلق بأعلى ياقة قميصه الأحمر القاني.
سيد البالغ من العمر 51 عاما من فئة الصم البكم ويعمل في هذا المحل منذ خمس سنوات اعتاد التعامل مع الزبائن بلغة الاشارة والتعابير مع بعض الهمهمات التي يطلقها لتسهيل التواصل البصري مع رواد المحل.
ويعرض سيد بابتسامته التي لا تفارقه لائحة مصورة تتضمن الوجبات المتاحة بالمطعم حتى يبدد الحيرة التي قد تعتري الزبون وكي يوفر عليه تكبد عناء مواصلة الحوار غير المتكافئ.
وخلال ذلك يواصل سيد المتزوج والوالد لثلاثة ابناء اصحاء بإشارات من يديه عن نوع المشروب الغازي الموجود ايضا بالقائمة لينتهي الحوار بعرض السعر على شاشة الصراف النقدي التي تفصل بينه وبين الزبون وثم قبض الثمن.
وسيد ليس الوحيد في المحل حيث معه زملاؤه وهم من فئة الصم البكم نفسها يتحاورون فيما بينهم بلغة الاشارة ويتناوبون مهام العمل كذلك بهذه اللغة سواء في الوقوف وراء جهاز تسجيل الطلبات او العمل داخل المطبخ الذي تعبق منه رائحة الوجبات.
واللافت في هذا المحل وغيره من المحال التي توظف اشخاصا من ذوي الاعاقة تعليقها لافتات تحمل رسما لكف مضمومة تعني بلغة الاشارة "احبك" مع عبارة مكتوبة بالعربية او الانجليزية "مجتمع يهتم" وذلك في ظاهرة بدأت تنتشر في عموم المحافظات المصرية.
ويقول اسامة مدير محل الوجبات التابع لسلسلة مطاعم مشهورة عالميا ان فكرة تشغيل ذوي الهمم بادرة قامت بها السلسلة منذ 20 عاما دعما منها لمساعي الحكومة المصرية في دمج هذه الفئة في قطاع العمل وتسهيل تواصلها مع الجمهور.
ويضيف اسامة في لقاء مع وكالة الانباء الكويتية (كونا) ان الاستعانة بذوي الهمم للعمل داخل محل الوجبات جاء بعد فترة تدريب وتأهيل على أساليب العمل وطرق التعامل مع رواد المحل يبدأ من داخل مطبخ اعداد الوجبات وينتهي بعد الاتقان على العمل خلف جهاز تلقي الطلبات والتواصل مع الزبائن.
ولا يبالغ اسامة الذي بلغ منتصف عقده الرابع بالقول ان عمل فئة الصم والبكم في المحل هي تجربة فريدة انعكست ايجابا على شهرة المكان في مدينة الشيخ زايد احدى المناطق الراقية في محافظة الجيزة.
وبرغم ذلك فان تجربة تشغيل ذوي الهمم في المحل لا تخلو من المصاعب خصوصا مع من يسميهم اسامة بالزبائن "ضيقي الخلق" ويقول عن ذلك ان بعضهم يتبرم بسرعة لكنه يتدخل شخصيا للمساعدة وتوضيح ان سيد وزملاءه يستطيعون تسجيل الطلب بيسر تام.
هذه التجربة وغيرها لم تعد محصورة بمحل الوجبات السريعة اذ تستعين بعض المؤسسات التجارية بذوي الهمم تطبيقا لقانون تشغيل هذه الفئة والذي فرضته الحكومة على كل المنشآت الحكومية والخاصة والمشروعات التجارية ضمن مبادرة أطلقت عليها اسم "دمج وتمكين ذوي الهمم".
وتحظى هذه المبادرة باهتمام متزايد داخل الشارع المصري لاسيما مع تبني رئاسة الجمهورية برامج تستهدف دمج ذوي الهمم في الحياة العامة وتمكينهم عبر التشريعات والقوانين التي تحفظ حقوقهم وتزيد مساهماتهم مجتمعيا.
وتقول عن ذلك رانيا الطالبة الجامعية ان ذوي الاعاقة يستحقون كل الدعم خصوصا الافراد الذين يعيلون اسرا معتبرة ان تجربة تشغيلهم يجب ان تعمم كي لا تبقى طاقة هؤلاء معطلة ويستفيد المجتمع منهم.
فيما تذهب زميلتها صابرين إلى تأييد تعميم تعليم لغة الاشارة للجمهور لتسهيل للتواصل مع ذوي الاعاقة الحسية وتضيف انها تعلمت هذه اللغة بفضل تعاملها اليومي مع الصم والبكم العاملين في الجامعة مشيدة بهذا الإطار بما سمته ب "تجربة انسانية".
وينص قانون سنة 2018 لدعم وتمكين ذوي الاعاقة بإلزام الجهات الحكومية وقطاع الأعمال وكل صاحب عمل ممن يستخدم 20 عاملا فأكثر بتعيين خمسة بالمئة من عدد العاملين على الأقل من الأشخاص ذوي الإعاقة.
ويغلظ القانون العقوبات على من يمتنع عن توظيف هذه الفئة بعد ترشيحها بدفع مبلغ يساوى الأجر أو المرتب المقرر مدة سنة كاملة تحت طائلة ايقاع عقوبة السجن لمدد تصل إلى سنتين وغرامة مالية بالجنيه تعادل ألف دولار.
وتحرص وزارة التضامن الاجتماعي المسؤولة عن تطبيق قانون دعم وتمكين ذوي الهمم على التعاون مع الجهات الحكومية في سبيل تشغيل ذوي الاعاقة القادرين على اداء العمل في القطاعات الرسمية والتجارية والخاصة.
واذ تعلن بالتعاون مع وزارة العمل سنويا عن ترشيحات لشواغر وظيفية متاحة للصم والبكم وذوي الاعاقة البصرية والجسدية الخفيفة فان المعدل بأقصى الاحوال لا يتجاوز مئات الوظائف سنويا في بلد تعداده تجاوز 111 مليون نسمة وغالبيتها في مطاعم أو محال تقديم الخدمة والاعمال الادارية الخفيفة والسوبر ماركت.
وبحسب بيانات الاتحاد العالمي للصم الذي يمثل 135 جمعية وطنية للصم والبكم فان عدد أفراد هذه الفئة حول العالم يزيد على 70 مليون أصم يعيش 80 بالمئة منهم في البلدان النامية ويستخدمون أكثر من 300 لغة إشارة.
وتختلف هذه اللغات فيما بينها تبعا لتاريخ وثقافة وعادات المجتمع الذي يعيش فيها الأصم اذ تتباين الاشارة المستخدمة من لغة إلى أخرى خصوصا تلك المتعلقة بمسميات بديهية مثل أب - أم - نهار - ليل وغيرها من المسميات.
ولا تقتصر لغة الاشارة على استخدام اليدين بل تشمل تعابير الوجه وحركة الشفاه وتعابير حركة الجسم.
ولتسهيل التواصل بين الصم البكم مع أقرانهم من الدول الاخرى لاسيما في اللقاءات الدولية والترحال نشرت لجنة توحيد الاشارات التابعة للاتحاد العالمي للصم في عام 1975 وثيقة تضمنت قائمة ب 1470 إشارة وحركة تعبير موحدة لتصبح لغة إشارة معتمدة عالميا.
واصطلح على تسمية اللغة الجديدة بمصطلح "جيستونو" للاشارة الى كلمتي (gesture and oneness) أي الايماءة والوحدة وتتميز هذه اللغة بخلوها من التعقيد نظرا لمحدودية معجمها اللغوي من حركات اليد واقتصارها على اشارات موحدة معروفة دوليا.
وإيمانا منها بأهمية دمج مجتمع لغة الاشارة ضمن اللغات الحية في العالم خصصت الامم المتحدة يوم ال 23 من سبتمبر يوما دوليا للغات الاشارة لنشر الوعي بأهميتها وتعزيز حقوق الانسان لفئة الصم والبكم والعمل باتفاقية اتاحة حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة.(النهاية) م م