A+ A-

الذكاء الاصطناعي والإبداع البشري.. سباق متسارع في عالم مفتوح على التطور

الذكاء الاصطناعي والإبداع البشري.. سباق متسارع في عالم مفتوح على التطور
الذكاء الاصطناعي والإبداع البشري.. سباق متسارع في عالم مفتوح على التطور

من أحمد الحملي

الكويت - 14 - 3 (كونا) -- في صورة جديدة للتفاعل بين البشر والتكنولوجيا فتح الذكاء الاصطناعي وتطوره المتسارع أبوابا مغلقة لاستكشاف إمكانيات طموحة في العديد من الجوانب في عصر التقنية الراهن الذي يشهد تحولات ثورية تتعلق بكيفية التفاعل مع التكنولوجيا وربما تطويعها وترويضها أيضا.
وفي وقت تتعاظم أهميته في مختلف مجالات الحياة الإنسانية أصبح الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في شتى المجالات حديث الساعة وجزءا مهما من الثورة الصناعية الخامسة التي تتركز في قدرة الآلات الذكية على القيام بالعديد من المهام بمفردها ومنها اتخاذ القرارات والتفكير والتعلم والتصرف بشكل مستقل سواء في سوق العمل أو في غيرها من القطاعات التي تستخدم هذه التكنولوجيا المهمة.
ويرى البعض أن العلاقة بين البشر والذكاء الاصطناعي عبارة عن حوار ذي أبعاد تكاملية وتنافسية قائم على أن الذكاء الاصطناعي لديه قدرات هائلة على بلورة المستقبل ولكن يظل البشر الذين لديهم الوعي والإبداع هم المحركون الرئيسيون نحو التطور.
وقال خبير الذكاء الاصطناعي والمدير التنفيذي لشركة (انفينتي وير) البحريني أمين التاجر لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم الخميس إن "تطبيقات الذكاء الاصطناعي ستكون لها تداعيات عديدة.. وفكرة خلق محتوى من دون تدخل بشري سيكون لها تغير مؤثر في طريقة عملنا".
وأكد التاجر أن هذه التكنولوجيا مستخدمة حاليا في فهم وتحليل إجراءات العمل في الأماكن ذات الطابع المؤسسي مثل البنوك التي تعتمد على اللغة التقنية سواء في البريد الإلكتروني وغيرها من المهام وهي تسهل العمل ولها محاسنها ومساوئها.
وبسؤاله عن مقدرة الذكاء الاصطناعي على العمل من غير تدخل بشري أجاب بأن العلاقة بين هذه التكنولوجيا والبشر هي تكاملية مؤكدا أنه في المرحلة الحالية لا يمكن لتلك التكنولوجيا أن تستقل تماما لعدم وجود برمجة مسبقة في هذا الخصوص.
وأوضح أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتخذ القرارات حاليا لكن ذلك يتم عن طريق التعلم الآلي من خلال سلسلة بيانية ومعلوماتية كبيرة من المدخلات والمخرجات.
وقال إن الذكاء الاصطناعي على سبيل المثال يمكن أن يميز بين صور القطط والكلاب على حسب المعلومات المدخلة والتعلم الآلي لكن يجب أن يتم تحصيل كم كبير من المعلومات حتى يستوعب الفروقات الدقيقة بين تلك الكائنات.
ولفت التاجر إلى أن الذكاء الاصطناعي ليس لديه "وعي" بحسب المفهوم المتعارف عليه حاليا موضحا الأمور قد تتغير في المستقبل.
وأكد أن الاستخدام الحالي للذكاء الاصطناعي وما يسمى بالنموذج اللغوي الكبير (ل ل ام) يعتمدان على ضخ كم كبير من المعلومات والبيانات والنصوص من العديد من المصادر ليتم الحصول على مخرجات محاكيه للبشر.
وأعرب عن مخاوفه من استخدام التكنولوجيا الحالية في اتخاذ القرارات المصيرية متسائلا "إن كنا لا نعرف كيفية عمل النظام من الداخل فهل سنوافق على فكرة اعطاء (الذكاء الاصطناعي) دفة القيادة؟".
وأوضح التاجر أن إناطة اتخاذ القرارات بالذكاء الاصطناعي بناء على بيانات منحازة كليا قد يسبب العديد من المشاكل خصوصا إن كانت تلك المدخلات الأساسية مبنية على التمييز المطلق وهذا يمكن أن يشكل خطرا في العديد من الجهات كقطاع التوظيف والقطاع العسكري.
ومن ناحيته أكد الباحث بشؤون الاقتصاد والتمويل وتحليل الشركات والكاتب في جريدة (القبس) الكويتية محمد رمضان أن تأثير الذكاء الاصطناعي يمتد ليشمل قطاع الاقتصاد موضحا أن هذه التكنولوجيا أصبحت تستخدم في العديد من المجالات سواء في أسواق المال والكشف عن الاحتيالات وغيرها.
وقال رمضان لـ(كونا) إن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحل محل البشر في العديد من الوظائف "خصوصا في الوظائف الآلية أو التي يمكن للذكاء الاصطناعي القيام بها من دون أخطاء".
وأشار إلى التقرير الذي أعدته مؤسسة (ميكنزي) الدولية (ام جي آي) في 29 يوليو 2023 بأنه في 2030 ستكون 30 بالمئة من أوقات العمل في الولايات المتحدة متعمدة على الذكاء الاصطناعي.
وأكد أن النسبة المعلنة من المؤسسة التي أنشئت في تسعينيات القرن الماضي لا تشكل خطرا كبيرا على الوظائف التي يقوم بها البشر لكن حتما سيكون هناك عدد من المسرحين من العمل الأمر الذي يستوجب إعادة هيكلة السوق ويفرض على الأفراد اكتساب مهارات جديدة للبحث عن الوظائف المناسبة لهم.
وتوقع رمضان أن الفترة بين عامي 2023 و2030 ستشهد زيادة في حجم سوق الذكاء الاصطناعي على أساس سنوي تراكمي بواقع 3ر37 بالمئة على حسب تقرير أعدته شركة (غراند فيو ريسرج) وهي شركة أمريكية هندية متخصصة في البحوث والاستشارات في أسواق المال.
وقدر الباحث الاقتصادي أن حجم سوق هذه التكنولوجيا سيصل إلى 200 مليار دولار في 2030 مؤكدا أنه يمكن للبشر والذكاء الصناعي أن يتشاركا في هذا السوق شريطة أن يقوم البشر بالأعمال المخصصة لهم من دون التدخل بالمهام المناطة بالذكاء الاصطناعي.
وأكد أن الحكومات يجب أن تكون حاضرة بالصورة من خلال تشريعات تضمن حقوق البشر نظرا إلى تخوف العديد من الناس من مغبة استغلال الذكاء الاصطناعي في أمور غير قانونية مثل تزوير الصور والمقاطع المصورة التي يمكن استخدمها في الجرائم والابتزاز.
إلى ذلك تمتد أذرع الذكاء الاصطناعي الافتراضية لتدخل مجال الفن في ضوء استحداث العديد من المنصات التي يمكن أن ترسم وتعزف الموسيقى بكبسة زر وإدخال بيانات بعينها.
وقالت دانة الراشد وهي فنانة كويتية برعت في رسم المنمنمات ذات الرسائل الاجتماعية إنها لا تمانع في استخدام التكنولوجيا لتحسين جودة الفن وتطويره.
وأوضحت الراشد لـ(كونا) أن البعض لديهم فكرة غير دقيقة عن استخدام أدوات وبرامج الحاسوب في الفن والرسم وهي خطوة لا تقتصر على "إدخال البيانات والكلمات الدالة للحصول على لوحة فنية فحسب".
وأكدت أنها تستخدم الأدوات الرقمية لتحسين جودة مخرجاتها الفنية بعد جهد كبير وتركيز وإبداع يدوي.
وأعربت عن قلقها لدخول الذكاء الاصطناعي في مجال الفن وحتى وإن كان المستوى الحالي لتلك التكنولوجيا لا يزال في بدايته خشية مآلاته وشكل تطوره مستقبلا.
وقالت إن البعض ممن لم يتلقوا التدريب الفني أو لا يأبهون بالفن سيتقبلون الأعمال التي تنتج باستخدام الذكاء الاصطناعي لأنها تؤدي الغرض وهذا يشكل خطرا على الفنانين المبدعين.
وأعربت عن قلق خاص تجاه هذا الموضوع لأنها حاليا تقوم بأعمال رسم لعملاء من الوسط الفني سواء كانوا كتابا أو موسيقيين موضحة أن دخول الذكاء الاصطناعي في هذا المجال مع وجود أشخاص لا يأبهون بالمنتج الفني سيؤثر حتما على مستقبل الفنانين المهنيين.
ورأت الراشد أن "الذكاء الاصطناعي سيؤثر على العديد من الوظائف وأعتقد بأن العالم سيكون جدا مختلفا في السنوات المقبلة".
وقالت إن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على محاكاة العديد من الأساليب الفنية وهذا يرجع إلى أن هذه التكنولوجيا تأخذ بياناتها ومدخلتها الأساسية من العديد من اللوحات والرسومات من صنع البشر بالتالي يجب سن قوانين دولية تحفظ حقوق الفنانين وتحميهم.
ولا شك أن آراء الخبراء ونقاشهم الفكري يثريان المواضيع المتعلقة بالذكاء الاصطناعي ولكن تأثير هذه التكنولوجيا يمتد ليشمل العديد من فئات الأخرى من المجتمع.
وقال المدير التنفيذي لشركة (المرقاب) للمعدات الطبية بدر التميمي إنه استخدم أحد برامج الذكاء الاصطناعي على سبيل التجربة في مراسلات البريد الإلكتروني ووصل إلى قناعة شخصية بأن هذه التكنولوجيا يمكن أن تختصر الوقت والمجهود.
وأكد التميمي أنه لا يشعر بأن الذكاء الاصطناعي سوف يكون له تأثير سلبي على سوق العمل ضاربا المثال باختراع جهاز الحاسوب في أواخر القرن الماضي وكيف أن هذا الجهاز لم يقص البشر وحاجة السوق إليهم.
وبدوره قال طالب المرحلة الثانوية عمر الشطي إن الذكاء الاصطناعي سيسمح للبشر بالإبداع والتطور بينما تقوم هذه التكنولوجيا بالقيام الوظائف ذات الطابع المكرر والممل.
وأكد أنه استخدم تلك التكنولوجيا في بحوثه خارج نطاق المدرسة معبرا عن إعجابه الشديد بقدرات الذكاء الاصطناعي وإمكانياته الهائلة.
وبين الشد والجذب يبدو أن العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والإبداع البشري ستكون مليئة بالحوارات والنقاشات الداعمة أو المحذرة من هذه التقنية التي أصبحت واقعا رغم أنه كان يعتقد سابقا بأنها ضرب من ضروب الخيال العلمي. (النهاية) ا ص ح / ت م