A+ A-

أزمة المناخ .. هل ينقذ الذكاء الاصطناعي مستقبل الكوكب؟

أزمة المناخ .. هل ينقذ الذكاء الاصطناعي مستقبل الكوكب؟

من الهيثم صالح (تقرير اخباري)

الكويت - 17 - 2 (كونا) -- خلال مؤتمر (كوب 28) الذي استضافته الإمارات نهاية نوفمبر الماضي أطلقت الأمم المتحدة مبادرة غير مسبوقة لتسخير قوة الذكاء الاصطناعي في كبح تدهور المناخ خصوصا في البلدان النامية التي تئن تحت وطأة الصدمات المناخية القاسية.
وفي المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس 2024) أكد خبراء التكنولوجيا وجود إمكانات هائلة للذكاء الاصطناعي في مجابهة مشكلات الكوكب لأنه قادر على تسريع كل شيء بدءا من التكيف مع التغيرات إلى تقليص التلوث وتحسين نماذج الطقس.
ومن هؤلاء الخبراء هيمانشو غوبتا الذي تحدث لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) عن جهود يقودها في وادي السيليكون (قلب صناعة التكنولوجيا الأمريكية) لتسريع استخدام الذكاء الاصطناعي الفائق (ASI) في دعم صمود الزراعة في وجه التغيرات المناخية ضمن مبادرة ذكية تعرف ب " كلايمت إيه آي".
ويقول غوبتا في اتصال هاتفي مع (كونا) من سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة إن فريقه يعكف على تطوير منصات فائقة الذكاء لتقييم مدى تعرض المحاصيل لدرجات الحرارة المرتفعة لمدد تتجاوز 10 سنوات مقبلة لتحديد إمكانية نمو المحاصيل خلال تلك السنوات.
ويوضح أن هذا الاختراق التكنولوجي الذي استعرضه أخيرا أمام منتدى دافوس يعتمد على حزم هائلة من البيانات الدقيقة للأرصاد الجوية والظروف القصوى وعتبات الطقس ودرجة الحرارة التي تجمعها العوامات من أعماق المحيطات وسمات المواقع وارتفاعها وتغيرات الحرارة وخواص البذور وضغوط الآفات وأنواع التربة وتوافر المياه والظروف القصوى والقيمة الاقتصادية وغير ذلك.
ويعقب قائلا "هذا مزيج فريد من التنبؤات الدقيقة القائمة على تعلم الآلة وعلوم المناخ التقليدية والبيانات الزراعية للمساعدة في تحديد الإجراءات الملحة للتكيف مع تغير المناخ".
ويشرح غوبتا كيف أن هذه القدرات مهمة للغاية لبلد كأستراليا يعد ثاني أكبر مصدر للقمح في العالم وأحد أهم العقد في سلاسل التوريد العالمية وفي الوقت ذاته معرض بشدة للأحداث المناخية المتطرفة.
ويضيف أنه خلال هذا الموسم تسببت ظاهرة النينيو (الحدث المناخي الضخم في المحيط الهادئ) في ظروف حارة وجافة أضرت بإنتاج القمح لذا يتوقع انخفاض محصول القمح الشتوي في أستراليا بعد سنوات من المحصول الوفير بفضل هطول الأمطار.
وينبه غوبتا إلى أن المزارعين لو علموا أن سنة جافة تنتظرهم لكان بوسعهم زراعة البذور المقاومة للجفاف أو لو علم المشترون بذلك منذ فترة طويلة لكانت عقود التوريد من آسيا مثلا قد اتجهت لمنتجين آخرين في أجزاء أخرى من العالم يتوقع أن تشهد ظروفا مواتية لزراعة القمح.
ويتابع "التنبؤ أساسي لصناع القرار الزراعي والتجاري والذكاء الاصطناعي قادر على أن يساعد في ذلك بقوة وبدقة شديدة.. وهذا ما نعمل عليه في كلايمت إيه آي".
وتعد هذه الجهود في الواقع إيذانا بتسارع وتيرة الخطى عالميا لتطويع الذكاء الاصطناعي ليس من أجل التكيف المناخي فحسب بل أيضا لفهم الأحداث المناخية ومعالجة التغيرات بطرق أفضل.
ويتوقع العلماء أن تؤدي خوارزميات الذكاء الاصطناعي دورا أساسيا في خفض التأثير البيئي وزيادة الكفاءة لأقصى حد ما سيحدث ثورة نحو الحياد الكربوني ويبشر بعصر من الاستدامة الذكية عالميا.
فمن دورها في توفير الطاقة وزيادة كفاءة مصادرها المتجددة ودمجها إلى تحسين الشبكات والصيانة الذكية يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي تقليل البصمة الكربونية للكوكب ودعم تحقيق الهدف السابع للتنمية المستدامة وهو حصول الجميع على طاقة نظيفة آمنة مستدامة بكلفة ميسورة.
كما أن "خرائط القابلية للتأثر" الذكية تدعم الحكومات في اتخاذ القرارات لتحسين الصحة العامة والقدرة على الصمود وتحسين التخطيط الحضري وإدارة المرور والنفايات مما يجعل المدن أكثر استدامة وصالحة للعيش.
علاوة على أن الصناعات ذات البصمة الكربونية العالية كالأزياء مثلا يمكنها الاستفادة من جهود الابتكار الذكية ولاسيما أنها صناعة تبلغ قيمتها عالميا 4ر2 تريليون دولار وتوظف نحو 300 مليون شخص.
ويحذر تحالف الأمم المتحدة من أجل الاستدامة في تقرير حديث له من أنه نظرا لحجم صناعة الأزياء عالميا "فإن الممارسات غير المستدامة في قطاع الأزياء لها تأثيرات مهمة في مؤشرات التنمية الاجتماعية والبيئية".
وهنا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتدخل فمن خلاله يمكن تحسين سلاسل التوريد لتقليل النفايات ومراقبة استهلاك الموارد وتعزيز عمليات التصنيع المستدامة.
وينطبق الشيء نفسه على الزراعة وهو قطاع آخر كثيف الانبعاثات فالزراعة تنفث 22 في المئة من غازات الدفيئة العالمية وفقا لتقرير الأمم المتحدة لتقييم المناخ لكن الجهود التي يقودها الذكاء الاصطناعي يمكن أن تغير ذلك.
ومن الشركات إلى صغار المزارعين الذين يعانون قسوة التغيرات المناخية وندرة المياه وتدهور الأراضي يمكن لشبكات الذكاء الاصطناعي المساعدة في تحسين الممارسات وتقليل النفايات وخفض التأثير البيئي لإنتاج الغذاء وتحقيق التوازن بين العرض والطلب.
لكن هذه القدرات الكبيرة التي أثبتها الذكاء الاصطناعي أشعلت خلال الأسابيع الماضية تنافسا محموما بين عمالقة التكنولوجيا الأمريكية كـ "غوغل وآي بي إم ومايكروسفت" للاستعانة به في تسريع العمل المناخي بينما يكافح العالم لتقليل ارتفاع حرارة الأرض إلى مستويات خطيرة.
وفي أحدث تقاريرها وعدت "غوغل" بتحقيق الريادة عالميا من خلال ابتكار أنظمة ذكاء اصطناعي قادرة على خفض الانبعاثات بنسبة لا تقل عن 10 بالمئة عام 2030 أي ما يعادل تقريبا جميع انبعاثات الاتحاد الأوروبي.
وفي خطوة أولى أطلقت غوغل "مشروع الضوء الأخضر" لتحسين تسلسل أضواء إشارات المرور بهدف خفض انبعاثات المركبات وطبقته تجريبيا في 70 تقاطعا مروريا بمدن منها: أبوظبي وبالي وبنغالور وبودابست وهامبورغ وحيدر أباد وجاكرتا وكولكاتا ومانشستر وريو دي جانيرو وسياتل.
وأظهرت النتائج تحسن تشغيل السيارات بــ 30 بالمئة وتراجع الانبعاثات 10 بالمئة ولاسيما أن التقاطعات المرورية المزودة بالإشارات هي "بؤر تلوث ساخنة".
كما بدأت "أبحاث غوغل" (الذراع البحثية لعملاق التكنولوجيا الأمريكية) استخدام الذكاء الاصطناعي من أجل تقليل الخطوط البيضاء المنفوثة خلف الطائرات بنسبة 54 بالمئة.
وتقول الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في دراسة اطلعت عليها "كونا" إنه في عام 2022 شكلت هذه "السحب المتدفقة" 35 بالمئة من تأثير الاحتباس الحراري للطيران وهي نسبة تتجاوز نصف تأثير وقود الطائرات في العالم.
وأطلقت "آي بي إم" شراكة مبتكرة مع وكالة الطيران والفضاء الأمريكية (ناسا) لتطوير حلول ذكية على أساس "النموذج الجغرافي المكاني" لإحداث ثورة في الحلول المناخية اعتمادا على كميات هائلة من بيانات الأقمار الصناعية وأنماط الطقس لتقديم رؤى معمقة عن التحديات البيئية.
ومن خلال تلك التكنولوجيا بدأت "آي بي إم" عمليا في دعم بريطانيا على التكيف مع التغير المناخي وتحليل "الجزر الحرارية الحضرية" في الامارات ودعم جهود التشجير في كينيا.
كما دشنت مايكروسفت شراكة مع الأمم المتحدة لتمكين المعاهدة الإطارية لتغير المناخ من إنشاء منصة جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي ومركز بيانات عالمي لقياس وتحليل التقدم في تنفيذ المعاهدة بالحد من الانبعاثات الكربونية.
وفي تطور لافت أعلن نائب الرئيس التنفيذي للشركة جيسون زاندر صراحة أن هدف عملاق التكنولوجيا هو اختصار 250 عاما من التقدم العلمي في ال 25 عاما المقبلة.
غير أن تلك المساعي تصطدم بتحديات تواجه التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي لإنتاج الحلول المناخية فهو نفسه كثيف الاستهلاك للطاقة لأن تدريبه يتطلب كميات ضخمة من البيانات.
وتشير التوقعات إلى أن مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي ستحتاج نفس الكمية من الكهرباء التي تحتاجها دولة متوسطة الحجم بحلول عام 2027.
لكن رئيس المجموعة العالمية للذكاء الاصطناعي في لندن البروفيسور جاسم حاجي يقول لـ (كونا) إن بحوث التطوير تسير بقوة نحو تعزيز مفهوم الذكاء الاصطناعي الأخضر من خلال تحسين جودة البيانات وتوافرها بكميات كافية وكلفة مناسبة.
ويتوقع حاجي في اتصال هاتفي مع (كونا) أنه مع استمرار النمو في البنى التحتية الصلبة والحوسبة السحابية التي تتسع لتحليل البيانات الضخمة "ستتحسن قدرة نماذج الذكاء الاصطناعي على خفض استهلاك الطاقة" لافتا في هذا الصدد إلى أهمية التعاون بين الحكومات والشركات والمجتمع المدني من أجل تجاوز تلك العقبات وتحقيق التوازن بين التقدم والحفاظ على البيئة.
والحقيقة أنه منذ القرن الثامن عشر أسهمت الثورات الصناعية الثلاث في تطور الحضارة البشرية لكنها في ذات الوقت تسببت في تغير مناخ الكوكب.
ومع ذلك يبدو أن الثورة الصناعية الرابعة سيولد من رحمها حل هذه الأزمة المستعصية من أجل إنقاذ الأرض والأخذ بها نحو المستقبل الأخضر. (النهاية) ه س ص