A+ A-

الحراك الأمريكي - الصيني.. هل يفتح آفاقا للتقارب أم ليس بعد؟

من رولا رياشي (تقرير اخباري) واشنطن - 27 -5 (كونا) -- رغم التقلبات والمنعطفات التي شهدتها العلاقات بين الولايات المتحدة والصين خلال نصف القرن الماضي لكنها نجحت دائما في إيجاد سبيل للمضي قدما.
وبعدما فتحت تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال قمة مجموعة الدول السبع الصناعية (جي.7) باليابان مؤخرا بأن العلاقات مع الصين ستشهد "تحسنا في وقت قريب للغاية" آفاقا لإحداث تقارب بينهما تعهد البلدان بالفعل بإبقاء خطوط التواصل مفتوحة رغم أن لائحة القضايا الخلافية الثنائية تبدو طويلة.
ولعل الحراك السياسي والاقتصادي المستجد يفتح كوة في جدار التوتر القائم بين واشنطن وبكين إلا أنه قد يكون من المبكر الحكم بأنه تقارب حقيقي بين البلدين.
وفي زيارة توصف بأنها الأولى من نوعها لمسؤول صيني رفيع المستوى على هذا المستوى إلى الولايات المتحدة منذ أن تولى بايدن منصبه التقى وزير التجارة الصيني وانغ وينتاو مع الممثلة التجارية الأمريكية كاثرين تاي على هامش اجتماع منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ في ديترويت بعد يوم من لقائه نظيرته الأمريكية جينا رايموندو في واشنطن.
وقالت الصين إن اجتماع ديترويت كان "صريحا وعمليا وعميقا" مشيرة إلى أن الوزير الصيني آثار خلاله "مخاوف" بشأن السياسات التجارية الأمريكية وكذلك بشأن جزيرة تايوان.
وشهدت علاقات واشنطن وبكين توترا كبيرا خلال الأشهر والأسابيع الأخيرة زاد منه حادث اكتشاف منطاد صيني فوق الأراضي الأمريكية وصنفته بأنه منطاد تجسس وتم إسقاطه بطائرة عسكرية ومن ثم إعلان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلغاء زيارة إلى بكين كانت تهدف لإصلاح العلاقات.
وجاء الحراك الأمريكي الصين بعد شد وجذب بين البلدين على أصعدة مختلفة منها ما يتعلق بملف الحرب الروسية الأوكرانية وإنشاء جبهة لكسر احتكار الدولار في التعاملات الدولية وتكرار بكين مواقفها بضرورة التزام الولايات المتحدة بمبدأ (الصين الواحدة) وأن أي إعلان عن دعم أمريكي لاستقلال تايوان يمثل "خط أحمر".
كما يأتي بعد قيود فرضتها بكين على شركة (ميكرون) الأمريكية لصناعة الرقائق بدعوى أنها تشكل "أخطارا أمنية كبيرة " قد تؤثر على "الأمن القومي" في خطوة تبدو ردا على واشنطن التي حظرت العام الماضي شركات صينية مصنعة للرقائق أيضا تحت غطاء "تهديدات للأمن القومي" في إطار قيود تهدف إلى قطع وصول بكين إلى الرقائق المتطورة ومعدات صناعة الرقائق والبرمجيات المستخدمة في تصميم أشباه الموصلات.
ومن المؤكد أن التقارب بين الولايات المتحدة والصين في حال حصوله ستكون له تبعات ضخمة على البلدين وعلى مستوى العالم بكل ما يشمل ذلك من ملفات ومنها تايوان ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ وأوكرانيا وروسيا وإفريقيا والشرق الأوسط وغيرها من المناطق التي تتشابك وتشتبك فيها مصالح واشنطن وبكين.
وتوسطت الصين مؤخرا في اتفاق بين السعودية وإيران على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما فيما قالت واشنطن إنها كانت على إطلاع على المباحثات بين الأطراف وأنها تتابع "بكثب" سلوك الصين في الشرق الاوسط وأماكن أخرى.
وأعلنت بكين سابقا عزمها إحياء طريق الحرير القديم من خلال مبادرة استراتيجية تنموية حملت اسم (مبادرة الحزام والطريق) تهدف إلى توسيع روابط الصين التجارية من خلال بناء الموانئ والسكك الحديدية والمطارات والمجمعات الصناعية داخل نحو 70 دولة شاركت بها من آسيا وإفريقيا والوطن العربي وغيرها لتربط عند اكتمالها الصين بالقارة الأوروبية عبر طرق برية وبحرية.
وبينما تضع الصين في أولويتها حاليا إنعاش ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعدما تأثر سلبا خلال ثلاث سنوات جراء مكافحة جائحة (كوفيد 19) فإن الولايات المتحدة تعمل كذلك على تجنب تخلفها عن سداد ديونها في ظل المأزق السياسي بين إدارة بايدن والمعارضة الجمهورية.
وخلال مؤتمر صحفي الأحد الماضي عقب قمة (جي.7) في هيروشيما في اليابان تطرق الرئيس الأمريكي بايدن إلى سبب عدم تشغيل خط ساخن كان مقررا بين الولايات المتحدة والصين قائلا "يجب أن يكون لدينا خط ساخن مفتوح.. في مؤتمر بالي هذا ما اتفقنا عليه مع الرئيس (الصيني) شي (جين بينغ)".
وأضاف "ثم حلق هذا المنطاد السخيف الذي كان محملا بمعدات تجسس... فوق الولايات المتحدة.. أسقط (المنطاد) وتغير كل شيء فيما يتعلق بالحوار. أعتقد أنكم ستشهدون تحسنا في العلاقات في وقت قريب جدا".
إلا أن التوترات بين البلدين على خلفية المنطاد توسطت حدثين بارزين تكمن أهميتهما في احتجاج بكين عليهما بشكل مباشر وعلني في مقابل تقليل واشنطن من أهميتهما الاستراتيجية وتشديدها على أنهما لا يتعارضان مع سياسة "الصين الواحدة" التي تنتهجها واشنطن وهما زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة نانسي بيلوسي لتايوان العام الماضي واستقبال رئيس المجلس الحالي كيفين مكارثي لرئيسة تايوان تساي إنغ ون في ولاية (كاليفورنيا) أثناء مرورها عبر الولايات المتحدة في طريقها إلى أمريكا الوسطى.
وقبل نحو أسبوع عقد مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك ساليفان اجتماعا مع مع مستشار الدولة ووزير الخارجية الصيني وانغ على مدى يومين في العاصمة النمساوية فيينا تم خلالهما إجراء محادثات "صريحة وموضوعية" شملت "القضايا الرئيسية في العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والصين وقضايا الأمن العالمي والإقليمي" منها "حرب روسيا ضد أوكرانيا والقضايا عبر المضيق (تايوان) من بين موضوعات أخرى" وفق تعبير البيت الأبيض الذي نوه بأن ذلك "جزء من الجهود المستمرة للحفاظ على خطوط اتصال مفتوحة وإدارة المنافسة بمسؤولية".
وأفاد بأن الجانبين اتفقا "على الحفاظ على قناة الاتصال الاستراتيجية المهمة هذه لتعزيز تلك الأهداف بناء على لقاء الرئيسين الأمريكي جو بايدن والصيني جين بينغ في بالي بإندونيسيا في نوفمبر 2022".
ويبدو أن اللقاءين الآخرين إلى جانب تصريح بايدن الأخير يشيان بقرب حلحلة عدد من المسائل العالقة بين البلدين إلا أن الخطاب الأمريكي المنتقد لسياسة الصين تجاه الأقليات الدينية (تقرير الحريات الدينية لعام 2022 الصادر منتصف مايو الجاري) وحقوق الإنسان (تقرير حقوق الإنسان لعام 2022 الصادر في 20 مارس الماضي) واستراتيجيتها الدفاعية لا يزال على حاله.
وفي هذا السياق أكدت مساعدة وزير الدفاع الأمريكي للاستراتيجية والخطط والقدرات مارا كارلين الاربعاء الماضي أن الخطوط العريضة لاستراتيجية الدفاع الوطني لعام 2022 لا تزال ثابتة ومعتمدة من قبل واشنطن مبرزة "مركزية الحاجة الملحة للحفاظ على الردع وتقويته مع الصين باعتبارها تحديا متسارعا والمنافس الوحيد الذي لديه النية والقدرة المتزايدة على تحدي الولايات المتحدة بشكل منهجي في جميع المجالات عسكريا واقتصاديا وتقنيا ودبلوماسيا." وفي بيانين صدرا عن قمة مجموعة (جي.7) استعرض قادة المجموعة موقفهم من القضايا الخلافية مع بكين مثل النفوذ في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ووضع تايوان لكن الجزء الأهم تركز على ما سموه "الإكراه الاقتصادي" الذي تمارسه الصين.
وقالوا إنهم حددوا نهجا مشتركا تجاه الصين وعبروا عن التطلع إلى "تحييد المخاطر وليس فك الارتباط" في التعاون الاقتصادي معها. (النهاية) رس ر / ط م ا