A+ A-

بريطانيا..اثار مدمرة على الفرد والمجتمع تدفع الحكومة لتشديد استراتيجية مكافحة آفة تعاطي المخدرات

تقرير وكالة الأنباء الكويتية (كونا) عن اثار المخدرات المدمرة في بريطانيا واستراتيجية مكافحتها ضمن الحملة الإعلامية والتوعوية ل(كونا) لمكافحة المخدرات تحت شعار (المخدرات هلاكك).

من مروان بلطرش (تقرير اخباري)

لندن - 29 - 12 (كونا) -- تواجه بريطانيا كغيرها من دول العالم أزمة متعددة الابعاد الناجمة عن افة تعاطي المخدرات بأنواعها وادمانها بما يثقل كاهل خزينة الدولة فضلا عن التبعات الاجتماعية والاقتصادية المدمرة على الاسر والمجتمع بأسره.
ودأبت الحكومات البريطانية المتعاقبة على اعتماد استراتيجية يتم تحديثها كل عشرة أعوام لتحليل وتقييم الاثار المترتبة على تعاطي المخدرات واقتراح الحلول والاجراءات الوقائية والعلاجية لتخفيف حدتها ومنع انتشارها الى شرائح اخرى في المجتمع وخاصة فئتي الاطفال والمراهقين.
وبإجراء مقارنة بين الاحصائيات الرسمية التي نشرت على سبيل المثال في استراتجية عام 1998 واستراتجية 2022 يتضح ان آفة تعاطي المخدرات في بريطانيا سجلت على مدار العقدين الماضيين تصاعدا متزايدا دفع الحكومة الحالية الى اتخاذ اجراءات اكثر صرامة من السابق.
ووفقا لتلك الاحصائيات لجأ خلال الاشهر الستة حتى سبتمبر من عام 1996 قرابة 25 الف مستخدم للمخدرات والعقاقير المختلفة لطلب المساعدة الطبية وهو رقم يزيد حوالي الضعف عن العدد المسجل في نفس الفترة من عام 1993.
وفي عام 1993 سجلت السلطات البريطانية وفاة 1399 شخصا بسبب ادمان المخدرات والمواد الافيونية ليقفز هذا العدد بعد مرور سنتين فقط الى 1805 حالات وفاة في حين تعاملت اجهزة الامن عام 1996 مع 95 الف حالة توقيف مرتبطة بالمخدرات مقارنة ب 86 الف حالة عام 1994.
وقدرت السلطات المختصة في استراتجية 1998 الخسائر الاقتصادية والاجتماعية وكل ما يرتبط بإدمان المخدرات من جرائم وأضرار مختلفة انذاك بأكثر من اربعة مليارات جنيه استرليني (قرابة خمسة مليارات دولار بسعر الصرف الحالي).
وبحلول عام 2018 واستنادا لتقرير الخبيرة كارول بلاك التي عينتها الحكومة لاعادة تقييم الاستراتيجيات السابقة وصفت خطط مكافحة تعاطي المخدرات وانتشارها بأنها "فشلت في تحقيق اهدافها بعد ان تحولت بريطانيا الى احدى الدول الاكثر تضررا من الافة في أوروبا وارتفاع الطلب على المواد المخدرة بها الى مستويات عالية جدا".
ووفقا لذات التقرير ارتفع عدد مستخدمي المواد المخدرة بكل انواعها في ذلك العام الى اكثر من ثلاثة ملايين شخص بالغ بينما كشف استطلاع مستقل قيام واحد من ثلاثة ممن تبلغ اعمارهم 15 عاما باستخدام احدى المواد المخدرة او الافيونية المحظورة.
وفي استراتيجية 2022 تشير الاحصائيات الى انه في اخر اربعة اعوام (2017-2021) تم تسجيل اكثر من 300 الف شخص سنويا في إنجلترا وحدها يتعرضون لاحد تأثيرات الادمان على الكوكايين او كلها مرة واحدة وفي مقدمتها الامراض العقلية والنفسية والاجرام والمبيت في الشوارع والتشرد.
وتؤكد وكالة الجرائم الوطنية البريطانية (ان اس ايه) وفاة 2593 شخصا عام 2016 جراء تعاطي المخدرات ليقفز هذا الرقم الى 2966 شخصا عام 2020 و3060 العام الماضي.
وترجح وزارة الداخلية وفق تقرير لهيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) وجود أكثر من 1700 منظمة اجرامية تقوم بتوريد المواد المخدرة ونشرها على نطاق واسع الامر الذي بات يكلف البلاد خسائر سنوية لا تقل عن 20 مليار جنيه (24 مليار دولار) سنويا. وقدرت قيمة تجارة الكوكايين والهيروين وحدهما بأكثر من خمسة مليارات جنيه (ستة مليارات دولار) سنويا وهو ما يجعل بريطانيا السوق الاولى أوروبيا لهاتين المادتين الخطيرتين على صحة الانسان.
ولهذا السبب شهدت استراتجية 2022 تحولا كبيرا في التعاطي مع آفة المخدرات فعلى الرغم من استمرارها في دعم الجانب الاجتماعي والانساني من خلال تمويل مراكز المعالجة من الادمان وزيادة عددها فإن تشديد الجانب الامني والقضائي بات سمة فارقة مع الاستراتيجيات السابقة.
وتقترح الاستراتيجية الجديدة لاسيما في فصلها الثاني المعنون ب "تحطيم سلسلة امدادات المخدرات" تعزيز عمل جميع اجهزة الامن المختلفة بما فيها الاستخبارات وتنسيقها لاستهداف المنظمات الاجرامية المحلية والدولية المسؤولة عن توزيع المخدرات بكل أنواعها.
كما تقترح تشديد الرقابة عبر كافة المنافذ الحدودية وإعطاء الاولوية لجهود مكافحة المخدرات عند توظيف 20 الف رجل امن والمقرر تعيينهم خلال العامين المقبلين فضلا عن تشديد العقوبات على المتورطين في تهريب وتجارة المواد المخدرة علاوة على تشديد الرقابة داخل السجون وتكثيف جهود مكافحة تبييض الاموال.
وتؤكد الاستراتيجية أن "خطة العشرية المقبلة ستكون فيها الحكومة ملتزمة باستخدام القوة الكاملة ‏وبهجوم لا هوادة ولا تهاون فيه وفي كل مرحلة من مراحل سلسلة توريد المخدرات وهذا يعني استخدام كل ما لدينا من قدرات إنفاذ القانون والادوات الدبلوماسية والبرامجية والاستخباراتية لتحقيق ذلك".
وترى الحكومة ان تطبيق هذه الخطة بالفاعلية المطلوبة وخاصة من خلال توظيف الميزانية المخصصة لها خلال الاعوام الثلاثة المقبلة وتقدر قيمتها بأكثر من ثلاثة مليارات جنيه (7ر3 مليار دولار) بالطرق المحددة سيسمح بإنقاذ حياة الف شخص على الاقل من خطر الوفاة المرتبط بإدمان المخدرات والوقاية من 750 الف جريمة.
وتشير الى ان الميزانية ستسهم من جانب اخر في رفع قدرات مراكز معالجة الادمان بأكثر من 54 الف سرير لكل انواع الادمان والتشرد على أمل ان تنجح كافة الجهود في المستقبل القريب.
وعلى الرغم من اعتراف السلطات البريطانية باستفحال هذه الافة وقيامها بجهود كبيرة لمكافحتها يرى العديد من المختصين والخبراء ان التقارير الرسمية لا تنقل الصورة الحقيقية لواقع الادمان وتأثيراته على الفرد والمجتمع البريطاني.
وتؤكد العديد من المنظمات المعنية بمكافحة هذه الظاهرة ان جمع أرقام دقيقة عن عدد المدمنين وعدد من يموتون سنويا جراء تعاطي المواد والعقاقير المخدرة يكاد يكون امرا مستحيلا وكذلك بالنسبة للحالات المرضية بكل انواعها.
ومع ذلك اعتبر البروفيسور أليكس ستيفنس المستشار الحكومي السابق والخبير في قضايا المخدرات ان الاستراتيجية الجديدة استطاعت ان تضع التمويلات المالية اللازمة لدعم جهود مكافحة افة تعاطي المخدرات.
وأكد في تقرير ل (بي بي سي) ان "الاستراتيجيات السابقة قدمت الكثير من الوعود والقليل من المال" مشيرا الى تحديات ستواجه تنفيذ الاستراتيجية الجديدة لاسيما على مستوى توظيف الخبراء والمختصين واعادة بناء نظام شامل "تحطم" بفعل سياسات التقشف الحكومي بين عامي 2010 و2021.(النهاية) م ر ن / ش م ع