A+ A-

(البر).. موروث شعبي وتقليد سنوي أصيل يحكي تفاصيل الصحراء المدهشة وسط لقاء الاهل والاصدقاء

جانب من خيام معروضه للبيع
جانب من خيام معروضه للبيع

(تقرير) الكويت - 26 - 11 (كونا) -- يمضي النهار على عجالة كعادة فصل الشتاء والشمس تلملم أشعتها التى تغلغلت داخل رمال الصحراء الصفراء لتختفى شيئا فشيئا بين ثنايا عتمة الليل الطويل ليحل هدوء كبير لا يخلو من أصوات (سوير الليل) والحيوانات البرية وسط نسمات باردة تداعب رواق الخيمة بينما انعكست صورة القمر على بقايا مياه خباري الامطار المتفرقة ليزيدها لمعانا وبريقا.
ولا يغيب عن هذه الاجواء منظر النار وهو يسري ببطء في اطراف قطع الحطب الكبيرة فتخترق وتعلو اصوات (طقطقة) الخشب ويتطاير الشرار يمينا وشمالا مع ألسنة اللهب كلما اشتدت هبات نسمات الهواء الباردة وصوت القهوة وهي تغلي داخل الدلال النحاسية يبعث في النفس متعة وسكينة انها باختصار تفاصيل الصحراء المدهشة.
وتطيب طلعة البر بلقاء الاهل والاصدقاء حول مواقد النار واحاديثهم وذكرياتهم وتلك الضحكات والحكايا التي تجلي عن الصدر هموم كثيرة ولقطات تبادل فنجانين القهوة واستكانات الشاي والمشروبات الساخنة ورائحة الكستناء المشوية وبقايا الدرابيل المتناثرة داخل الاطباق لتسجل في الذاكرة لحظات ممتعة وجميلة.
وفي هذا السياق أجمع عدد من رواد مخيم (طلعة بر) في احاديث متفرقة لوكالة الانباء الكويتية (كونا)اليوم السبت على ان التخييم و(الكشتات) في المناطق البرية عادة كويتية متوارثة وتقليد سنوي اصيل لا غنى عنه.
وبينما يثبت انور سالمين احد شباب رواد المخيم رواق الخيمة يدندن بمرح شيلة "هب البراد وزانت النفسية" ويفاجئه بقية الشباب وبصوت واحد بحماس "والجو روعة والمشاعر حية والغيم غطى الديرة السحرية وجادت لك الابيات يا مغنيها " (وهي من كلمات الشاعر عبدالعزيز بن جارالله الغزي).
وقال سالمين ل(كونا) ان التخييم بالبر ليس وجهة ترفيهية فحسب انما هو اعادة الحياة وترميم للنفس والترويح عنها وكسر روتين العمل مؤكدا "انه والشباب يحرصون على اختيار المكان المناسب للتخييم من خلال التجول في عدة مناطق صحراوية في شمال وغرب وجنوب الكويت من بينها (المطلاع والنعايم والوفرة والمنقف والنويصيب والروضتين والجهراء والصبية والسالمي) لاختيار المكان المناسب للتخييم.
ويبادر خالد الدوسري وهو ينفض السجاجيد "شب الضوء لعبتي حيث أختار أفضل انواع الحطب الجيد كحطب (الجرم والعرفج والسمر والطلح والقرض) وهي الأكثر جمرا والأقل دخانا والاكثر سعرا واحرص على طلبه من البلاد المجاورة".
وأوضح الدوسري ان مواصفات الحطب الجيد "ان تكون قشرته يابسة ونظيفة من النخور وألا يكون رطبا ولا أخضر وكلما كان العود مستديرا كان لهب النار أسرع في الإيقاد وأقل دخانا" مشيرا الى "ان الفحم الصومالي الاكثر جودة ومتوفر بكميات كبيرة وبأسعار معتدلة وايضا الفحم الاندونيسي والأسترالي".
وبدوره يقول ابو سعد الظفيري وهو رجل كبير بالسن ويحمل بيده بشتا قديما "ان لوازم التخييم كانت في الماضي جدا بسيطة والمطبخ من (خشب وجچنكو) وليس فيه كهرباء والماء في (توانكي) ومصابيح تعمل بالجاز (أي الكيروسين) مضيفا وهو يرتشف القهوة "ومع تطور الزمن تطورت هذه المخيمات لتحل محلها الخيام الفخمة ومكائن الكهرباء الحديثة والأثاث الفاخر والمزودة بجميع الوسائل الحديثة والراحة".
وتابع "ان البرد قديما كان شديدا للغاية بداية من موسم المربعانية حيث البرد القارص والزمهرير السحتني مرورا بموسم الأزرق والأزيرق وبرد البطين والعجوز وبياع الخبل عباته".
وفي سياق ذي صلة ومع برودة الطقس المفاجئة تشهد اسواق الخيام والصفافير والجمعيات التعاونية والاسواق الشعبية حركة وإقبالا كثيفا من الراغبين بالتخييم لاقتناء مستلزماتهم بشتى احتياجاتها وأشكالها وأنواعها.
وقال عدد من العاملين في سوق الخيام الكائن في منطقة الري ل(كونا) ان السوق يشهد حراكا اقتصاديا وزيادة في الطلب على الخيام مؤكدين ان ارتفاع الاسعار طبيعي في ظل ارتفاع تكاليف الشحن وأجور العمال وأسعار المواد المستخدمة في التصنيع وقلة الايدي العاملة.
وأكد البائع فهد الصواغ انه بعد تعطل موسم البر والتخييم خلال العامين الماضين نتيجة الاشتراطات الاحترازية التي فرضتها جائحة كورونا وبعد عودة الحياة الطبيعية يشهد السوق إقبالا غير مسبوق لشراء الخيام من قبل رواد البر بمختلف مقاساتها وانواعها.
واوضح الصواغ ان الاستعداد لموسم التخييم بدأ منذ شهرين تقريبا وبدأت الشركات الرئيسية المختصة بالخيام بتصنيعها مشيرا إلى أن القماش يستورد غالبا من باكستان.
وقال ان هناك انواعا متباينة من بيوت الشعر والخيام فمنها الصباحية والباكستانية والإيرانية وخيام القاضي والشراع وتختلف اسعارها حسب أحجامها والمواد المصنوعة منها وطريقة صناعتها فمنها اليدوي والآخر بماكينات خياطة متخصصة.
أما البائع الباكستاني فريد خان فذكر أن هناك نوعا من الخيام الكويتية الحديثة التي لم يعد للحبال والأوتاد فيها مبينا انها تجذب فئة الشباب اكثر لان تركيبها سريع ويبلغ سعر الواحدة منها ذات المساحة المتوسطة 260 دينارا كويتيا نظرا لجودة المادة التي صنعت منها.
واشار خان الى ان الخيمة (الصباحية) مطلوبة بشدة وتلقى رواجا كبيرا نظرا لانها تتحمل الأجواء في الكويت سواء في الشتاء وطلعات البر وهطول الأمطار او حتى في الصيف فهي مصنوعة ومهيأة لتتحمل جميع الظروف المناخية المحلية التي تتميز بقساوتها صيفا وشتاء.
وبينما اكد مدير شركة تجهيز الخيام شريف شمس الدين (باكستاني الجنسية) ان هناك نقلة في سوق العرض والطلب بعد دخول وسائل التواصل الاجتماعي إذ أصبح بعض الزبائن يعتمد على موقع إنستغرام لاختيار لون الخيمة وشكلها الخارجي وحجمها قال المواطن شاهين الغريب انه يحرص على اقتناء الخيام القديمة مؤكدا ان الخيمة ذات الحبال والأطناب هي الأفضل في مقاومة هبات الهواء الشديدة.
على صعيد متصل وتحديدا في منطقة (شرق) الواقعة في وسط العاصمة حيث تتداخل دكاكين سوق الصفافير وعلى وقع أصوات مطارق الحديد والنحاس يقول البائع طه اقبال بصوت عال ان "السوق يشهد إقبالا واسعا من مرتادي البر والمخيمات لشراء الأدوات اللازمة كالدوة (المناقل) والمنقاش ودلال القهوة ولوازمها واوتاد الخيام وخزانات الماء وصناديق الحديد وشوايات اللحم وغيرها من الاواني المخصصة للطبخ والمصنعة من الالمنيوم والحديد والتي تعد من ضروريات التخييم والكشتات".
وعن الاسعار ذكر اقبال ان المحلي لا يقارن بالمستورد فالمحلي ارخص واكثر جودة مبينا ان المعروض اليوم اختلف عن الماضي فقديما كانت الصناعات محدودة وبسيطة اما اليوم فتعقدت الامور واصبح الشكل والزخرفة والديكور حاضر لتلبية طلبات الزبائن من تصاميم وديكورات خاصة".
من جهته قال علي الوطيان ان الاسواق الشعبية "قدمت عروضا تنافسية لجميع لوازم البر والكشتات فهناك مواقد الغاز المضغوط بجميع أحجامها وهي سهلة الحمل والاستخدام فضلا عن الحقائب المتكاملة التي توفرالكثير من المستلزمات الضرورية للخروج إلى البر اضافة الى الوصلات الكهربائية والمصابيح والمستلزمات الإلكترونية التي تعمل بطاقة منخفضة على بطارية المركبة إلى جانب فراش النوم (سليب باج) أو ما يعرف ب (حقيبة النوم)".
وقال مدير احدى الجمعيات التعاونية اسامة الماجد انهم اعدوا العدة لدخول باب المنافسة وتقديم افضل العروض واقامة المهرجانات الشرائية التي تتميز بتقديم اسعار مخفضة وتنافسية على لوازم البر التي تشمل الخيام سواء في بفرع لوازم العائلة او في السوق المركزي الرئيسي الذي يقدم خصومات على جميع الادوات اللازمة لموسم البر. (النهاية) م ف / ي س ع