A+ A-

الإيطاليون يتأهبون لانتخاب تشريعية مبكرة قد تحمل اليمين المتطرف إلى الحكومة

من مهدي النمر (تقرير إخباري) روما - 24 - 9 (كونا) -- يستعد الناخبون الإيطاليون للتوجه غدا الأحد إلى صناديق الاقتراع لانتخابات مجلسي البرلمان (النواب والشيوخ) لدورة تشريعية جديدة قد تحمل إلى حكومة البلاد تحالف اليمين يقوده لأول مرة حزب ينحدر من "الفاشية الجديدة" ما يثير مخاوف داخلية وخارجية.
ويسود اليوم السبت "الصمت الانتخابي" الذي بدأ منتصف الليلة الماضية بعد حملة انتخابية شهدت ارتفاع حدة الخطاب الدعائي وبروز زعيمة حزب (إخوان إيطاليا) جورجا ميلوني على رأس تحالف يميني تهيمن عليه أحزاب مناهضة لمشروع الاتحاد الأوروبي ومتهمة بالتعاطف مع روسيا في الحرب الدائرة في أوكرانيا حاليا.
وتأتي هذه الانتخابات التشريعية ال 19 منذ قيام الجمهورية الإيطالية بعد دورة تشريعية تعاقبت خلالها ثلاث حكومات حيث قاد جوزيبى كونتي عن حركة (الخمس نجوم) صاحب الأكثرية حكومتين متلاحقتين منها حتى تشكيل محافظ البنك المركزي الأوروبي السابق ماريو دراغي حكومة لمواجهة طوارئ جائحة فيروس (كورونا المستجد - كوفيد 19) وإدارة جهود التعافي منها.
وتجرى الانتخابات لأول مرة في الخريف في ظل ظروف داخلية ودولية غير مسبوقة منها جهود التعافي من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للجائحة واندلاع أزمة أسعار الطاقة التي تعتمد إيطاليا بشكل شبه كامل على استيرادها والتي تفاقمت بتداعيات الحرب في أوكرانيا وانخراط إيطاليا القوي في مجابهة روسيا.
وتعد إيطاليا من أكثر البلدان الأوروبية تأثرا بالعقوبات المفروضة على موسكو باعتبار روسيا أهم مورد لإمدادات الغاز الطبيعي كما تشكل منفذا هاما بالنسبة للمنتجات والاستثمارات الإيطالية كما يشكل السائحون الروس شريحة هامة لقطاع السياحة الإيطالي.
ومن جانب آخر تلقي الحرب بأعباء استيعاب عشرات الآلاف اللاجئين الأوكرانيين.
وتتسم هذه الانتخابات بأهمية بالغة في ظل تفاقم معدلات الفقر والتي شملت 7ر5 مليون شخص من سكانها البالغ عددهم نحو 60 مليونا كما تعاني من موجة غلاء قاسية في أسعار المواد الأساسية وفواتير الطاقة مع ارتفاع التضخم إلى مستويات فائقة وبالتالي تردي القدرة الشرائية للعائلات مع اتساع القلق والتذمر الاجتماعي وتزايد القلق إزاء الجفاف والتقلبات المناخية.
ورصدت معاهد استقصاء الرأي أولويات الناخبين وهمومهم عشية الانتخابات التي تصدرتها قضايا "العمل والوظائف" بنسبة 23 في المائة و"الأعباء الضريبية" بنسبة 15 في المائة و"أزمة الطاقة" بنسبة 13 في المائة و"التغير المناخي" بنسبة 12 في المائة و"التضخم والغلاء" بنسبة 9 في المائة و"الأمن وتفشي الجريمة" بنسبة 8 في المائة.
وفي المقابل تراجعت قضية "الهجرة" التي تزايد عليها أحزاب اليمين إلى نسبة 6 في المائة من أولويات الناخبين وكذلك لا تحظي قضايا "الحقوق المدنية" وأبرزها تجنيس المواليد أبناء المهاجرين والاهتمام بقضايا "السياسة الدولية" و"الجائحة" سوى باهتمام 3 في المائة لكل منها.
ولا تقتصر مخاوف الرأي العام الايطالي على تداعيات استمرار الحرب في أوكرانيا على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بل تتنامى المخاوف من إمكانية اتساع نطاق الحرب خارج الحدود الأوكرانية.
وينحصر التنافس في المعركة الانتخابية بين أربعة أطراف رئيسية يتصدرها تحالف أحزاب اليمين التي سعت للتعجيل بالانتخابات المبكرة مقابل تجمع يسار الوسط حول (الحزب الديمقراطي) إلى جانب حزب (الخمس نجوم) منفردا وآخرها تحالف (القطب الثالث) بين حزبي (إيطاليا حية) و(الفعل) كما تخوض التنافس مجموعة من الأحزاب والقوى الهامشية.
ويجتمع تحالف اليمين تقليديا في تكتل رباعي يضم أحزاب (إخوان إيطاليا) بقيادة جورجا ميلوني وهو حزب وطني جمهوره من ذوي الخلفية "الفاشية الجديدة" وحزب (الرابطة) بقيادة ماتيو سالفيني وحزب (هيا إيطاليا) بزعامة رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو بيرلسكوني الذي تراجعت شعبيته إلى أدنى مستوياتها بالإضافة إلى تجمع (نحن المعتدلون) الذي يضم شخصيات يمينية هامشية خرج معظمها من عباءة حزب بيرلسكوني.
وعلى الجبهة المقابلة يقود الحزب الديمقراطي التقليدي العتيد وسكرتيره العام رئيس الوزراء الأسبق انريكو ليتا ائتلافا محدودا ليسار الوسط يضم أحزابا صغيرة هي (أكثر أوروبا) وتجمع (اليسار الإيطالي والخضر) و(الالتزام المدني) المنشق عن حزب (الخمس نجوم) خلف وزير الخارجية لويجي دي مايو.
فيما يخوض حزب (الخمس نجوم) صاحب الأكثرية البرلمانية السابقة بقيادة رئيس الوزراء السابق جوزيبى كونتى الانتخابات منفردا دون أي تحالفات إثر انفضاض تحالفه السابق مع الحزب الديمقراطي ورغم الانشقاقات التي عانى منها ليبقى الحزب الذي يصنف نفسه بالتقدمي أحد الأحزاب الرئيسية في المشهد الإيطالي.
وخارج التحالفات الرئيسية يخوض الانتخابات ائتلاف صغير وسطي يضم حزبين انشقا عن الحزب الديمقراطي هما حزب (الفعل) بقيادة المرشح السابق لعمادة العاصمة كارلو كالندا وحزب (إيطاليا حية) بزعامة رئيس الوزراء وزعيم الحزب الديمقراطي الأسبق ماتيو رينتسي.
كما تخوض الانتخابات خمس تشكيلات حزبية هامشية تنعدم فرصها لدخول البرلمان مثل (الخروج الإيطالي) بزعامة بييرلويجي بارغونى المنشق عن (الخمس نجوم).
وترجح أحدث استطلاعات الرأي تقدم تحالف اليمين بأغلبية مرتفعة يتيحها قانون النظام الانتخابي سيئ السمعة الذي يمنح التحالف الذي يحصل ولو على صوت واحد أكثر ممن يليه على أغلبية مريحة بنسبة 55 في المائة من مقاعد مجلس النواب بفضل ما يعرف ب(جائزة الأغلبية) لضمان الاستقرار الحكومي.
ورغم تباين مؤشرات إقبال الناخبين على الإدلاء بأصواتهم تبقى نسب العزوف عن المشاركة في التصويت والتي تتراوح بين 30 و40 في المائة من الناخبين كفيلة بإحداث تقلبات مفاجئة.
ومن المأمول أن تسفر هذه الانتخابات عن تشكيل حكومة سريعة تتمكن من مواجهة عدد من الاستحقاقات من بينها إقرار قانون الموازنة العامة قبل نهاية ديسمبر المقبل والذي يتسم بأهمية حيوية في مواجهة التحديات المركبة خاصة إكمال الإجراءات اللازمة لاستيفاء شروط الحصول على باقي حزمة مساعدات (التعافي الأوروبية) ولتجنب الإدارة المؤقتة لموازنة الدولة.
ويخيم على هذه الانتخابات الوضع المالي للدولة لا سيما أعباء خدمة الدين العام الضخم الذي يتجاوز 150 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي وعجز الموازنة وشح موارد تمويل التدابير الاستثنائية وفي مقدمتها الحد من أسعار الطاقة ومستويات التضخم والغلاء.
هذا بالإضافة إلى المخاوف من فقدان حزمة (التعافي الأوروبية) الضخمة التي اختصت إيطاليا بالنصيب الأكبر منها والبالغة نحو 219 مليار يورو (21ر212 دولار) والتي تعد فرصة غير مسبوقة لتمويل البنى التحتية وتحديثها وذلك بإعلان أحزاب اليمين الراغبة في إعادة التفاوض على هذه المخصصات.
ويحق لأكثر من 51 مليون إيطالي التصويت في الانتخابات لاختيار 400 عضو في مجلس النواب و200 عضو في مجلس الشيوخ وتتزامن مع انتخاب رئيس ومجلس إقليم جزيرة صقلية وعاصمته باليرمو. (النهاية) م ن / أ م س