A+ A-

الحرب التجارية الصينية - الأمريكية .. مستقبل غامض

من رولا الرياشي (تقرير)

واشنطن - 21 - 8 (كونا) -- شهد شهر أغسطس الجاري منحى جديدا في ملف الحرب التجارية بين واشنطن وبكين مع فرض إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسوما جمركية جديدة على الصين يبدأ العمل بها في سبتمبر القادم والتي تم تأجيل تنفيذها حتى ديسمبر من العام الحالي وسط نفي الإدارة الأمريكية الحالية لأي تأثير سلبي للرسوم على الاقتصاد الأمريكي وهي النقطة الأبرز في برنامج ترامب الانتخابي للعام 2020.
ويتضح تركيز الرئيس الأمريكي على مكانة الاقتصاد في صميم مشروعه وبرنامجه الحالي والمستقبلي الجاذب للناخب الأمريكي في الكثير من المحطات والتصريحات وهو ما برز بوضوح في خطاب حالة الاتحاد السنوي الذي ألقاه ترامب أمام الكونغرس في فبراير من العام الحالي وسلط فيه الضوء على إنجازات إدارته الاقتصادية وخاصة لجهة الارتفاع في عدد الوظائف قائلا "حالة اتحادنا قوية .. تحدث الآن معجزة اقتصادية في الولايات المتحدة".
وتصاعد الجدل حول ما إذا كان للحرب الأمريكية - الصينية ارتدادات سلبية على الاقتصاد الأمريكي عندما انخفض مؤشر (داو جونز) الأربعاء الماضي بنحو 800 نقطة أو حوالي 3 في المئة في أسوأ أداء له خلال العام الحالي.
وجرى اعتبار الانخفاض في مؤشر (داو جونز) انقلابا في منحنى العائد وهو ما يعني أن أسعار الفائدة انقلبت على سندات الخزانة الأمريكية مع سندات قصيرة الأجل تدفع أكثر من سندات طويلة الأجل وهو ما ينظر إليه عموما على أنه علامات تحذير للاقتصاد والأسواق ومؤشر على ركود اقتصادي يظهر عادة بعد عدة أشهر من انقلاب منحنى العائد.
وفي ردة فعل أولية على الأرقام وتداعياتها المحتملة اكد الرئيس الأمريكي في اليوم ذاته ان الولايات المتحدة تربح من سياستها تجاه الصين ومشكلتها مع سياسات مجلس الاحتياطي الفدرالي.
وقال ترامب في تدوينة على حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) "نحن نفوز ضد الصين بشدة والشركات والوظائف تفر منها ولم ترتفع الأسعار لدينا حتى انها انخفضت في بعض الأحيان" مؤكدا ان "مشكلة الولايات المتحدة هي مع الاحتياطي الفيدرالي الذي رفع (الفائدة) كثيرا وبسرعة ثم كان بطيئا في خفضها".
وفي تغريدة أخرى قال ترامب ان الكثير من الدول تشكر مدير مجلس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول الذي وصفه بأنه "لا يفقه شيئا" مضيفا أن "ألمانيا والكثير (من البلدان) غيرها تلعب اللعبة".
وفي سياق متصل اعلن ترامب في التاسع من الشهر الحالي أنه "اتخذ قرارا بعدم التعامل" مع شركة الاتصالات الصينية (هواوي) وأن إدارته "ليست مستعدة لعقد صفقة تجارية مع الصين" إلا أنه أكد وجود "حوار مفتوح" بين البلدين وأن النقاش جار حول ما إذا سيتم عقد اجتماع أمريكي - صيني في سبتمبر المقبل.
وشدد ترامب على أن الصين تتلاعب بالعملة وأنها تمر بالفترة الأسوأ اقتصاديا منذ 35 عاما مؤكدا ان الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة "عظيم".
وفي 13 أغسطس الجاري قال الرئيس الأمريكي انه تلقى اتصالا "جيدا جدا ومثمرا من الصينيين" مؤكدا مرة جديدة قوة الاقتصاد الأمريكي وأن أسواق البورصة في الولايات المتحدة على خير ما يرام وتسجل ارقاما قوية جدا".
واضاف أن الصينيين أعربوا خلال الاتصال عن نيتهم "شراء منتجات زراعية" من الولايات المتحدة في تهدئة لهواجس المنتجين الزراعيين الأمريكيين وذلك بعدما أعلنت وزارة التجارة الصينية تعليق شرائها للمنتجات الزراعية الأمريكية كرد فعل على اعلان الإدارة الأمريكية أنها ستبدأ في الأول من سبتمبر المقبل فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 10 في المئة على ما قيمته 300 مليار دولار من البضائع والمنتجات الصينية الصادرة الى الولايات المتحدة.
وفي اليوم ذاته أعرب ترامب عن أمله بانتهاء الاشتباكات بين المتظاهرين المعارضين للحكومة والقوات المسلحة في هونغ كونغ بشكل سلمي ولمصلحة جميع الأطراف بما فيها الصين نافيا أي علاقة للولايات المتحدة بالاضطرابات فيها.
ولم يربط الرئيس الأمريكي حينها بين احتمال تأثير اسلوب تعامل الصين مع الاحتجاجات على المفاوضات إلا أنه أعرب أمس الاول الأحد في تصريح للصحفيين عن أمله أن يحل الرئيس الصيني شي جين بينغ المسألة بطريقة إنسانية وهو ما سيكون "جيدا جدا للصفقة التجارية".
كما لوح الرئيس الأمريكي في 13 أغسطس الجاري بانسحاب بلاده من منظمة التجارة العالمية "إذا لزم الأمر" معتبرا أن الصين "نهبت الولايات المتحدة سنوات واستغلت أموالها ودعم منظمة التجارة العالمية وأنظمة منظمة التجارة العالمية". وكان ترامب قال في مذكرة في أواخر يوليو الماضي ان مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة (يو. اس. تي. ار) "سيستخدم جميع الوسائل المتاحة لضمان إجراء تغييرات في منظمة التجارة العالمية ومنع الدول التي تسمي نفسها نامية من الاستفادة من المرونة في قواعد المنظمة".
وحول تأثير السياسة الاقتصادية للادارة الحالية السلبي ومن ضمنها تلك الموجهة نحو الصين على الاقتصاد الأمريكي قال مستشار البيت الأبيض الاقتصادي لاري كادلو في مقابلة الأحد مع شبكة (فوكس) الإخبارية "إنني لا أرى ركودا اقتصاديا في الأفق".
واضاف "لا أرى ركودا على الإطلاق" لافتا إلى أن برنامج ترامب الإقتصادى نجح على صعيد خفض الضرائب والانفتاح في ملف الطاقة وإصلاح التجارة وغيرها مؤكدا أن الإدارة الحالية تريد "اقتصادا موجها نحو الحوافز مع توفير الفرص للجميع في جميع المجالات".
ولفت كادلو إلى أنه لاحظ "أن العديد من شركات (وول ستريت) عززت توقعاتها للنمو الاقتصادي في نهاية الأسبوع" مضيفا "أعتقد أننا في حالة جيدة".
ودعا الى "عدم الخوف من التفاؤل" مستنكرا الحديث "عن التشاؤم والركود".
ومن جهته نفى مستشار البيت الأبيض التجاري بيتر نافارو الأحد في مقابلة مع شبكة (سي. ان. ان) الإخبارية تسجيل منحنى عائد مقلوب الأسبوع الماضي بل منحنى عائد مسطح.
وقال نافارو انه "من الناحية التقنية لم يكن لدينا منحنى العائد مقلوبا بل مسطح" موضحا أن "منحنى العائد المقلوب يتطلب فروقا كبيرة بين الأمدين القصير والطويل للسندات".
واضاف ان "منحنى العائد المسطح هو إشارة ضعيفة جدا لأي احتمال حصول ركود".
وبين نافارو ان الأمر على عكس ما وصف بأنه مؤشرات ركود اذ "ان منحنى العائد يرسل بالفعل إشارة إيجابية" مؤكدا ان "رأس المال الأجنبي يتدفق إلى سوق السندات بسبب قوة اقتصاد ترامب الذي يرفع أسعار السندات على المدى الطويل ويخفض العوائد ما يؤدي إلى المنحنى المسطح".
ولفت إلى "أن المنحنى المسطح هو في الواقع نتيجة لاقتصاد ترامب قوي جدا".
وشكك نافارو في أن الحرب التجارية مع الصين كان لها تأثير على الاقتصاد وأشار بدلاً من ذلك إلى مجلس الاحتياطي الفيدرالي الذي قال إنه رفع أسعار الفائدة أكثر من اللازم وبسرعة كبيرة.
كما اكد مستشار البيت الأبيض التجاري في حديث لقناة (اي. بي. سي) الإخبارية "لدينا أقوى اقتصاد في العالم والمال يتدفق إلى أسواقنا المالية".
إلى ذلك أكد ترامب للصحفيين قبيل عودته من ولاية (نيوجيرسي) الأحد أن "الاقتصاد الامريكي في حالة جيدة جدا وهو الأقوى في العالم ولم تكلف الرسوم الجمركية الامريكية على الصين شيئا وان كلفت فقد كلفت القليل جدا".
وكرر ما قاله سابقا عن كون "الصين تلتهم الرسوم الجمركية بسبب قيامها بالتلاعب النقدي كما يقوم الصينيون بضخ الكثير من الأموال في بلادهم لأنهم لا يريدون أن يفقدوا وظائفهم".
واضاف ان "الصينيين يخسرون فلقد فقدوا اكثر من مليوني وظيفة في فترة زمنية قصيرة وهم يريدون عقد صفقة معنا وسوف نرى ماذا سيحدث".
ومن المؤكد أن اثبات إدارة ترامب أن لسياساتها الاقتصادية بكامل أوجهها ومن ضمنها تلك التي تنتهجها مع الصين تأثيرا إيجابيا على الاقتصاد الأمريكي له بالغ الأثر على موقفه في الانتخابات الرئاسية المقبلة وهو ما يفسر حرصه وحرص فريقه الاقتصادي على التشديد عليه.(النهاية) رس ر / م خ