A+ A-

الاستحقاقات الاقتصادية السياسية توجه دفة الأزمة الحكومية في ايطاليا

من مهدي النمر

(خبر موسع)

روما - 20 - 8 (كونا) -- يأتي اعلان رئيس وزراء ايطاليا جوزيبي كونتي نهاية حكومته الائتلافية تمهيدا لاستقالتها في خضم أزمة سياسية استثنائية فرضت الاستحقاقات الاقتصادية والسياسية مسار دفتها بعيدا عن أهداف زعيم حزب الرابطة مفجر الأزمة.
فبعد أن فاجأ وزير الداخلية ماتيو سالفيني زعيم الرابطة اليميني المتطرف في قلب العطلة الصيفية في السابع من أغسطس بفض الائتلاف الثنائي الحاكم مع حركة الخمس نجوم مطالبا بسحب الثقة من حكومة كونتي فرض واقع القوى البرلمانية نفسه بنزول الحزب الديمقراطي الحلبة محبطا خطة سالفيني.
وطالب سالفيني الذي تعاظمت شعبيته في الانتخابات الأوروبية باسقاط الحكومة التي يشارك فيها بعد 14 شهرا من تشكيلها بالتوجه الى انتخابات تشريعية مبكرة في شهر أكتوبر بذريعة خلاف شكلي على مشروع للقطارات فائقة السرعة مع فرنسا على أمل جني أغلبية برلمانية كاملة تمكنه من قيادة حكومة يمينية صرفة.
وفي اصطفاف حزبي لم يقدره سالفيني رفض مجلس الشيوخ الذي قطع اجازته الأسبوع الماضي طلب الرابطة مدعومة بحزبي (هيا ايطاليا) و(اخوان ايطاليا) اليمينيين الصغيرين التصويت على سحب الثقة من حكومة كونتي بل قرر الاستماع لبيان رئيس الحكومة على العكس الدعوة للجلسة التي انعقدت اليوم.
وأظهرت الهزيمة التي لحقت بخط سالفيني في مجلس الشيوخ يوم 13 أغسطس وجود أغلبية برلمانية ممكنة تضم الحزب الديمقراطي ثاني أكبر الأحزاب داخل البرلمان بجانب حزب الخمس نجوم الفائز بالأكثرية في الانتخابات التشريعية الأخيرة العام الماضي مع امكانية انزواء حزب الرابطة في صفوف المعارضة حتى نهاية الدورة التشريعية.
وأمام هذا السيناريو تتابعت محاولات سالفيني صاحب الحضور القوي على وسائل التواصل الاجتماعي على مدى الأيام الأخيرة المتعددة والمتنوعة في اصلاح الشقة مع شريكه السابق الخمس نجوم الذي اتهمه بالخيانة حتى بادر الى سحب طلبه نزع الثقة رغم اتهام كونتي له في بيانه اليوم بالانتهازية والسطحية والشعبوية والنزوع الى الدكتاتورية.
وفي المقابل أبدى الحزب الديمقراطي المعارض الشرس لحكومة كونتي ووزير داخليته انفتاح مفاجئ على امكانية المشاركة في حكومة جديدة تجنب ايطاليا العودة لانتخابات مبكرة لتلبية الاستحقاقات الملحة الماثلة أمام ايطاليا لاسيما خطر تفاقم الأزمة الاقتصادية والانزلاق الى انكماش تدفع ثمنه الطبقات الضعيفة والمتوسطة.
وعلى نفس المنوال عدد رئيس الوزراء "المستقيل" كونتي المحسوب على حركة الخمس نجوم في بيانه الذي افتتح به النقاش البرلماني الاستحقاقات الملحة التي يتعين أن تواجهها ايطاليا بحكومة مستقرة "بعدما قطع سالفيني عمل الحكومة" وفي مقدمتها عدم اقرار الموازنة العامة في موعدها.
ويعتبر اقرار الموازنة العامة الجديدة الدافع الرئيسي لاقدام سالفيني على اسقاط الحكومة التي يشارك فيها والاستحقاق الذي رغب التملص منه على ضوء الوضع الاقتصادي وتوقف نمو الناتج المحلي الاجمالي عند مستوى الصفر ما يلزم تبني تدابير قاسية من شأنها أن تعري الوعود التي أفرط فيها زعيم الرابطة مثل خفض كبير للضرائب.
وينتظر أن يكشف تقديم مشروع الموازنة المالية العامة للدولة في غضون أكتوبر عن حقيقة الوضع الاقتصادي غير الايجابي في ظل ضعف الأداء الاقتصادي والمعايير الأوروبية الصارمة للاستقرار المالي فيما يؤدي عدم اقرار الموازنة قبل نهاية العام فرض "الادارة المؤقتة المالية للدولة" وهو ما لم يحدث في تاريخ الجمهورية الايطالية.
ويتصدر شبح رفع نسبة ضريبة المبيعات من 22 الى 25 في المئة بشكل آلي بحلول يناير المقبل ما لم توفر الموازنة العامة 23 مليار يورو (25 مليار دولار) تلزم اقتطاعات قاسية في الانفاق الحكومي ما له من تداعيات اجتماعية سلبية على قطاع الخدمات التي تقدمها الدولة.
كما يقدر خبراء اقتصاديون أن تؤدي زيادة ضريبة المبيعات الى أعباء اضافية على العائلات الايطالية في حدود ألف دولار سنويا في المتوسط ما يكبح الطلب المحلي ما يقلص الناتج المحلي الاجمالي بما يعادل نحو 6 مليارات يورو (حوالي 7 مليارات دولار) بالاضافة الى اهتزاز ثقة الأسواق بايطاليا المثقلة بدين عام ضخم.
وبجانب الاستحقاقات الأوروبية في خضم التفاوض على التوازنات داخل المؤسسات الأوروبية الجديدة وعدم قدرة ايطاليا على التعبير عن مصالحها الأوروبية تخاطر ايطاليا بالغياب عن ادارة المجتمع الدولي للأزمات الاقليمية لاسيما الليبية التي تهم روما عن قرب.
وتدفع هذه الاستحقاقات بدفة ادارة الأزمة التي تنتقل دستوريا الى رئيس الجمهورية نحو البحث عن حكومة جديدة بعيدا عن انتخابات تشريعية مبكرة بعد تمسك كونتي بالاستقالة ورفض التصالح مع الرابطة وزعيمها الذي يجد نفسه في وضع حرج قد يجبره على الانزواء في ركن المعارضة لسنوات.
ووفق هذه التطورات والنظام الدستوري يتعين على رئيس الجمهورية فتح جولة من المشاورات مع الأحزاب والكتل البرلمانية لاستطلاع فرص تشكيل حكومة جديدة ترجح المواقف الأخيرة أن تضم الخمس نجوم والحزب الديمقراطي وتكتل "أحرار ومتساوون" اليساري وغيرهم حال تمكنوا من صياغة أرضية برامجية مشتركة لهذه الحكومة. (النهاية) م ن / ع ع