A+ A-

(مدينة الزهراء).. درة (قرطبة) الأندلسية جزء من التراث الإنساني العالمي

حديقتان في الجانب الجنوبي للمدينة يفصل بينهما جدار وتعدان معا أكبر منطقة حدائق في الأندلس في ذلك الوقت
حديقتان في الجانب الجنوبي للمدينة يفصل بينهما جدار وتعدان معا أكبر منطقة حدائق في الأندلس في ذلك الوقت

من هنادي وطفة (تقرير)

مدريد - 19 - 7 (كونا) -- يزخر تاريخ (قرطبة) بأمجاد ومعالم معمارية خلفها المسلمون في الأندلس جعلها تتبوأ اليوم مكانة تاريخية وحضارية وإنسانية مرموقة تليق بالعهد الغني.
وبعد ألق غابر ومجد عتيق تعود اليوم (مدينة الزهراء) درة (قرطبة) والحاضرة المعمارية الفريدة التي لم يكن لها مثيل إلى الأضواء بعدما قررت الدورة 42 للجنة التراث الإنساني العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) المنعقدة في العاصمة البحرينية المنامة مطلع الشهر الجاري إدراج موقعها الاثري في قائمة التراث العالمي.
بذلك أصبحت (قرطبة) الغراء المدينة الوحيدة في العالم التي تتغنى بأربعة مواقع على قائمة التراث الانساني هي (مسجد قرطبة الكبير) المدرج على قائمة التراث منذ العام 1984 و (مركز المدينة التاريخي) منذ عام 1994 و (مهرجان أقباء قرطبة) منذ عام 2012 و (مدينة الزهراء).
كما أصبحت اسبانيا تمتلك 47 موقعا في قائمة التراث العالمي منها 41 موقعا ثقافيا وأربعة مواقع طبيعية واثنين مختلطين محافظة على المركز الثالث عالميا فيما باتت (الاندلس) تتباهى ب 13 موقعا منها (مسجد قرطبة) و (قصر الحمراء) و (جنة العريف).
وكان لإدراج موقع (مدينة الزهراء) على قائمة التراث الإنساني أثرا إيجابيا ملموسا حيث استقبلت في أسبوع واحد بعد الإعلان حوالي 6314 زيارة أي 107 زيارة أكثر مقارنة بعام 2017 بأكمله عندما سجلت 6207 زيارة فيما من المتوقع ان يختتم يوليو الجاري بأكثر من 20 ألف زيارة لتسجل بذلك رقما تاريخيا قياسيا. تقع أطلال (مدينة الزهراء) عند سفح جبل العروس شمال غربي (قرطبة) وعلى بعد ستة كيلومترات عنها وقد بدأ بناؤها في سنة 936 بأمر ثامن خلفاء الدولة الأموية في الأندلس عبدالرحمن بن محمد بن عبدالله الملقب بالناصر (912-961) جاعلا منها مقرا للخلافة ومستقرا جديدا له بعيدا عن صخب وضجيج (قرطبة). وظلت المدينة على عهدها لمدة أربعين سنة وهي مدة حكم عبدالرحمن الناصر ونجله الحكم المستنصر إلى ان تولى الحاجب المنصور بن أبي عامر الحكم في الأندلس مشيدا مدينته الأخرى التي أطلق عليها (الزاهرة) شرقي المدينة ونقل مركز الخلافة إليها.
وعلى اثر ذلك فقدت (الزهراء) أهميتها وتعرضت لاحقا في 1010 لعمليات السلب والنهب والحرق والدمار خلال الحرب الأهلية التي مزقت الخلافة في ممالك الطوائف فأصبحت ركاما مهجورا إلى ان طفق الخبراء في التنقيب عن أطلالها وبقاياها عام 1910.
هناك اتفاق على ان (مدينة الزهراء) مدينة لم يكن لها مثيل في الأرض وبأن قصرها كان تحفة معمارية فريدة في رونقه وبهائه وكانت جدرانه مغطاة بالرخام المطعم والذهب وتحيط به التماثيل والتحف الثمينة المصنوعة من العنبر واللؤلؤ والمرصعة بالجواهر النفسية. وصف الادريسي (مدينة الزهراء) بانها "مدينة عظيمة مدرجة البنية.. مدينة فوق مدينة" وذلك انها صممت من ثلاث طبقات فكان الجزء الأعلى منها قصر الخليفة والطبقة الثانية قصور الأمراء وقادة الحرس أما الطبقة الثالثة فكان فيها الجامع وبيوت الجند والحرس فيما كانت تحيط بها وتتوسطها حدائق غناء فيها شلالات من المياه هي من أكبر حدائق الأندلس في تلك الفترة.
وكان يتم استقبال الزوار من الملوك والسفراء من مدخل كبير أسفل الجبل يسمى (باب الاقباء) المزين بالأقواس المرصعة بالعاج والأبنوس التي كانت تدهش الزوار قبل انتقالهم إلى بهو كبير خلاب على طريق مبلط من الرخام علما ان المدينة كانت تمتاز بسلالم مدرجة وغير مدرجة لتسهيل الصعود إلى الطوابق العليا. ويحتل الموقع مكانا بارزا في تاريخ الاندلس والادب الاندلسي والذاكرة المشتركة بين العرب والإسبان وكنوزنا الشعرية فمن منا لم يتذوق يوما مناجاة المتيم ابن زيدان عندما قال (إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا والأفق طلق ووجه الأرض قد راقا.. وللنسيم اعتلال في أصائله .. كأنه رق لي فاعتل إشفاقا.. والروض عن مائه الفضي مبتسم كما شققت عن اللبات أطواقا.. نلهو بما يستميل العين من زهر جال الندى فيه حتى مال أعناقا).
واليوم وبعد نحو قرن من عمليات التنقيب والترميم باتت الأنقاض تعطي فكرة عن الفخامة والرفاهية والابداع المعماري في بناء المدينة الفريدة في أوروبا وفي تاريخ الثقافة الإسلامية لاسيما انها أكبر مدينة بنيت من لا شيء في القارة ولكن على الرغم من ذلك فإنه لم يعد لها وجود حقيقي كما كانت عليه في الواقع أيام ألقها سوى في مخيلتنا. (النهاية) ه ن د