A+ A-

معرض (غزل العروق) .. سرد لتاريخ فلسطين خلال مئة عام

المشرفة على المعرض والباحثة في مجال التطريز الفلسطيني ريتشل ديدمان تتحدث للصحفيين خلال جولة في المعرض
المشرفة على المعرض والباحثة في مجال التطريز الفلسطيني ريتشل ديدمان تتحدث للصحفيين خلال جولة في المعرض

من نجود قاسم (تحقيق) رام الله -24 - 3 (كونا) -- يقرأ زائر معرض (غزل العروق .. عين جديدة على التطريز الفلسطيني) المقام على تلة في بلدة (بيرزيت) الفلسطينية تاريخ فلسطين خلال مئة عام مطرزا بخيوط حريرية غزلتها أيادي النساء على 80 ثوبا وقطعة.
وبين كل ثوب واخر وقطعة مطرزة وأخرى في المعرض الذي افتتح اخيرا في المتحف الفلسطيني ببلدة (بيرزيت) يتنقل الزائر بين تحولات المشهد الثقافي والتاريخي الفلسطيني والتغيرات التي طرأت على أدوار المرأة من عاملة إلى منتجة ومن ثم مقاومة.
وكلما تعمق الزائر أكثر وشاهد كيف استنطقت النساء الخيوط على أقمشة من ألوان مختلفة يدرك أن التطريز لم يشكل هواية ممارسة في الفراغ وإنما منتج يقص تاريخ شعب وذاكرته ويوثق ارثا ثقافيا على أرض لم تعرف سوى الصراع.
وفي هذا السياق رأت المشرفة على المعرض والباحثة في مجال التطريز الفلسطيني ريتشل ديدمان في تصريح صحفي ان المعرض الذي يستمر حتى 25 اغسطس المقبل "يروي قصصا فريدة لم يسمع بها من قبل اذ لكل ثوب تاريخه الخاص وقصته".
وأضافت ديدمان التي تقيم في بيروت منذ عام 2013 وهي مختصة في تاريخ الفن الإسلامي أن المعرض يستكشف التطريز من خلال علاقته بالنوع الاجتماعي (الجندر) والطبقات الاجتماعية وموازين سوق العمل.
واوضحت ان فن التطريز ظهر خلال المئة عام الأخيرة كصورة ورمز وسلعة وأداة مقاومة ومصدر للفخر والقوة مشيرة الى ان المعرض يبحث في هذه الدلالات وانعكاساتها وتحولاتها.
وذكرت ان المعرض يرصد في زاويته الأولى الحياة اليومية للمرأة الريفية البسيطة من خلال الأثواب التي كانت تطرزها لترتديها طوال حياتها بشكل يتناسب مع عملها في الزراعة.
واشارت ديدمان التي استعارت المطرزات من عائلات فلسطينية الى ان التطريز هو ممارسة نوعية مرتبطة بالمرأة خاصة الريفية ورافق تطورات حياتها منذ صغرها وهي تطرز جهاز عرسها أو تطرز ثوبا لحضور مناسبة اجتماعية.
وبينت ان التطريز شهد تحولات هامة بمشاركة الرجال في حرفة عرفت أنها حكر على النساء مشيرة الى مساهمة الأسرى الفلسطينيين بعد أن سمحت سلطات الاحتلال بذلك اذ قدموا قطعا مطرزة لعائلاتهم.
ولفتت ديدمان ايضا الى ان التطريز استمر متغيرا بتأثير الأوضاع السياسية فبعد النكبة تحول من ممارسة ذاتية إلى ممارسة مرتبطة بكونها عملا وذلك بدخول جمعيات التطريز التي ظهرت لتعمل على تشغيل النساء بعد التهجير مثل جمعية (انعاش الأسرة) و(انعاش المخيم) وغيرها.
وكانت ديدمان أجرت بحثا استمر اربع سنوات حول التطريز مع النساء الفلسطينيات في بيروت والأردن وفلسطين وأجرت نحو ستين مقابلة بهذا الصدد ويعد المعرض ثمرة نتائج بحثها حول التطريز وعلاقته بالمرأة.
كما تشرف ديدمان على عدد من المعارض الاخرى من بينها معرض (أطراف الخيوط.. التطريز الفلسطيني في سياقه السياسي) الذي افتتح في بيروت قبل عامين.
وتتبع ديدمان التطريز لتكشف عن رموز جديدة للوطن والقضية والمقاومة ودور منظمة التحرير الفلسطينية في تكريس التطريز كرمز وطني من خلال معارض الفنانين الفلسطينيين مثل تمام الأكحل واسماعيل شموط وعروض الدبكة التي كانت تنظم في العالم.
من جانبها قالت رئيسة مجلس إدارة المتحف الفلسطيني زينة جردانه في تصريح مماثل ان "المعرض يحكي قصصا جديدة عن التطريز الفلسطيني ويستكشف جوانبه المتعددة والتغيرات التي شهدها منذ اكثر من مئة عام وعلاقته بالمرأة والصمود والانتاج".
وأضافت ان "المعرض هو تقدير واحتفاء بكل فلسطينية في الريف والمدينة والمخيم مارست وتمارس التطريز اذ يستعرض ارث من جعلن التطريز خالدا واللواتي بعطائهن وحبهن لفلسطين جعلن التطريز أداة مقاومة وحفظن الارث من كل المحاولات الممنهجة لسرقته عبر السنين".
واكدت جردانه انه كانت هناك قناعة منذ البداية بأن الثقافة والمعرفة والانفتاح هي سلاح لتمكين الفلسطينيين وتعزيز مكانة فلسطين وحضورها في العالم.
وفي سياق متصل قال عضو مجلس ادارة المتحف الفلسطيني ممدوح العكر في تصريح مماثل ان "اهمية المعرض تنبع من تسليط الضوء على الافاق الرحبة للتطريز وما هو ابعد من مجرد كونه ثوبا أو قطعة قماش".
وأضاف ان "المعرض يحكي الأوجه الأخرى لقصة المرأة مع التطريز وقصة التطريز مع المرأة ويسرد قصة ثوبها في الزمن الجميل قبل النكبة وحاله مع النكبة ومخيمات اللجوء فيما تروي المفارقات تحول ثوب تحيكه لتلبسه في عرس قادم إلى سلعة تنتجها لتشكل مصدر رزق لها".
واوضح العكر ان المعرض هو امتداد لمعرض (أطراف الخيوط.. التطريز الفلسطيني) في سياقه السياسي الذي اقامه المتحف في بيروت قبل عامين كأول معرض خارجي لينتقل الآن إلى موقعه الأصلي فلسطين.
ورسخت زاوية من المعرض دور المرأة في تعزيز التطريز كرمز وطني خلال الانتفاضة الأولى التي انطلقت عام 1987 (انتفاضة الحجارة) بتطريزها العلم الفلسطيني والخرائط والشعارات السياسية على أثوابها متصدية بجسدها لسياسات الاحتلال.
ويربط المعرض التطريز بالطبقات الاجتماعية حيث كانت ترتديه طبقة معينة غالبيتها من الفلاحين ليدمج في عام 1921 الموضة الاجنبية بالتقاليد الفلسطينية ويصبح متاحا لفئات أخرى من المجتمع.
ويعكس القسم الأخير من المعرض الذي يدعمه عدد من المؤسسات من بينها الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي الفروق الطبقية بين السيدات اذ اصبحت المرأة تطرز ولا تلبس بسبب عدم المقدرة المالية.
ويصور المعرض ايضا تداعيات تسييس التطريز بانتقاله إلى عالم الفن بلوحات لفنانين فلسطينيين مثل نبيل عناني وسليمان منصور وفيرا تماري وعبدالحي مسلم وعصام بدر وعبدالرحمن المزين.
وفي قاعة العرض تحاط الاثواب والحلي التاريخية بصور ارشيفية وملصقات ومقطوعات موسيقية وافلام جميعها تسلط الضوء على الارث الثقافي الفلسطيني المتعلق بالثياب والازياء.
وكان المتحف الفلسطيني وهو مؤسسة ثقافية مستقلة لتعزيز ثقافة فلسطينية منفتحة وحيوية ذكر في بيان "ان المعرض يأتي تتويجا لأربع سنوات من العمل الجاد والبحث الميداني في موضوع التطريز".(النهاية) ن ق / م خ