A+ A-

استياء اسلامي وسياسي ازاء مطالب اليمين السويسري بحرمان المسلمين من حقوقهم

من تامر ابوالعينين

جنيف - 4 - 11 (كونا) -- اعربت العديد من الاطراف المهتمة بملف الاسلام والمسلمين في سويسرا عن بالغ استيائها من مطالب حزب الشعب السويسري المتشدد "بحرمان المسلمين من جميع حقوقهم التي يسمح بها القانون ويحميها الدستور".
وفي هذا الصدد اكد المتحدث الاعلامي باسم مجلس الشورى الاسلامي السويسري قاسم ايلي لوكالة الانباء الكويتية (كونا) اليوم السبت ان المجلس "يندد بأقصى العبارات بهذه المطالب التي تقدم بها الحزب المحسوب على اليمين السياسي المتشدد ويحظى بأغلبية برلمانية تصل الى 29 بالمئة".
وقال ايلي ان "ما جاء في قائمة المطالب التي طرحها الحزب في 28 اكتوبر الماضي تتناقض جملة وتفصيلا مع جوهر الدستور السويسري".
واضاف ان "مزاعم الحزب بأنه يريد مواجهة ما يصفه بانه اسلام راديكالي مردود عليها فهو لا يوضح تعريفه لهذا المصطلح ثم ان قراءة متأنية لما جاء في القائمة تؤكد انها تحظر كل ما يخص المسلم في حياته في هذا البلد".
وأوضح ايلي ان "المجلس ليس لديه ادنى شك في ان ما يصبو اليه الحزب هو حظر الاسلام في البلاد متسترا وراء شعارات مثلا مكافحة الارهاب او اتخاذ اجراءات ضد التطرف العنيف".
واستدل على ذلك باعلان الحزب رغبته في فرض "منع اللحم الحلال والحجاب في المؤسسات العامة مثل المستشفيات والمدارس ورفض تأهيل الائمة وحرمان المسلمين من الرعاية الدينية بما في ذلك ايضا تلك المقدمة في الجيش او السجون".
وقال ايلي ان المجلس "كان يتوقع من الحزب اعلان سياسة عقلانية واقعية تعتمد على الحوار مع الجالية المسلمة عوضا عن المواجهة واستخدام اساليب القمع والاقصاء والتهميش".
واشار الى ان الدستور السويسري يضمن بوضوح لا لبس فيه الحرية الدينية كأحد الحقوق الاساسية غير القابلة للتفاوض مثل مساواة الجميع امام القانون وتمتع المقيمين والمواطنين على حد سواء بهذه الحقوق الاساسية بما في ذلك حرية ممارسة الاديان وحرية الضمير والمعتقد "ومن ثم فان حرمان المسلمين منها هو قمع واقصاء".
وأكد ايلي ان المجلس سوف يتخذ كافة الاجراءات القانونية لحماية المسلمين والحفاظ على حقهم في التعامل بمبدأ المساواة وضد كل محاولة لقمعهم وحرمانهم من حقوقهم الاساسية التي يضمنها الدستور والقانون.
وقال ان المجلس يناشد النخبة المتعقلة في البلاد بالحديث علانية ضد هذا القمع والتمييز فقط بسبب الانتماء الديني.
كما انتقد ايلي صمت المكتب الاتحادي السويسري لمكافحة العنصرية تجاه هذه المطالب اذ كان من المفترض ان يعلن احتجاجه على تلك الافكار بوصفها تؤجج الكراهية ضد الاسلام والمسلمين.
في المقابل اشارت المسؤولة الادارية للمكتب الاتحادي السويسري لمكافحة العنصرية جوليا بروغيني في تصريح ل(كونا) الى ان المكتب لا يدلي برأيه في برامج وافكار تطرحها الاحزاب السياسية كما لا يقوم بتقييمها دستوريا طالما بقيت مجرد مطالب.
واضافت بروغيني ان المكتب لا يمكنه ايضا تحديد معنى (الاسلام الراديكالي) الذي قال حزب الشعب انه يسعى لمكافحته.
لكن المنظمة السويسرية لحقوق الانسان (سويس هيومان رايتس) غير الحكومية اكدت على لسان مسؤولها الاداري في تصريح مماثل ل(كونا) ان مطالب حزب الشعب ليست فقط مستفزة بل ايضا دعاية لحزب يروج كراهية الاجانب.
واضاف المسؤول الاداري للمنظمة اليكس سوتر "اننا ننظر الى تلك المطالب على انها غير بناءة بل وخطيرة من الناحية القانونية ومن زاوية حظر حرية الدين والمعتقد كما تؤدي مثل تلك الدعايات الحزبية الى استقطاب مجتمعي".
وشدد سوتر على ان الحزب يسير في الاتجاه الخطأ اذا كان يقوم بتصنيف المسلمين الملتزمين بدينهم بأنهم راديكاليون اذ لم يقم الحزب الى الان بتحديد مفهوم (الاسلام الراديكالي).

وعلى الصعيد السياسي قال المتحدث الاعلامي باسم الحزب الاشتراكي السويسري ميخائيل زورغ في تصريح ل(كونا) ان الحزب يأخذ المخاوف المثارة بشأن التطرف العنيف على محمل الجد ولكنه يرفض جملة وتفصيلا كل تلك المطالب التي ينادي بها حزب الشعب.
ووصف زورغ هذه القائمة بأنها دعوة الى صراع بين الثقافات وذات تأثير عكسي اذ يلتزم الحزب بالقانون والدستور اللذين يحددان ما هو مباح وما هو محظور.
ولفت المسؤول الحزبي الى ان الحظر والمنع يجب ان يطالا الفئات المتطرفة العنيفة ولا ينبغي ان يطالا الاسلام كدين.
وبحسب زورغ فان سياسة الحزب في التعامل مع الهواجس السائدة بشأن التطرف العنيف الذي يتورط فيه مسلمون تعتمد على أربعة محاور اولها التعويل على رفض السواد الاعظم من مسلمي سويسرا لتلك الافكار الداعية الى العنف المتطرف.
اما المحور الثاني فيؤيد مبادرات بعض المقاطعات السويسرية مثل (زيورخ) و(بازل) و(نيوشاتيل) و(فو) و(بازل) للاعتراف بالاسلام كأحد الاديان السائدة فيها مثلما هو الحال مع الطائفة اليهودية ومن ثم سيكون على المنظمات الاسلامية مسؤوليات والتزامات مثل ما سوف تكتسب أيضا حقوقا.
واوضح زورغ ان المضي في هذه الخطوة يتطلب من المنظمات الاسلامية احترام القانون السويسري وان تحظى هياكل تلك المنظمات بتركيبة ديمقراطية واحترام المساواة بين النساء والرجال والشفافية في التعاملات المالية.
ويتناول المحور الثالث من خطة الحزب الاشتراكي السويسري اجادة الأئمة والوعاظ لاحدى اللغات الاساسية السائدة في سويسرا (الالمانية او الفرنسية او الايطالية) وان يكونوا على دراية بالمجتمع السويسري والقوانين السائدة ومن ثم يكون لهم دور في دعم اندماج الجالية المسلمة في البلاد مع ادراك الحزب لحقيقة ان اغلب الجمعيات الاسلامية ليس لديها الموارد المالية الكافية لتوظيف أئمة تعلموا في اوروبا.
اما المحور الرابع فأوضح زورغ انه يهتم بالوقاية من اعتناق افكار العنف المتطرف والتي يجب ان تتعاون فيها المؤسسات التعليمية والمهنية والاسرة والسلطات للحيلولة دون وقوع اي شاب او فتاة في براثنها والا تكون اولى خطوات المواجهة هي القمع والاقصاء والتي من شأنها ان تشجع على مزيد من التطرف العنيف.
واشار زورغ الى ان الحزب يهتم بانشاء وحدات لتقديم الاستشارات في كيفية التعامل البناء والهادف مع مثل تلك الميول المتطرفة والتي يمكن ان تلجأ اليها عائلات الشباب او المؤسسات التعليمية او المهنية او الأسرية.
وفي السياق ذاته قال رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الخضر السويسري بلاتهاسلر بلاتلي ل(كونا) ان مطالب حزب الشعب قمعية فضلا عن كونها غير منطقية وتخدم اهداف الحزب في اثارة الرأي العام لصالحه من خلال سياسة وصم وتنميط جميع مسلمي سويسرا.
واضاف بلاتلي ان مصطلح (الاسلام الراديكالي) الذي يروج له حزب الشعب مبهم كما انه لا يحمل اي مضمون ولا يمكن مهاجمة دين بأكمله تحت شعار مكافحة دعاة العنف والكراهية اذ تتم معالجة هذه الظواهر المرفوضة عبر الآليات القانونية المتاحة.
واكد انه لمن الحقائق الثابتة والمعروفة ان التعدد الديني هو احد معالم المجتمع السويسري وان حرية اعتناق الاديان احد الحقوق الاساسية التي تضمن الاستقرار المجتمعي.
واشار الى ان حزب الخضر يؤيد الاعتراف بالاسلام كأحد الاديان الاساسية السائدة في سويسرا ويدعم الخطوات التي بدأتها بعض المقاطعات السويسرية في هذا الصدد.
كما اكد ان افضل سبل مواجهة التطرف العنيف التعاون المتكامل بين الجالية ومختلف المؤسسات وعلى صعد مختلفة.
وكان حزب الشعب السويسري طالب السلطات بعدم الاعتراف بالاسلام كأحد الاديان الرسمية في البلاد وحظر تأهيل الائمة في البلاد والحجاب في جميع المؤسسات العامة ومنع اللحم الحلال.
جاء ذلك في ما وصفها هذا الحزب المحسوب على اليمين السياسي المتشدد ب"بقائمة المطالب التي يجب على مختلف السلطات تحقيقها للتعامل مع الاسلام والمسلمين في البلاد" والصادرة في اختتام مؤتمر نواب الحزب الدوري بمدينة (فراونفلد) شمال شرق سويسرا يوم السبت الماضي 28 اكتوبر الماضي.
وتطالب القائمة المثيرة للجدل بمنح الشرطة السويسرية والمسؤولين جميع الصلاحيات لدخول المساجد في اي وقت ومن دون احاطة مسبقة ومن دون اية شروط مع منع حصول المسلمين على اجازات لاسباب دينية.
ودعت القائمة السلطات بضرورة اغلاق جميع المساجد او المؤسسات الاسلامية وحظر الجمعيات التي تروج ما وصفه الحزب بأنه "اسلام راديكالي" دون ان يوضح الحزب مفهوم هذا المصطلح.
كما اوضحت القائمة ان الرعاية الدينية للمسلمين اثناء تأدية الخدمة العسكرية او في السجون يجب الا تكون عبر وعاظ او رجال دين مسلمين بل عن طريق اخصائيين نفسيين.
وتشدد الوثيقة على ضرورة التزام القضاء والمسؤولين بالقوانين المعمول بها في البلاد وعدم السماح للمسلمين بالاحتكام الى الشريعة في امورهم بما في ذلك قضايا الاحوال الشخصية.
في الوقت ذاته تطالب الوثيقة السلطات السويسرية بضرورة تشديد الرقابة على الحدود وعدم السماح لأي كان بدخول البلاد الا بأوراق ثبوتية رسمية.
كما يطالب الحزب بضرورة التحفظ امنيا على المجاهدين العائدين من القتال في مناطق الصراعات كما يجب ان تحصل اجهزة المخابرات على كل الصلاحيات لمراقبة كل من تثبت عليه بوادر "الراديكالية الاسلامية" وسجن او ترحيل من تثبت عليهم بوادر الميول الى العنف مع قيام المخابرات بمراقبة جميع الائمة العاملين في البلاد.
في الوقت ذاته يطالب الحزب المؤسسات الاسلامية في البلاد برصد من تبدو عليهم مظاهر الراديكالية ودعاة التطرف والكراهية وابلاغ السلطات عنهم لاتباع الخطوات اللازمة تجاههم.
وتمثل هذه الوثيقة منهج الحزب الذي يتمتع بأغلبية برلمانية نسبتها 29 بالمئة في التعامل مع الاسلام والمسلمين في البلاد اذ نجح في فرض حظر على بناء المآذن في البلاد ويسعى لاقناع الرأي العام بفرض حظر على النقاب.
ويمثل المسلمون ثاني اكبر ديانة في سويسرا بعد المسيحية بمذهبيها البروتستانتي والكاثوليكي بحوالي 450 الف نسمة اغلبهم من دول البلقان وتركيا.
ويضمن الدستور السويسري حرية المعتقد والاديان وممارستها ما يجعل تلك المطالب الصادرة اليوم متناقضة بشكل واضح مع الدستور ومبادئ الحرية الدينية التي يتمتع بها جميع الاديان في سويسرا. (النهاية) ت ا