A+ A-

(كتالونيا) تنفتح على سيناريو جديد وتستعد لمرحلة جديدة في ديسمبر المقبل

متظاهرون يحملون علم اسبانيا
متظاهرون يحملون علم اسبانيا

من هنادي وطفة (تحليل اخباري)

مدريد - 1 - 11 (كونا) -- ينتهج التحرك الانفصالي في (كتالونيا) استراتيجية يصعب التكهن بخطواتها قادته إلى بلجيكا بعد يومين فقط من اعلان الاستقلال من جانب واحد واستلام مدريد زمام الأمور في الإقليم في ختام شهر عصيب ساده التوتر على جميع المستويات.
وبعد اطلالة سريعة في مسقط رأسه يوم السبت الماضي اختفى رئيس حكومة إقليم (كتالونيا) المقال كارليس بويجديمونت عن الأنظار ليظهر الاثنين الماضي في بروكسل على مرأى من العالم كله برفقة خمسة من أفراد حكومته وسط حالة دهشة كاملة في اسبانيا.
وأعلن بويجديمونت بقاءه في بلجيكا رغم عدم طلبه اللجوء السياسي فيها للعمل بحرية وأمن على حد تعبيره مؤكدا انه لن يعود إلى إسبانيا حتى توافر الضمانات القضائية الكافية مصورا إياها في مؤتمر صحفي بأنها "بلد رجعي يتبع سياسات قمعية".
وتفيد تقارير صحفية بان بويجديمونت كان يعتزم حقا طلب اللجوء في بلجيكا لكنه تراجع بعد التماس اعتراض جزء من الحكومة الائتلافية البلجيكية وبسبب التوتر الذي سيتمخض عن ذلك مع حكومة مدريد في حال حدوثه وربما أيضا لعدم توفر الشروط الضرورية لمنحه ذلك الحق.
وضمن ذلك الإطار أكد رئيس الوزراء البلجيكي تشارل ميشيل ان بويجديمونت لم يأت إلى بروكسل بناء على دعوة أو مبادرة من حكومته بل مثله مثل أي مواطن أوروبي له حق التنقل بحرية في فضاء (شنغن).
وكان ميشيل دعا قبل يومين وزير الدولة لشؤون اللجوء والهجرة البلجيكي العضو في الحزب القومي الفلمنكي تيو فرانكين إلى "عدم صب الزيت على النار" إثر تأكيد الأخير في تصريح لقناة (في.آر.تي) الفلمنكية ان بلده سيمنح حق اللجوء لبويجديمونت في حال طلبه.
وتزامن رحيل بويجديمونت إلى بروكسل مع إعلان النيابة العامة الاسبانية تقديمها دعوى ضده وضد حكومته وضد البرلمان الكتالوني بتهمة التمرد والتحريض واختلاس الأموال وجرائم أخرى ذات صلة مطالبة بعقوبات قد تصل إلى 30 عاما. وعقد بويجديمونت مؤتمرا صحفيا في بروكسل أمس الثلاثاء أوضح فيه "انه وحكومته الشرعية" سيواصلان العمل لبناء (كتالونيا) الحرة حيث سيعمل وأعضاء حكومته الذين انتقلوا معه إلى بروكسل في حين سيواصل نائبه أوريول جونكيراس مهندس العملية الانفصالية منذ سنوات وبقية افراد الحكومة الكتالونية العمل من قلب (كتالونيا) لتكون حكومة بمقرين الأول في المنفى والثاني في الداخل.
والحقيقة ان سفر رئيس حكومة الإقليم المقال إلى بروكسل كان خطوة باغتت حتى أقرب المقربين له حيث سافر مع مرافقيه في مركبة إلى (مرسيليا) ومنها انتقلوا جوا إلى بروكسل لتعلم حكومة مدريد حينها فقط بمخططاته مع انه كشف أمس الثلاثاء انه قرر السفر الى بروكسل عاصمة الاتحاد الاوروبي يوم الجمعة الماضي لتدويل القضية الكتالونية.
ووصف ذلك التحرك الذي لم يتفهمه أبناء (كتالونيا) أنفسهم بالهروب ونددت به المعارضة معتبرة انه حرض الشعب على مقاومة حكومة مدريد وأشعل فتيل التمرد ليهرب هو من (كتالونيا) لتفادي السجن بدعوى العمل بحرية وأمن.
وربما ساهمت مناورة رئيس الوزراء الاسباني ماريانو راخوي باعلانه المفاجئ بحل البرلمان الكتالوني والدعوة لانتخابات مبكرة في غضون 54 يوما وإقالة بويجديمونت وحكومته ضمن إطار تفعيل البند (155) من الدستور الاسباني الجمعة الماضي في قلقلة التكتل الانفصالي وتقويض مخططاته.
وكان التحرك الانفصالي يتوقع تدابير أشد قسوة وصرامة تتناسب مع طبيعة المواقف السابقة للحزب اليميني الشعبي الحاكم ثم استغلالها لاثبات سياسة القمع والاضطهاد ضد (كتالونيا) وبذلك يمكن تحريك الرأي العام الكتالوني والأوروبي وتحريض الانفصاليين على اتخاذ خطوات ردا على القمع الحكومي.
لكن راخوي خالف كل التوقعات من خلال سعيه للحصول على أكبر قدر من التأييد السياسي في اسبانيا والتمس دعم حزب العمال الاشتراكي الذي قام بدور كبير في تليين موقفه في خطوة موفقة لاسيما بفضل رفضه مزاعم اليمينيين فرض الوصاية على التلفزيون الاقليمي الكتالوني (تي.في.3) الذي يعد منهل معظم الانفصاليين وأداة في يد حكومة (كتالونيا) لبث ايديولوجيتها.
وعليه جاء تطبيق البند (155) علاجيا بالضغط على نقاط أساسية محدودة تمهيدا لانتخابات إقليمية في 21 ديسمبر المقبل بهدف إعادة الشرعية إلى الإقليم على حد تعبير راخوي.
وترقبت اسبانيا برمتها تطورات الأوضاع الاثنين الماضي مع انطلاق وصاية مدريد على الوزارات الكتالونية المختلفة وتولي نائبة رئيس الوزراء الاسبانية سواريا دي سانتاماريا مهام بويجديمونت ونائبه المقالين من منصبهما.
وعلى غير المتوقع سارت الأمور على قدم وساق دون أي تمرد سواء من أعضاء الحكومة المقالين أو رئيسة البرلمان كارما فوركاديل التي كانت حجر الأساس في العملية الانفصالية أو أفراد الشرطة الاقليمية الذين أثاروا الجدل بامتناعهم عن التعاون مع قوات أمن الدولة خلال يوم اجراء الاستفتاء "غير الشرعي" في الأول من اكتوبر الماضي فيما ألغى كذلك اتحاد النقابات اضرابا شاملا لعدة أيام دعا إليه قبل يومين.
ونالت الانتخابات الاقليمية التي دعا إليها راخوي قبولا واسعا حيث أعلنت معظم الأحزاب والتشكيلات الانفصالية عزمها المشاركة كما أعلن بويجديمونت نفسه في بروكسل قبول التحدي وخوض الانتخابات معتبرا انها بمثابة استفتاء سيفوز به الانفصاليون.
وبدأ الحديث في إسبانيا عن الفشل الكامل الذي مني به اعلان الاستقلال من جانب واحد وعن تهور بويجديمونت وعدم امتلاكه خطة واضحة المعالم لادارة "الجمهورية الكتالونية المستقلة" في الوقت الذي بدأت تعلو اصوات من قلب التكتل الانفصالي نفسه تؤكد ان (كتالونيا) غير مستعدة للاستقلال في لفتة مهمة جدا.
وعادت الحياة في الإقليم إلى طبيعتها بعد نحو شهر من التوتر الشديد أرهقت أبناء المجتمع الكتالوني فيما استجاب المؤشر الرئيسي في سوق الأوراق المالية الاسبانية (ايبكس 35) لذلك الهدوء بتسجيله ارتفاعا بلغ 74ر0 بالمئة في ختام جلسة تداولات أمس الثلاثاء مستقرا عن مستوى 5ر10 ألف نقطة كاملة ليحقق بذلك ارتفاعا قدره 36ر1 بالمئة في أكتوبر الماضي بعد هزات كثيرة وساهم اعلان مدريد تطبيق البند (155) من الدستور بشكل إيجابي.
ورغم الهدوء الظاهر فان المعركة لم تنته بعد لان تربة المجتمع الكتالوني ما تزال تروى بالمياه نفسها في الوقت الذي تشير استطلاعات الرأي إلى ان انتخابات ديسمبر المقبل ستؤتي بنتائج شبيهة جدا بالانتخابات الأخيرة التي جرت في عام 2015 وأسفرت عن فوز الانفصاليين ب 72 مقعدا في البرلمان الاسباني من أصل 135.
ولا بد من الاخذ بعين الاعتبار ان الخطاب الانفصالي بدأ يشق طريقه في المجتمع الكتالوني وبين طلابه منذ ثلاثين عاما وأطلق عنانه في السنوات الماضية مستقيا من زخم "النضال التاريخي" للمنطقة مع غياب كامل لخطاب مضاد كان أجدر بالحكومة المركزية اطلاقه وتغذيته. ويبدع التحرك الانفصالي في وسائله واستخدامه للرموز وأساليب الدعاية وكذلك في ما وصف ب"التلاعب" ببعض البيانات والمعلومات لاسيما الاقتصادية والتاريخية لكسب تأييد المجتمع الكتالوني والأوروبي وهو أمر بدأ يتكشف بشكل أساسي بعد نزوح الشركات عن (كتالونيا) ورفض دول العالم كافة الاعتراف بها كدولة مستقلة في مخالفة لما كان يؤكده زعماؤها المقالون.
ولعل أحد أكثر المؤشرات موثوقية حول حجم الاضرار التي تسبب بها الاعصار الانفصالي خلال الشهر الماضي هو نقل 1880 شركة ومؤسسة لمقراتها الاجتماعية على الأقل إن لم يكن المالية أيضا إلى خارج (كتالونيا) حرصا على مصالحها ومصالح المستثمرين والعملاء من حالة غياب الامن القانوني في المنطقة وذلك وفق البيانات الأخيرة التي نشرت أمس الثلاثاء.
وسيكون الوقت الذي يستغرقه استردادها عاملا أساسيا في تحديد مستوى عودة الأمور إلى طبيعتها في الاقليم جنبا إلى جنب مع انتعاش الاستثمارات وتعافي السياحة التي هبطت بنسبة 30 بالمئة خلال الشهر الماضي.
واليوم تكمن الخطوة اللاحقة في معرفة إن كان بويجديمونت وأعضاء حكومته سيمتثلون أمام القضاء غدا الخميس وبعد غد الجمعة إثر استدعائهم أمس الثلاثاء على خلفية الدعوى التي قدمتها النيابة العامة وان امتناعهم عن ذلك سيترجم في اصدار مذكرة توقيف واعتقال بحقهم.
وعلى الجانب الاخر يترقب الاسبان الخطوات التي ستتخذها حكومة مدريد لاستعادة ثقة المجتمع الكتالوني مع تبقي أقل من شهرين على الانتخابات لتفادي سيناريو مشابه مع التوقعات بفوز الانفصاليين مجددا باغلبية ساحقة في البرلمان الاقليمي.(النهاية) ه ن د / خ ن ش