من وسيم حيدر

طرابلس (لبنان) - 24 - 5 (كونا) -- بين عامي 2008 و2013 عاشت مدينة طرابلس كبرى مدن الشمال اللبناني حربا اهلية مصغرة بين منطقتي باب التبانة وجبل محسن اغرقت شبان المنطقتين في دوامة من العنف والدم حصدت عشرات الارواح.
ورغم انتهاء المعارك منذ اربع سنوات بخطة (سياسية - امنية) فرضتها الحكومة اللبنانية فإن آثارها ماتزال تبدو واضحة على واجهات المباني السكنية وواجهات المحال والمؤسسات كما في نفوس اولئك الذين فقدوا احباءهم واعزاءهم في جولات القنص والقتال.
وقال علي أمون اليوم الاربعاء في تصريح لوكالة الانباء الكويتية (كونا) وهو احد الشبان الذين انجروا باكرا الى متاريس المعارك في منطقة (جبل محسن) في شرق مدينة طرابلس انه ترك مقاعد الدراسة وعمره 16 عاما ليحمل السلاح ويطلق النار باتجاه من اعتبرهم اعداء في منطقة (باب التبانة) المقابلة.
واوضح علي الذي يبلغ اليوم 23 عاما انه قرر حمل السلاح لاول مرة عام 2010 بعدما اصابت رصاصة من رصاصات القنص والمعارك المتبادلة والده وافقدته احدى عينيه في (جبل محسن) فاتخذ حينها خياره بالقتال ثأرا لوالده ودفاعا عن منطقته واهله.
واشار الى ان جولات المعارك التي تكررت لاشهر وسنوات حرمته كما حرمت سواه من شبان المنطقة من استكمال تعليمه بعدما هددت سلامة الطلاب في صفوف المدارس وفي حافلات النقل فكان القتال هو الخيار الوحيد المتاح امام عشرات الشبان.
وبعد الحرب عاد علي الى روتين الحياة اليومية في (جبل حسن) حيث تجمع المقاهي والارصفة شبان المنطقة الرازحة تحت الفقر والبطالة الا ان مبادرة اطلقتها جمعية (مارش) لجمع شبان (جبل محسن) و(باب التبانة) بعد اشهر من انتهاء القتال "غيرت افكاري وحياتي الى الابد".
ومن جانبه قال سمير الحسين الذي ولد وترعرع في ازقة (باب التبانة) في تصريح ل(كونا) انه دخل المعارك منذ عامها الاول حيث كان يبلغ 16 عاما ايضا واستمر مقاتلا على الجبهات ضد مسلحي (جبل محسن) حتى آخر معركة.
واوضح سمير ل(كونا) ان بداياته مع حرب طرابلس كانت مع المصابين برصاص القنص والمعارك من المدنيين الذين كان ينتشلهم مع رفاق له وينقلهم الى مستشفيات طرابلس قبل ان يقرر الانخراط في المعارك دفاعا عنهم وعن منطقته واهلها ضد من كان يراهم اعداء في الطرف المقابل.
ولفت الى انه لم يعرف كما سواه من رفاقه المقاتلين لماذا وكيف انتهت الحرب التي انخرطوا فيها فوجدوا انفسهم يوما عاطلين عن القتال وعن العمل دون افق للمستقبل قبل ان تدخل جمعية (مارش) الى المنطقة وتدعو شبان المنطقة للمشاركة في الانشطة الفنية والثقافية التي اقامتها.
وشارك سمير الحسين بحذر في اول التدريبات مع (مارش) حاملا معه قنبلة يدوية اخفاها بين اغراضه قبل ان يدرك يوما تلو الآخر ان المعارك في حقيقتها لم تكن الا استغلالا لشبان من الجانبين تجمعهم البطالة والفقر والتسرب المدرسي وغياب الافق وان من كان يقاتلهم في الجانب المقابل يشبهونه اكثر من سواهم كما يقول.
وبدأت جمعية (مارش) غير الحكومية عملها في طرابلس في اواخر عام 2014 وبداية 2015 محاولة استقطاب عدد من الشبان من المنطقتين المتخاصمتين في (جبل محسن) و(باب التبانة) وزجهم في ورش عمل وتدريبات مسرحية مستوحاة من المعارك التي شهدتها المدينة.
وقالت رئيسة جمعية (مارش) ليا بارودي ل(كونا) ان الجمعية جمعت في بداية عملها ثمانية شبان من كل من المنطقتين تم اختيارهم على اساس مشاركتهم السابقة في المعارك التي شهدتها المنطقة التي تعد من اكثر مناطق لبنان فقرا.
واشارت الى ان الثقة كانت معدومة بين الطرفين بشكل كامل حتى ان عددا منهم حضروا التدريبات الاولى وهم يحملون مسدسات وخناجر اخفوها تحت ثيابهم خوفا من الآخر قبل ان تنجح الاسابيع والاشهر التالية في بناء الثقة بينهم وتحويلهم من اعداء الى اصدقاء.
واوضحت ان المقاتلين السابقين نجحوا بعد جهد في التجربة وعرضوا عملهم المسرحي الاول في مدينة طرابلس قبل ان يشاركوا كتابة وتمثيلا في مسرحية ثانية ايضا مستوحاة من واقع حياتهم اليومية خلال مراحل الحرب والسلام عرضت ايضا في (جبل محسن) و(باب التبانة).
وعملت الجمعية بعد انتهاء المسرحيتين على تحويل تجربتها الفنية الى مشروع دائم فقررت انشاء مقهى ثقافي في (شارع سوريا) خط التماس الرئيسي الذي كان يفصل المحاربين وذلك تحت ادارة الشبان انفسهم.
واكدت ان المشروع نجح اذ تحول المقهى الى ساحة لقاء تجمع شبان المنطقتين في عروض فنية وثقافية وترفيهية يقدمها هواة ومحترفون فكان ان تحول خط التماس الفاصل الى خط التقاء يجمع المنطقتين.
وعملت الجمعية على اطلاق مشروع ذات بعد اقتصادي تحت اسم (باب الذهب) وهو الاسم الذي كان يطلق على المنطقة قديما قبل ان تنقسم فيما بعد الى (باب التبانة) و(جبل محسن).
وقالت بارودي ان 100 شاب وشابة من المنطقتين انخرطوا في مشروع (باب الذهب) الذي وظف طاقات المشاركين في ترميم المحال والمؤسسات التجارية في مناطق التماس السابقة والتي تضررت جراء المعارك اضافة الى تدريبهم على دورات لمساعدة هذه المؤسسات على تسويق منتجاتها وبضائعها واعادة الحياة الاقتصادية الى المنطقة.
ولفتت الى ان المشروع نجح في ترميم اكثر من 100 محل ومؤسسة تجارية ومصنع في منطقة (حي المهاجرين) و(شارع سوريا) وتحول (باب الذهب) الى سوق مهم قادر على جذب المتسوقين من كافة احياء طرابلس وشمال لبنان بعدما كان شاهدا اساسيا على الدمار الذي خلفته معارك طرابلس.
واكدت ان نشاط جمعية (مارش) لا يتوقف عند طرابلس بل يستهدف الفئات المهمشة في اكثر المناطق اللبنانية فقرا ومعاناة عبر مشاريع تروج للفن والكتابة والثقافة وتشجع انخراط هذه الفئات لاسيما الشبان في بناء واقع افضل بدل الانجراف نحو السلبيات.
يذكر ان مدينة طرابلس شهدت معارك عنيفة استمرت بشكل متقطع بين عامي 2008 و2014 بين مسلحين في منطقتي (جبل محسن) و(باب التبانة)على خلفية الانقسام المذهبي والسياسي والذي تفاقم بعد اندلاع الاحداث في سوريا.
وادت المعارك الى مقتل واصابة عشرات الاشخاص من المنطقتين والمناطق المجاورة كما سببت اضرارا جسيمة في الابنية والمؤسسات قبل ان يتمكن الجيش والقوى الامنية اللبنانية من تنفيذ خطة امنية في المدينة في ابريل 2014 نجحت في انهاء المعارك وفرض الامن.(النهاية) و س م / خ ن ع