الكويت - 23 - 1 (كونا) -- قال الباحث في التراث الكويتي الدكتور يعقوب الغنيم ان الكويتيين درجوا على الاحتفال بالمولد النبوي الشريف الذي يصادف في يوم الثاني عشر من ربيع الأول من كل عام منذ وقت لا تعرف بدايته وذلك تعبيرا عن محبتهم للرسول الكريم وللرسالة التي حملها من رب العالمين.
واكد الغنيم في لقاء مع وكالة الانباء الكويتية (كونا) اليوم ان اهل الكويت كانوا يطلقون على المولد النبوي الشريف اسم (المالد) كنوع من الاحتفال الديني حيث يجتمع الناس لقراءة ما كتبه (البرزنجي) عن مولد الرسول الكريم.
واوضح ان البرزنجي هو زين الدين جعفر بن حسن البرزنجي المتوفى عام 1764 وقد عرف بأنه فقيه أديب من أهل المدينة المنورة حيث ولد ونشأ وتوفي بها ويقال إنه كان مفتيا لأتباع المذهب الشافعي.
وذكر الغنيم ان المدارس كانت تعطل وكان ائمة المساجد يجتهدون في قراءة (القصة) من كتاب (المولد) سواء في المساجد او الديوانيات والمكاتب والمنازل.
واضاف ان قصة المولد كانت تقرأ في مسجد (المديرس) في الثامن عشر من الشهر نفسه "لأن امام المسجد كان يسير على رواية أخرى ذكرت أن المولد الشريف كان في ذلك اليوم" فيزدحم المسجد بسبب تميز امام المسجد بالصوت الجميل والقراءة المتأنية.
وبين الغنيم ان القراءة كانت تبدأ بعد صلاة العشاء فيضيق المسجد على سعته بالمستمعين احتفاء بهذه المناسبة بينما كانت تدار فناجين القهوة والشاي بين الحضور التي غالبا ما تكون تبرعا شخصيا من سكان المنازل المحيطة بالمسجد.
واشار الى ان مسجد المديرس كان يقع أمام المدرسة القبلية للبنات ويشغله حاليا المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب وقد بناه المرحوم عبدالله المديرس عام 1225 هجرية الموافق لعام 1810 ميلادية.
وقال ان من المساجد التي كان الناس يسارعون إليها من أجل سماع قصة المولد مسجد الساير الشرقي وهو مسجد لايزال قائما ويطل على مبنى قصر العدل وقد أنشئ عام 1312 هجرية الموافق لعام 1884 ميلادية وقد قامت دائرة الأوقاف العامة بتجديده في عام 1955.
واضاف الغنيم ان الإمام محمود بن الملا محمد في مسجد المديرس كان يقرأ للبرزنجي ويضيف اليه بعض الأناشيد التي يرددها بصوت شجي واداء معبر "وهو من الاشخاص الذين بدأت الدراسة على ايديهم إذ كانت له مدرسة أهلية يديرها والده".
واشار الى ان قراءة المولد للبرزنجي كانت عادة قديمة عند اهل الكويت وفقا لما أورده الشيخ يوسف بن عيسى القناعي عندما كتب عن سبب نشأة المدرسة المباركية ضمن حديثه عما تم في سنة 1910 حيث يقول القناعي "كان الشيخ محمد بن جنيدل يقرأ ل (البرزنجي) في محلنا وكان المجلس ممتلئا بالمستمعين فلما انتهى المولد قام المرحوم السيد ياسين طبطبائي بالقاء كلمة حث فيها على العلم وفتح المدارس وإنقاذ الأمة من الجهل" فكانت تلك المناسبة سببا لانشاء المدرسة المباركية في الثاني عشر من شهر ربيع الأول عام 1328 هجرية الموافق للثاني والعشرين من شهر مارس لسنة 1910 ميلادية.
واوضح الغنيم ان محمد بن جنيدل الذي ذكره الشيخ يوسف بن عيسى من مواليد عام 1890 بالحي القبلي في الكويت (العاصمة) ودرس في الكتاتيب وتلقى العلم على أيدي عدد من العلماء وكان إماما وخطيبا وتولى كتابة عقود الزواج وكان يفتي في المسائل الفقهية.
واضاف ان النساء كان لهن جلسات لقراءة المولد حيث كانت (المطوعة) امينة في (فريج الشاوي) تحيي المناسبات الدينية وكانت تقرأ (المالد) في موعده فتجتمع النسوة حولها للاستماع وترديد الأدعية والصلاة على الرسول الكريم.
وقال ان الاحتفال بهذه المناسبة كان فرصة محببة للجميع حتى الصغار كانوا يتجمعون في (السكيك والفرجان) ويشترون الحلوى من الباعة المتجولين الذين يستغلون هذه الفرصة لترويج ما لديهم من بضاعة.
وذكر الغنيم ان البرزنجي له عدة مؤلفات منها قصة المولد النبوي الشريف وقصة المعراج ويتكون كتاب البرزنجي من ثلاث وعشرين صفحة من القطع المتوسط ومقسم الى فصول من دون عناوين لها بحيث "نستطيع أن نسميها وقفات".
واوضح ان هذه الوقفات تعتبر فرصة لقارئ (المولد) كي يستريح كلما قطع مرحلة من مراحل القراءة فعندما يتوقف يردد الحاضرون دعاء بصوت مجود عال قائلين "عطر اللهم قبره الكريم بعرف شذا من صلاة وتسليم" ثم يستأنف القارئ قراءته وهكذا حتى النهاية.
وذكر ان البرزنجي يبدأ قصة المولد بالدعاء حتى يصل إلى النهاية ثم يعرض نسب الرسول الكريم في الفقرة الثانية مع ذكر مآثر أجداده ثم يستمر بعد ذلك في قراءة الفقرات التي رتبها تاريخيا منذ ميلاد الرسول مع ذكر مناقبه الشريفة وما جبل عليه من حبه للخير وحرصه على الأمة ورعايته لها إلى أن يصل الى الختام بدعاء طويل يستغرق ما يقرب من ثلاث صفحات "باسلوب مشوق جميل لا يعيبه إلا السجع الكثير الذي لم يخل سطر من سطور الكتاب منه".
واوضح ان (المالد) في الكويت له أنواع أخرى منها "تجمعات تنشد فيها أناشيد دينية متنوعة عادة ما تكون بعد صلاة العشاء وكانت ساحة البيت (الحوش) تفرش بالحصير والسجاد حيث يجلس المرددون للأناشيد على شكل صفين متقابلين ويقف في الوسط رجل كبير السن هو المنشد وكان يقرأ أجزاء من قصة المولد ثم يتلوها بنشيد طويل يتلوه بصوت عال وجميل".
وضرب مثالا على ذلك بأن المنشد عندما يصل في القصيدة إلى قوله (بشراكم يا مادحين محمدا نلتوا الهنا بالفوز والبركات) يرد الجالسون (اللهم صل عليه).
واشار الى ان فرقة الشيخ محمد الدوب كانت من أهم الفرق الخاصة ب(المالد) وأكثرها شهرة ويطلب الدوب لأداء (المالد) في المنازل وفي الديوانيات ويحتشد الناس لسماعه وله قصائد معروفة ومحفوظة في أذهان الناس ومنها القصيدة المشهورة في ذلك الوقت (صلى عليك الله يا العدناني).
وقال الغنيم ان الملا محمد الدوب كان يمزج احيانا بعض الألفاظ الدارجة التي تتعلق بأحد الصالحين مع أبيات من قصائد معروفة مثل قصيدة (الله ولي) ثم ينشد أبياتا من قصيدة (البردة) للبوصيري.
واضاف "ومن الكتب المشهورة (المادحون لرسول الله صلى الله عليه وسلم) للكاتب عبدالحميد البسيوني وهو كتاب صغير الحجم جمع بين دفتيه قصائد لعدد من الشعراء الذين مدحوا الرسول الكريم أثناء وجوده ومنهم عم رسول الله العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه".(النهاية) م ف / ا ف ب كونا231216 جمت ينا 13