رمضان تونس - 13 - 9 (كونا) -- تميز شهر رمضان المبارك هذا العام بعودة العائلات التونسية لاسيما فى البلدات والقرى والارياف الى العادات الغذائية والاستهلاكية القديمة الخاصة باعداد الكثير من المواد الغذائية باستخدام الطرق التقليدية في البيت لمواجهة زيادة الانفاق التي تصحب الشهر الفضيل.
ويلاحظ المراقب لهذه الظاهرة منذ الايام الاولى من شهر رمضان المبارك ان هذا التوجه الموجود اساسا في المنظومة الغذائية للعائلة التونسية قد ازداد قوة هذا العام لمواجهة الارتفاع الكبير فى اسعار المواد والمنتجات الغذائية المصنعة فى الاسواق والمحلات التجارية فعلى سبيل المثال زاد اقبال التونسي على مختلف انواع الخبز العربي البيتي الذي تخبزه النساء في الفرن التقليدي (التنور) او ما يطلق عليه في تونس ب(الطابونة).
والى جانب اعداد هذا الخبز التقليدي للاستهلاك العائلي فان الكثير من النساء حولن بيوتهن وافرانهن التقليدية الى (مخابز بيتية) لطهي مختلف انواع الخبز وبيعه فى رمضان الكريم بالاضافة الى مواد اخرى تشهد اقبالا خاصا في شهر رمضان المعظم كالملصوقة او ما يعرف بورق (البوريك).
ويجد هذا (الخبز الدياري) الذي يشمل حوالي 22 نوعا لاسيما خبز القمح وخبز الشعير (الكسرة) وخبز الدرع وخبز الفطير وخبز المطبقة وخبز القمح بالزعتر والاكليل والقرفة اقبالا كبيرا لدى المستهلك فيما يشكل مصدر رزق لا يستهان به خلال هذا الشهر على الاقل بالنسبة الى العائلات ذات الدخل المحدود لاسيما في القرى والارياف.
وعادت الكثير من الاسر التونسية الى الاعتماد على تقاليد الخزن او ما يطلق عليه شعبيا فى تونس ب(العولة) او (المؤونة) لتوفير المواد الاساسية المطلوبة لموائد الافطار في شهر رمضان المبارك وهي طريقة قديمة كانت معتمدة لمواجهة الازمات الطبيعية ومواسم الجفاف والحروب وغيرها من الظروف المعيشية الصعبة سابقا.

الا ان ظاهرة اعداد العولة من المواد الغذائية الاساسية واقتناء فقط بعض المواد الجاهزة من المحلات والاسواق التجارية ظلت قائمة فى عدة مناطق تونسية لاسيما بالجنوب والساحل الشرقي والوسط والشمال الغربي لتعود بقوة اكبر خلال رمضان هذا العام وفي ظل الارتفاع غير العادي للاسعار.
وتشمل العولة عدة مواد وفى مقدمتها الكسكسي الاكلة الشعبية الاولى في تونس الذي تحضره النساء جماعيا بعد طحن القمح باستخدام الرحاة ومن ثم تجفيفه حتى لا يفسد ثم يتم تخزينه في اقداح ضخمة من (الطفل) لوقايته من الرطوبة.
كما يتم اعداد العولة او (المؤونة) من شربة الشعير العادية التي يكثر استهلاكها على مائدة الافطار فى رمضان وكذلك (المخضور) الذي يتم اعداده من باكورة الشعير الاخضر في بداية موسم الحصاد.
والى جانب الحبوب تشمل (العولة) للاسرة التونسية ايضا مختلف التوابل والبهارات كالفلفل المرحي والهريسة العربي حيث تقتني النساء الفلفل الاحمر الحار من السوق او من الباعة المتجولين داخل الاحياء ثم يقمن بمساعدة الاقارب وافراد الاسرة بتشريحه وتجفيفه ثم طحن جزء منه باستخدام الرحاة واعداد الباقي ك(هريسة دياري) تقليدية.
كما يتم تكوين العولة من التوابل الرئيسية والضرورية للمطبخ التونسي اجمالا والشعبي خصوصا كالتابل والكروية والكركم والعفص والزنجبيل والبسباس وكذلك تشريح الطماطم الخضراء وتجفيفها لاستعمالها بدلا من الطماطم المصبرة المصنعة والمكلفة.
وتقوم العديد من العائلات بتجفيف وتخزين الغلال ايضا كالمشمش والتين والزبيب المستخدم مع الرمان والتمر والحلوة الشامية واللبن لاعداد (الكسكسي المسفوف) الذي يكثر استهلاكه ايضا للسحور في شهر رمضان المبارك.
وتعززت ظاهرة العودة بقوة الى (العولة) هذا العام بانتشار عدد كبير من الطواحين في مختلف انحاء الارياف وبعض البلدات بينما نشطت الكثير من النساء المختصات في اعداد العولة مقابل اجرة نظرا لان معظم السيدات من الجيل الحالي لا يعرفن كيفية اعداد العولة او المؤونة من المواد الغذائية التقليدية.

يذكر ان اغلب النساء اصبحن يقمن في السنوات الاخيرة بتحضير مرطبات وكعك العيد في بيوتهن ايضا على الطريقة التقليدية فيما انتشرت ايضا ظاهرة تحضير بعض الانواع المميزة من الكعك عند نسوة مختصات فى اعداد مرطبات العيد مقابل اجر لاسيما البقلاوة والملبس والبجاوية وكعك الورقة التي اصبحت تعرض ايضا فى محلات المرطبات العصرية باسعار عالية.
وفسر العديد من التونسيين هذا الاقبال مجددا على (العولة) البيتية لاسيما خلال رمضان هذا العام بمحاولة الاسر التونسية من الطبقة المتوسطة وذوي الدخل المحدود كمحاولة لضغط النفقات ومواجهة غلاء اسعار المواد الغذائية الجاهزة لاسيما وان مناسبات الانفاق جاءت هذا العام متتالية ومثقلة لكاهل رب الاسرة عقب موسم الافراح والنجاحات المدرسية والمصيف الذي تلاه رمضان والعودة الى المدارس وقرب حلول عيد الفطر المبارك وما يتطلبه ايضا من عيدية وحلويات وملابس جديدة لاسيما للاطفال.
ومما زاد من عودة الكثير من العائلات التونسية الى المواد الغذائية التقليدية البيتية ايضا ان الكثير من هذه المواد التي كانت تعتبر في السابق غذاء الفقراء تحول الى غذاء يشهد طلبا كبيرا على موائد الاغنياء لاسيما خلال شهر رمضان المبارك نظرا لمصدرها البيولوجي الطبيعي ونكهتها الخاصة بالاضافة الى ثبوت قيمتها الغذائية مقارنة بالمواد الغذائية المصنعة والمعلبات حيث يؤكد المختصون في التغذية انه لا توجد اية علاقة بين السعر والقيمة الغذائية بالنسبة الى معظم المواد الغذائية الاستهلاكية وهو ما ينطبق ايضا على الكثير من الخضر والغلال وحتى الاسماك واللحوم.(النهاية) ن م / م ه ا