A+ A-

جدل سياسي في الهند حول بقاء لاجئي الروهينغيا أو ترحيلهم

من ايوب تيل

نيودلهي - 24 - 11 (كونا) -- تستضيف الهند في مناطق تقطنها اغلبية مسلمة في ولايات نيودلهي وجامو وكشمير والبنغال الغربية عشرات الالاف من لاجئي الروهينغيا الفارين من العنف والاضطهاد والتهجير القسري من ميانمار المجاورة.
وطالب برلمانيون ومفكرون ومثقفون وسياسيون وممثلون عن منظمات مدنية الحكومة الهندية المركزية بضرورة تقديم المساعدات الانسانية لهؤلاء اللاجئين البالغ عددهم وفق احصاءات رسمية 40 ألف لاجئ تقريبا من بينهم 16 الفا و500 لاجئ يحملون بطاقات صادرة عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وذلك اسوة بتعامل الهند مع اللاجئين السابقين في الماضي اذ يوجد في الهند اكبر عدد من اللاجئين في آسيا.
وترددت انباء عن رغبة الحكومة المركزية اليمينية بارغام هؤلاء اللاجئين على مغادرة اراضيها وترحيلهم الا ان المحكمة العليا الهندية اتخذت موقفا متوازنا بدعوتها الحكومة المركزية ان تضع نصب عينيها موقف الهند الانساني جنبا الى جنب مع امن البلاد القومي وذلك ردا على عريضة قدمها اثنان من الروهينغيين ضد ترحيلهم المحتمل اثر تصريح برلماني عن رغبة الحكومة باجلائهم. وتعرضت الحكومة الهندية اليمينية بقيادة رئيس الوزراء نارندرا مودي لانتقادات شديدة لاتخاذها موقفا معاديا للاجئين "بسبب هويتهم الاسلامية اذ اعربت عن مخاوفها من تحول هؤلاء الروهينغيين الى ارهابيين يهددون الامن القومي" وهي ادعاءات فندها محللون سياسيون بالقول ان غالبية هؤلاء اللاجئين في الهند هم من الاطفال والنساء.
وكانت الحكومة الهندية اتخذت موقفا حيال مسألة لاجئي الروهينغيا على المستوى الاقليمي يؤكد دورها الاقليمي القيادي في المنطقة وذلك في بيان صادر عقب زيارة قام بها مودي اخيرا الى ميانمار وجاء فيه "انه من الضروري انهاء العنف واستعادة الوضع الطبيعي في الدولة بسرعة".
كما تعهدت وزيرة الشؤون الخارجية الهندية سوشما سواراج لنظيرها البنغلاديشي بأن تتكاتف بلادها مع حكومة بنغلاديش التي تؤوي الغالبية العظمى من لاجئي الروهينغيا وتعاني من قلة الموارد لتلبية احتياجاتهم الانسانية حيث قامت الهند بارسال شحنات من المواد الغذائية والمستلزمات الانسانية الاخرى الى بنغلاديش.
لكن على ما يبدو فان الحكومة الهندية اليمينية استسلمت داخليا لضغوط بعض المتطرفين من الهندوس الذين طالبوا بترحيل هؤلاء اللاجئين من الهند وهو موقف يتناقض مع السياسة الهندية التي تنص على عدم ارجاع اللاجئين الى بلدانهم في حال ثبات احتمال تعرضهم لمخاطر التمييز والاضطهاد وحتى القتل.
وتتبع الهند سياسة تتماشى مع تعهدات واتفاقيات انسانية عالمية رغم عدم توقيعها أي اتفاقية للامم المتحدة أو غيرها من الاتفاقيات الدولية التي تعالج مسألة اللاجئين اذ تتخذ الهند تقليديا موقفا مؤيدا للاجئين على الصعيد المحلي والاصرار على عدم ترحيلهم على الصعيد الدولي كما صرح به عدد من ممثليها في المنظمات والبعثات ذات الصلة.
وابدت الحكومة المركزية رغبتها في مواجهة ضغوطات المتطرفين في البلاد بطرد اللاجئين من الروهينغيا رغم عددهم الضئيل اما إلى ميانمار حيث يتعرضون حتما للتمييز أو إلى بلد ثالث الامر الذي اثار معارضة قوية من داخل البلد وخارجه.
وانتقد عدد من الشخصيات الهندية البارزة ومن بينها الحائز على جائزة نوبل أمارثيا سين ووزير الدولة للشؤون الخارجية السابق شاشي ثارور سياسة الحكومة التي تعكس رؤية معادية للمسلمين اذ قال سين ان الروهينغيا يتعرضون لابادة جماعية بطيئة فيما اشار ثارور الى ان الدستور الهندي يتضمن بنودا لحماية المضطهدين قائلا ان طرد لاجئي الروهينغيا يؤدي الى تشويه صورة الهند على الصعيد العالمي ويشكل اساءة لتراثها وتقاليدها الانسانية.
كما عارضت منظمات حقوقية وسياسيون معارضون وجماعات إسلامية بشدة خطط ترحيل لاجئي الروهينغيا لاسيما انه يتناقض مع موقف الحكومة الهندية مقارنة بمواقفها السابقة حينما استقبلت لاجئين من باكستان وبنغلاديش والتبت وسريلانكا وسوريا والعراق وأفغانستان.
ويعد مسلمو الروهينغيا من ولاية (راخين) الشمالية الغربية في ميانمار من بين أكثر الأقليات اضطهادا في العالم اذ تتعامل معهم السلطات في بلادهم كمهاجرين غير قانونيين وقامت بحرمانهم من جميع الخدمات الحكومية والتعليم وإجبارهم على الفرار من خلال التخويف والعنف الجسدي والقتل حتى ضد النساء والأطفال وكبار السن دون تمييز. واختلف المؤرخون بشأن اصل وجذور مسلمي الروهينغيا بين من يدعي ان اجدادهم استوطنوا ولاية (راخين) منذ القرن السابع ومن يدعي انهم من اصل بنغالي استقدمهم البريطانيون عمالا مستعبدين الى (بورما) ولكن المجتمع الدولي أيد قضيتهم رغم انه فشل في اتخاذ إجراءات مناسبة ازاء تلك المسألة.
وتواجه الهند وبنغلاديش اللتان تتقاسمان الحدود مع ميانمار التي تسكنها اغلبية بوذية موجات التدفق المتزايدة للاجئين من الروهينغيا بسبب سهولة اختراق الحدود المشتركة ولاعتبارات إنسانية وعبورهم إلى الدول المجاورة بعد أن تعرضوا لهجمات عسكرية ممنهجة ادت الى تطهير عرقي. وشكل بعض شبيبة الروهينغيا ممن شهدوا اضطهاد ذويهم على أيدي الجيوش والقوات شبه العسكرية وعصابات بوذية متشددة جبهة (جيش إنقاذ روهينغا أراكان) وأطلقوا حركة تقاوم الحكومة والجيش واشتركوا في كفاح مسلح ضد جيش ميانمار والقوات شبه العسكرية ما ادى الى اتخاذ موقف اشد عداوة وارتفعت اخيرا وتيرة دعوات إلى شن عمليات لتطهير المنطقة من هؤلاء.
ويقال إن سكان ولاية (راخين) المعروفة باسم (أراكان) سابقا هم من السكان الأصليين للولاية التي استوطنها أجدادهم منذ قرون ولكن بعض المؤرخين يقولون إنه تم استقدامهم إلى جانب مسلمي (أراكان) من قبل البريطانيين كعمال مستعبدين من مناطق هندية آنذاك والتي كانت بنغلاديش جزءا منها للعمل في مزارع الشاي هناك لتقليل معارضة السكان المحليين للحكم الأجنبي بتغيير ديموغرافي. ودعت الهند السلطات في ميانمار إلى ضبط النفس في التعامل مع ولاية (راخين) منذ عام 2015 وقدمت مليون دولار أمريكي إلى الدولة المجاورة كمساعدات إنسانية وبنت عشر مدارس في الولاية بيد أن المشاريع التنموية الهندية والصينية في المنطقة اعتبرت سببا اساسيا لتأييد الأعمال العسكرية الرامية إلى تطهير المنطقة من سكانها وهم أغلبية مسلمة. ويرى بعض المراقبين والمحللين السياسيين ان الحكومة الهندية الحالية باتت تتخذ موقفا لا يتفق مع القيم الانسانية العريقة ولا مع دستور الهند الذي يوفر حقوقا إنسانية للجميع مواطنا كان ام اجنبيا. (النهاية) ا ت ك / م خ