A+ A-

قمة (جي7).. البحث عن قواسم مشتركة بين الزعماء الجدد في التحالف القديم

من مهدي النمر

روما - 25 - 5 (كونا) -- تنعقد قمة مجموعة (جي7) بمدينة (تاورمينا) الساحلية غربي جزيرة صقلية في قلب المتوسط يومي 26 و27 مايو الجاري وسط تحديات متعاظمة ومشهد عالمي محموم وتغيرات سياسية داخلية عميقة يتعين من خلالها البحث عن قواسم جديدة لهذا التحالف القديم.
وتطرح القمة في ظل الرئاسة الايطالية الدورية تساؤلات كثيرة حول مدى التناغم السياسي والاستراتيجي بين الدول السبع في مواجهة القضايا الدولية الكبرى ومدى تأثير وصلاحية صيغة التحالف الاقتصادي ذاته لاسيما في ظل الادارة الأمريكية الجديدة وما يلتبس توجهاتها الاستراتيجية من غموض.
وتشهد قمة (تاورمينا) المرتقبة حضور اربعة زعماء جدد للمرة الأولى يتقدمهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي واحدثهم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وكذلك رئيس وزراء الدولة المضيفة ايطاليا باولو جينتيلوني الى جانب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تخوض انتخابات عامة وشيكة غير مضمونة.
ويعد اجتماع زعماء (جي7) التي تضم الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وايطاليا وكندا واليابان بالاضافة الى الاتحاد الأوروبي في (تاورمينا) ال43 منذ أول اجتماع للمجموعة عام 1975 في مدينة (رامبوييه) الفرنسية والذي عقد بدعوة من الرئيس الفرنسي آنذاك فاليري جيسكار ديستان.
وتأسس عقب ذلك الاجتماع تحالف للدول الصناعية انضمت اليه كندا في العام التالي من اجل بحث الأزمة الاقتصادية المالية التي اجتاحت الدول الصناعية اثر "الصدمة البترولية" التي وقعت خلال عامي 1973 و1974 في مواجهة القوة الصاعدة لتكتل الدول المنتجة للنفط واستقلال ادارة مواردها النفطية.
واتخذ التحالف السياسي الاقتصادي للدول الصناعية الكبرى صاحبة الاقتصادات الاكبر والاكثر تقدما حرف (جي) رمزا له لكلمتي (غروب) اي مجموعة باللغة الانجليزية و (غراند) أي الكبرى مع رقم 6 ثم 7 و8 رمزا لعدد الدول المشاركة. ومنذ عام 1977 انضم تجمع السوق الأوروبية المشتركة والاتحاد الأوروبي لاحقا الى اجتماعات المجموعة ثم ضمت المجموعة اليها تحت الرئاسة الايطالية في قمة نابولي عام 1994 روسيا الاتحادية في الجانب السياسي قبل أن تشارك موسكو في العام ذاته في اجتماعات المجموعة في صيغة (جي7+1) ثم (جي8) العام التالي.
كما ترأست روسيا اول قمة للمجموعة في مدينة (سان بطرسبرغ) عام 2006 وفي عام 2014 نقلت المجموعة اجتماعها المقرر في منتجع (سوتشي) الى بروكسل بعد اقصاء موسكو عن عضويتها نتيجة أزمة اقليم القرم الأوكراني الذي ضمته اليها.
ورغم التراجع الكبير في الوزن النوعي لدول المجموعة في الاقتصاد العالمي وفقدان قدراتها على توجيه دفته لصالح مجموعة العشرين ومع تعاظم وزن الاقتصادات الناشئة مازالت دول المجموعة التي تضم 3ر10 في المئة من سكان العالم تنتج 32 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي العالمي وتستحوذ على 1ر34 في المئة من الصادرات و7ر36 في المئة من الواردات على مستوى العالم.
ولا تزال (جي7) تشكل النواة الصلبة داخل مجموعة العشرين كما تعمل على تنسيق مواقفها وسياساتها لتعظيم تأثيرها داخل المجموعة في صياغة قواعد وآليات النظام الاقتصادي العالمي من خلال القمة السنوية التي تتبادل الدول الأعضاء رئاستها بشكل دوري.
وتسعى ايطاليا تحت رئاستها للمجموعة في (تاورمينا) والتي تأتي بعد شهرين من قمة الاتحاد الاوروبي التي عقدت في روما مارس الماضي الى تعزيز دورها العالمي في خضم الصراعات والأزمات الاقليمية والحروب التي تعصف بجوارها وتعبئة الاهتمام الدولي والحلفاء في مواجهة المخاطر الناجمة وفي مقدمتها ظاهرة الهجرة والارهاب.
ولذا جاء اختيار ايطاليا لمدينة (تاورمينا) المطلة على قناة صقلية في قلب المتوسط والتي تشهد تدفق افواج مئات آلاف المهاجرين ومأساة غرق المئات سنويا للتشديد على اولوية هذه القضية الى جانب حالة استمرار الصراع والتشرذم في ليبيا التي تؤرق روما وطرحها على اجندة السياسة الدولية.
ومما لاشك فيه ان يلقي اعتداء مانشستر الارهابي الذي هز الرأي العام الأوروبي بوحشيته بظلاله الكئيبة على اجتماعات (تاورمينا) التي قال رئيس الوزراء الايطالي باولو جينتيلوني ان بلاده تعمل من اجل ان تصدر القمة "اقوى رسالة ممكنة بالتزام استثنائي ومشترك ضد الارهاب".
وازاء اتساع هوة ثقة المواطنين بقدرة الحكومات على حل مشكلاتهم الحياتية وتمدد الحركات الشعبوية حددت الرئاسة الايطالية مهمة رئيسية للقمة المرتقبة تتمثل في "بناء الأسس لتجديد الثقة" على ثلاث دعائم تقوم على (حماية المواطنين) و(الاستدامة الاقتصادية والبيئية والاجتماعية والحد من عدم المساواة) و(الابتكار والمهارات والعمل في عصر ثورة إنتاجية جديدة).
ومن المتوقع ان تتناول القمة العديد من الملفات الرئيسية من الأزمات العالمية منها تحديات الطاقة ودعم الثقافة وحماية البيئة والأمن الغذائي والتغير المناخي بالاضافة الى القضايا الساخنة مثل حالة طوارئ الهجرة واستقبال اللاجئين والوضع في سوريا ومحاربة ما يسمى بتنظيم الدولة الاسلامية (داعش).
كما تتناول موضوعات الأمن والتوتر مع كوريا الشمالية وتداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الى جانب الملف الاقتصادي الاعتيادي.
ويحضر فعاليات القمة الجانبية كالمعتاد زعماء بلدان ضيوف في مقدمتهم الرئيس التونسي باجي قايد السبسي وممثلو منظمات المجتمع المدني وبعض المنظمات الدولية مثل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو).
ورغم كثافة واهمية ملفات القضايا المطروحة على القمة الرئاسية التي تعقب سلسلة من القمم الوزارية التمهيدية ينحصر الاهتمام السياسي والاعلامي في التساؤل حول موقف ادارة الرئيس الأمريكي من هذه الملفات على ضوء توجهاتها المعلنة مثل الملف المناخي وحرية التجارة ومدى قدرة القمة على بلورة قواسم مشتركة دنيا تحفظ للمجموعة دورها وربما مستقبلها. (النهاية) م ن / ا ب خ