A+ A-

مصفاة الشعيبة (أم الخير).. شمعة تنطفئ بعد تجاوزها العمر الافتراضي

مصفاة ميناء الشعيبة التابعة لشركة البترول الوطنية الكويتية
مصفاة ميناء الشعيبة التابعة لشركة البترول الوطنية الكويتية

من أسامة جلال

الكويت - 29 - 3 (كونا) -- بعد سنوات من العطاء والعمل والانجاز تخرج مصفاة ميناء الشعيبة التابعة لشركة البترول الوطنية الكويتية من الخدمة مطلع أبريل المقبل بعد انتهاء عمرها الافتراضي في صناعة تكرير النفط.
ومن المقرر ان يقام غدا الخميس حفل بمناسبة خروج المصفاة من الخدمة بحضور وزير النفط ووزير الكهرباء والماء عصام المرزوق وعدد من القيادات النفطية.
وتعتبر مصفاة ميناء الشعيبة الملقبة ب(أم الخير) والمصنفة عالميا كمحطة رئيسية في صناعة تكرير النفط مدرسة نموذجية في صناعة التكرير ومنشأة نفطية مهمة ومؤثرة في تاريخ صناعة النفط الكويتية تخرج منها عدد كبير من كبار القياديين والخبراء النفطيين ليس فقط على مستوى شركة البترول الوطنية بل على مستوى القطاع النفطي الكويتي.
ويأتي موعد اغلاق المصفاة قبل عمل مشروع الوقود البيئي المتوقع الانتهاء منه العام المقبل بفترة بغية إنجاز عمليات الربط والتجهيز بين الوحدات المعاد استخدامها ومشروع الوقود.
ومن المنتظر أن يتم استخدام منطقة الخزانات في مصفاة الشعيبة لمشروع الوقود البيئي لتخزين وشحن المنتجات النفطية بينما سيستخدم مرفق التصدير الذي هو ميناء المصفاة لتصدير منتجات الوقود البيئي.
وأعدت شركة البترول الوطنية دراسات عديدة بالتعاون مع مستشارين عالميين قبل اتخاذ قرار إغلاق المصفاة إذ أثبتت عدم جدوى التطوير أو تحديث المصفاة لقدمها وقدم التكنولوجيا المستخدمة عما هو مطبق اليوم مما يشكل تحديا كبيرا في ظل التطورات الكبيرة التي شهدتها المعايير الصناعية التي تحكم صناعة التكرير حاليا والتي من الصعب مسايرتها في منشأة بنيت منذ نحو 50 عاما.
وأكدت تلك الدراسات عدم جدوى استمرار الاستثمار في مصفاة الشعيبة بسبب عدم توفر المساحات وانعدام الفرصة للتوسع في مساحة المصفاة لأنها محاطة بصناعات أخرى من جميع الجوانب.
وحول مصير العنصر البشري والقوى العاملة في مصفاة ميناء الشعيبة أكدت شركة البترول الوطنية من قبل في تصريحات صحفية حرصها على الحفاظ عليها وتنميتها كونها أساس العمل بالشركة ومن الكوادر الوطنية المهمة.
وأضافت أن عدد العاملين في مصفاة الشعيبة يبلغ نحو 750 موظفا كويتيا وغير كويتي لافتة إلى أن لديها خطة معدة لتوزيعهم على مصافي الشركة (مصفاتي ميناء عبدالله وميناء الأحمدي ومصفاة الزور).
وأشارت الى انه يعمل في المصفاة نحو 200 موظف كويتي ضمن عقود المقاولين (القطاع الخاص) سيتم استيعابهم في العقود الأخرى بالشركة في مصفاتي ميناء عبدالله والأحمدي.
وعن مصير الوحدات التي سيتم اغلاقها أعلنت (البترول الوطنية) انها تعمل مع مستشار عالمي (شركة غولدر الإيطالية) لتقييم أنشطة بيع المصافي موضحة أنها تلقت عروضا مبدئية من عدة دول منها شركة حكومية من سريلانكا ونيجيريا إضافة إلى عروض من شركة أمريكية تعمل وسيطا.
ولدى الشركة اتصالات أيضا مع شركات في سنغافورة والهند بشأن تلك الوحدات اذ توجد شركات مهتمة بالمصفاة ككل وأخرى مهتمة بوحدات معينة مثل وحدة تقطير البرج الفراغي أو التقطير الجوي وكلها مناقشات ورغبات لم تصل لعرض شراء إلى الان.
وتم تأسيس مصفاة ميناء الشعيبة في ستينيات القرن الماضي في عهد المغفور له الشيخ صباح السالم الصباح أمير دولة الكويت آنذاك الذي وضع حجر الأساس لها عام 1966 وبدأ التشغيل الفعلي لها في منتصف عام 1968 بطاقة تكريرية بلغت 95 ألف برميل يوميا من البترول الخام بدرجة (31) طبقا لتصنيف المؤسسة الامريكية للبترول.
وتميزت المصفاة التي شيدت وفق تقنيات متطورة للغاية آنذاك بطابع فني متميز وحققت نقلة نوعية كبيرة في تاريخ صناعة التكرير العالمية كونها أول مصفاة بالعالم تعمل بالهيدروجين ويرجع ذلك إلى المستوى التقني الرفيع الذي صممت على أساسه وحدات التصنيع بها.
وكان لوحدات المعالجة بالهيدروجين في المصفاة القدرة على انتاج الديزل بمعدلات كبريت منخفضة (500 جزء من المليون) رغم انها صممت حسب متطلبات السوق الأوروبي آنذاك (1500 جزء من المليون) لكنها تمكنت من تحويل جميع انتاجها للديزل إلى ما يطلبه السوق العالمية في وقتنا الحالي مما يجعلها أول مصفاة في الكويت تنتج الديزل بمعدلات كبريت منخفضة.
وتميزت المنتجات المكررة في المصفاة بجودة عالية تتفق مع المواصفات المتطورة للأسواق العالمية إذ كانت عمليات تكرير الأنواع الثقيلة نسبيا من النفط الخام وخصوصا الأنواع ذات المحتوى الكبريتي المرتفع تتطلب تقنية معقدة ومكلفة.
وخلال السنوات الماضية تم اجراء عدة تطورات على المصفاة اذ تم رفع قدرتها التكريرية على مراحل حتى وصلت إلى 200 ألف برميل يوميا كما تم انشاء وحدات إضافية عززت قدرة المصفاة لضمان استمرارية عملها بنفس مستوى الكفاءة.
ومرت المصفاة بعدة مراحل ومحطات تاريخية منذ إنشائها منها تصدير أول شحنة من انتاج المصفاة إلى السوق اليابانية في التاسع من مايو 1968 كما حققت المصفاة في عام 1971 نجاحا مشرفا في تشغيل جميع وحداتها بالكامل بعد صعوبات واجهت تشغيل بعض الوحدات وكان لجهود مهندسي الشركة الأثر الكبير في تخطي هذه المرحلة وإنجاز تشغيل جميع وحدات المصفاة.
ومن المحطات المهمة في تاريخ مصفاة الشعيبة مشروع توسعتها لترتفع طاقتها الانتاجية إلى 195 ألف برميل يوميا منتصف 1975 وأعقب ذلك تنفيذ مجموعة من المشاريع الهامة منها بناء وحدة التكسير الهيدروجيني وتوسعة وتحديث رصيف الزيت في ميناء الشعيبة ومشروع ربط مصفاتي الشعيبة وميناء الأحمدي.
وفي 30 يونيو عام 1981 تعرضت مصفاة ميناء الشعيبة إلى حريق مفاجئ إذ اشتعلت النيران في أحد خزانات النافثا فيها وعملت فرق إطفاء الشركة وفرق الإطفاء العام على مكافحة النيران التي استمرت لأكثر من ثلاثة أيام وأدى الحريق إلى توقف المصفاة عن العمل لمدة 36 يوما.
وكباقي المنشآت النفطية الكويتية تعرضت مصفاة ميناء الشعيبة لعمليات تخريب واسعة خلال كارثة الغزو العراقي كان لها تأثير كبير عليها ولكن بسواعد المخلصين تم إعادة اعمار المصفاة.
ومما لا شك فيه ان مصفاة ميناء الشعيبة إرث عظيم لشركة البترول الوطنية الكويتية منذ إنشاء الشركة عام 1960 إلا أن اقتصاديات المنشآت والمشاريع تتطلب إغلاق المصفاة في الاول من ابريل 2017 فوداعا بعد كل هذه السنوات من العطاء. (النهاية) أ س ج / ه ث / أ م ح