A+ A-

قرية (قائد الانسانية) تحتضن أسر ضحايا زلزال (وان) التركية

جانب من قرية (قائد الانسانية) في مدينة (وان) شرقي تركيا
جانب من قرية (قائد الانسانية) في مدينة (وان) شرقي تركيا

من رضا سردار

وان (تركيا) - 3 - 12 (كونا) -- امتدت جهود دولة الكويت الانسانية في تقديم المساعدات للمحتاجين حول العالم لتطال عشرات الأسر التركية التي كانت تحلم بسكن لائق بعد أن دمر زلزال (وان) مساكنهم بالمدينة الوادعة قبل خمسة أعوام مخلفا ضحايا بالمئات فكانت الكويت بلسما لجراح وآلام متضرري الزلزال.
وعانى الناجون خلال تلك الفترة مرارة اللجوء داخل ربوع طالما ألفوها وألفتهم لكنها تنكرت لهم في لحظة مفصلية من تاريخهم فكان لا بد من مخلص يعيد علاقتهم بالمكان الذي طالما أحبوه وعاشوا فيه زهو الشباب وكانت أرضه مراتع للصبا ومواطن الأحبة.
وارتسمت البسمة أخيرا على محيا أرامل وأيتام مدينة (وان) التركية وبدأ الأمل يحدوهم من جديد بعد الانتهاء من مشروع قرية (قائد الإنسانية) لإيواء المتضررين من الزلزال الذي دمر المدينة أواخر عام 2011.
وكانت اللحظة تاريخية بالنسبة لمن عانوا الأمرين في سبيل الحصول على سكن لائق يقيهم حرارة الصيف وزمهرير الشتاء حيث تتضاعف المعاناة بسبب تساقط الثلوج والأمطار وتشتد الحاجة أكثر من أي وقت آخر لملجأ مناسب يقي صاحبه تقلبات مناخ المنطقة القاسي.
وكان الأهالي عاشوا فترة عصيبة في مرحلة ما بعد الزلزال كانوا يتنقلون خلالها من خيمة إلى حاوية تارة ومن شقة مستأجرة إلى سكن مع الأقارب وبعض ذوي القلوب الرحيمة تارة أخرى.
ونتج عن ذلك الزلزال المدمر آثار اجتماعية ونفسية ألقت بظلالها على الأرامل والأيتام بشكل خاص وتضاعفت معاناة الأمهات وهن يفكرن في مستقبل وإعالة أبنائهن الذين عانى الكثير منهم من آثار الزلزال المدمرة من جهة والتفكير في الحصول على سكن يتوفر على مقومات الحياة لهن ولأطفالهن من جهة ثانية.
ولم يستطع الأهالي المتضررون تحريك ساكن فاستسلموا لمصيرهم ورأوا أن هذا قدرهم فكان عزاؤهم الوحيد دوام الصبر لعل المولى عز وجل يسخر لهم من ينقذهم من تلك المعاناة ويخرجهم منها.
وكعادتها دائما في الاستجابة للعمل الخيري والإنساني والإغاثي لبت دولة الكويت نداء الأرامل والأيتام بعد أن وجه سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية لتنفيذ مشروع على مرحلتين لإيواء المتضررين من الزلزال بالتعاون مع مؤسسة الإغاثة الانسانية التركية.
وتضمنت المرحلة الأولى بناء بيوت جاهزة للسكن مساحة كل منها 21 مترا وبتكلفة إجمالية بلغت 5ر1 مليون دولار أمريكي شملت التأثيث لإيواء متضرري الزلزال بشكل مؤقت إلى حين بناء سكن دائم.
وفي المرحلة الثانية تم بناء أربع عمارات سكنية تضم 64 وحدة سكنية مساحة الواحدة منها مئة متر مربع وتحتوي على ثلاث غرف وصالة وحمامين ومطبخ للسكن الدائم ومركز اجتماعي لإيواء المتضررين.
واستفاد من المشروع أفراد أكثر من 80 عائلة تضررت من الزلزال حيث لغت تكلفته الإجمالية 650ر2 مليون دولار أمريكي وتم الافتتاح في نوفمبر 2014 تزامنا مع تتويج سمو أمير البلاد (قائدا للعمل الانساني) ودولة الكويت (مركزا للعمل الانساني).
وبدأت رحلة نسيان آثار الزلزال المدمر بالنسبة للأرامل والأيتام لحظة استلام المسكن الجديد وبدا ذلك جليا عندما دخلنا القرية حيث كانت مظاهر الحياة التي تدب من جديد بادية للعيان ونسي أطفالها وهم يلعبون بالثلج قساوة ظروفهم الحالكة التي عاشوها.
وأعرب عدد من أسر ضحايا الزلزال في لقاءات متفرقة مع وكالة الأنباء الكويتية (كونا) عن امتنانهم وتقديرهم لدولة الكويت أميرا وحكومة وشعبا على إنشاء قرية (قائد الانسانية).
وقالت نزاهت كرامان إنها تدعو بالحفظ والسلامة دائما للكويت وأميرها وشعبها على منحهم هذا المسكن الدافئ "والذي حمانا من البرد الشديد ولن ننسى وقوفهم معنا".
وأضافت أن عائلتها المكونة من ثلاثة أولاد بعدما فقدت زوجها العام الماضي في حادث مروري كانت تعيش في بيت صغير تدمر نتيجة الزلزال القوي بعدها انتقلت للعيش في بيت مؤقت إلى ان تم تخصيص شقة سكنية لها ولأيتامها ضمن مشروع (قائد الإنسانية).
وشبهت كرامان حصولها على المسكن الجديد ب"الخيال" الذي لم تكن تتوقعه معربة عن سعادتها وسرورها وأطفالها الذين غمرتهم الفرحة وأنستهم فقدان والدهم وهم يتمتعون أخيرا في بيت سيحتضنهم الى الابد.
وأكدت أن حصولها على البيت شكل بالنسبة لها النور الذي أضاء آخر النفق والأمل الجديد لمستقبل وحياة أفضل بعد أيام صعبة للغاية عاشتها مع أسرتها بعد الزلزال.
من جانبها أعربت هديه كارا عن شكرها لسمو أمير البلاد والشعب الكويتي من خلال دعمهم لإنشاء هذا المشروع الإنساني الذي احتضن عشرات من أرامل وأيتام متضرري زلزال (وان).
وأوضحت انها عاشت وطفليها في ظروف صعبة للغاية لا تتوفر فيها أبسط مقومات الحياة وكانت أكبر وأهم مشكلة عدم وجود مسكن ملائم إلى جانب معاناة طفليها اللذين حرما من فرصة الذهاب إلى المدرسة.
وأشارت الى أنها كانت تسكن في غرفة صغيرة تضم مطبخا وحماما لكنها لا تقي حرا ولا بردا حيث يظل النوم بالنسبة لهم مشكلة رئيسية أيام البرد قبل أن تحصل على البيت الجديد وانضم ولداها إلى المدرسة وبدأت حياة طبيعية بعد أن عانت مع ابنيها العديد من الظروف الصعبة.
ولفتت الى أن حصولها على البيت كان من الصدف الجميلة حيث ان إحدى جاراتها من الأرامل هي من وجهتها الى مؤسسة الإغاثة الإنسانية التركية المشرفة على المشروع من أجل تقديم طلب الحصول على سكن وهو ما قامت به وتم منحها سكنا بني خصيصا لمثيلاتها من الأرامل.
بدورها أكدت اصليهان كاهرامان أنها تتوجه يوميا بالدعاء لدولة الكويت وتركيا وللهيئة الخيرية الإسلامية العالمية ومؤسسة الإغاثة الانسانية التركية على مساعدتهم في توفير سكن دائم لها ولأيتامها الستة.
وبينت أنها كانت تسكن في بيت بمركز المدينة تدمر إثر الزلزال الشديد وانتقلت الى بلدة أخرى في (وان) حيث عانت من مشاكل كثيرة منها صعوبة توفير الطعام لأولادها وقيمة ايجار البيت.
وثمنت جهود سمو أمير البلاد ودولة الكويت والهيئتين الكويتية والتركية على الدعم الذي تتلقاه وأيتامها مشيرة إلى أن مؤسسة الإغاثة التركية توفر لها سلة غذائية كل شهر وتحصل على مبلغ كافل يتيم وراتب من الدولة.
من جهتهن أكدت المسؤولات المتطوعات لرعاية الأرامل والأيتام في قرية (قائد الإنسانية) أهمية الدعم المعنوي والنفسي للأطفال الذين تأثروا نتيجة الزلزال والمعاناة التي أعقبته مشيرين إلى أنه تم تخصيص برامج لتدريب الأرامل على الخياطة وتعليمهن القراءة والكتابة وتنظيم دورة لحفظ القرآن للأيتام.
وأوضحن أن الهدف من هذا المركز تمكين الأرامل والأيتام من تخطي هذه المحنة وتقوية الإرادة والعزيمة لديهم للانطلاق من جديد وخلق روابط صداقة بين المعلمات والأمهات.
يذكر أن مدينة (وان) شرقي تركيا والمتاخمة للحدود الإيرانية تعرضت لزلزال مدمر في 23 أكتوبر 2011 بلغت شدته 2ر7 درجة على مقياس ريختر وأسفر عن مقتل 644 شخصا وإصابة 4152 آخرين وتدمير 2262 بيتا.
ولدولة الكويت ومؤسساتها دور كبير في دعم العمل الإغاثي والإنساني الذي لاقى استحسان المجتمع الدولي وتوج هذا الاستحقاق بإقامة الأمم المتحدة احتفالية بمقرها في نيويورك في التاسع من سبتمبر 2014 لتكريم سمو أمير البلاد وتسمية سموه (قائدا للعمل الانساني) واختيار الكويت (مركزا للعمل الانساني) تقديرا لجهود سموه في نصرة القضايا الانسانية والدور الإنساني الكبير الذي تؤديه الكويت في مجال العمل الإنساني بافة أنحاء العالم.
وتواصل دولة الكويت وشعبها عطاءهما اللامحدود في اغاثة المحتاجين والمنكوبين جراء الحروب أو الكوارث الطبيعية في جميع انحاء العالم فيما يواصل الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية تمويل مشاريع في الدول العربية والدول النامية في شتى المجالات لتطوير اقتصاداتها.
وأدى سمو أمير البلاد دورا مهما وحاسما في الجانب الانساني للأزمة السورية منذ بدايتها من خلال استضافة دولة الكويت ثلاث مؤتمرات للمانحين لدعم الوضع الانساني في سوريا ثم مشاركته في ترؤس المؤتمر الرابع الذي عقد بالعاصمة البريطانية لندن في فبراير الماضي.
وترأس سمو أمير البلاد أيضا وفد دولة الكويت بالقمة العالمية للعمل الانساني في مدينة اسطنبول التركية خلال شهر مايو الماضي وقمة القادة لمناقشة أوضاع اللاجئين في مقر الامم المتحدة بمدينة نيويورك في سبتمبر الماضي.
وأنشأت الكويت قرية لإيواء اللاجئين السوريين بتوجيهات من سمو أمير البلاد في مدينة (كليس) جنوبي تركيا ضمت 1248 بيتا جاهزا الى جانب بناء وتجهيز مدارس ومراكز طبية ومساجد ومركز للخدمات الاجتماعية بالمستلزمات الضرورية.
وساهمت الهيئة الخيرية الاسلامية العالمية وبيت الزكاة الكويتي وجمعية النجاة الخيرية وجمعية الهلال الأحمر الكويتية والرحمة العالمية بجمعية الاصلاح الاجتماعي ومتبرعون من شعب الكويت المعطاء في تسيير قوافل مساعدات انسانية الى الشعب السوري في الداخل وفي مخيمات اللاجئين في دول الجوار.
كما أجرى فريق الشفاء الكويتي الانساني في نوفمبر 2015 عمليات جراحية للمصابين جراء الحرب في سوريا بمستشفى الأمل في بلدة (الريحانية) بمدينة (هاطاي) جنوبي تركيا. (النهاية) ر س / ر ج