A+ A-

الغناء الريفي العراقي فن يتوارى مع تغير الواقع في العراق

من علاء الهويجل

بغداد - 28 - 9 (كونا) -- لا يذكر الطرب في العراق الا والغناء الريفي الشعبي ركن اساسي منه بما يحمله من شجن وعذوبة ونقاء بيد ان هذا الفن الذي عرف به ابناء الريف والاهوار في جنوب البلاد بدأ يندثر شيئا فشيئا بسبب تغير الظروف الاجتماعية والتحولات السياسية التي تعصف بالعراق حاليا.
والغناء الريفي كما يدل من اسمه هو غناء ابناء الريف والاهوار في جنوب العراق حيث تمتزج القصيدة الغنائية بلكنتها الجنوبية البسيطة بأطوار موسيقية خاصة عادة ما تعزف بآلالات بسيطة ابرزها الناي والطبلة ليشكل ذلك المزيج صورة وصفية مكتملة لحياة الريف البسيطة وقصص العشق العذري فيه.
غير ان هذا اللون من الغناء بدا يخبو شيئا فشيئا في العراق الجديد ولم تعد الساحة الفنية العراقية تحفل بالجديد منه في انعكاس على ما يبدو للعديد من التغييرات الاجتماعية التي يشهدها هذا البلد المضطرب منذ سنوات.
وقال المؤلف الموسيقي العراقي سليم سالم لوكالة الانباء الكويتية (كونا) بهذا الصدد "لم يعد الغناء الريفي فاعلا وظاهرا في معظم وسائل الاعلام المرئية والمسموعة وقد انحسر اداؤه واقتصر على القليل من النوادي الليلية والحفلات الخاصة هنا وهناك".
ورأى ان السبب في ذلك يعود الى عدم اهتمام المؤسسات الفنية ذات العلاقة ومنها معهد الدراسات الموسيقية التابع لوزارة الثقافة العراقية بديمومة هذا الفن التراثي الجميل والحفاظ عليه والتي كان يفترض بها ان توثق تاريخه وتحيي تراث فنانيه الراحلين.
وتابع قائلا "كل ذلك يضاف له انشغال الدولة بالحروب التي خاضها العراق مؤخرا والتي كان من اهم اهدافها طمس الثقافة العراقية بأي وسيلة والتي يعد الغناء الريفي جزءا منها". ولم يغفل سالم عن تأثير المد الديني في العراق بعد التغيير الذي شهدته البلاد في عام 2003 حيث تسببت ما وصفها بالفتاوى الخاطئة في ابتعاد الناس عن اي نشاط غنائي لا يحمل الصبغة الدينية. الا انه استدرك قائلا "ان الامر الايجابي في هذا الشأن هو ان المد الديني جاء بالاناشيد والترانيم الدينية التي تعتمد بشكل كبير جدا على اطوار الغناء الريفي" مضيفا "رب ضارة نافعة فقد تم الحفاظ على ديمومة تلك الاطوار من حيث لا يعلم من كان يؤدي تلك الاناشيد والتي تسمى شعبيا بالردات واللطميات ".
واوضح ان الغناء الريفي يؤدى باطوار غنائية مختلفة منها ما ينسب الى المدينة التي جاء منها مثل طور الشطراوي المنسوب الى مدينة الشطرة والحياوي المنسوب الى مدينة الحي فضلا عن اطوار اخرى نسبت الى مطربين ريفيين كبار مثل طور الطويرجاوي نسبة الى المطرب عبدالامير الطويرجاوي وهناك طور الصبي نسبة الى الديانة الصابئية المندائية في العراق وغيرها الكثير.
وقال ان معظم اطوار الغناء الريفي تغنى ضمن مقامات (البيات) و(الصبا) و(ذي الكردين) و(الحجاز) و(الصبا زمزي ) و(المخالف) و(الهزام) وغيرها.
بدوره رأى رئيس جمعية الموسيقيين العراقيين عبدالرزاق العزاوي في تصريح مماثل ل(كونا) ان انحدار ذوق العامة وانتشار موجة الاغاني الهابطة اسهم بتراجع الغناء الريفي الاصيل والذي فضل تسميته بالغناء الجنوبي كونه بزغ وانتشر في جنوب البلاد قبل اي مكان اخر.
وأوضح ان البيئة نفسها التي ولدت هذا الفن ومنحته اسمها وهي البيئة الريفية صارت تنحسر شيئا فشيئا "فالاهوار جففت ابان حكم النظام السابق في تسعينيات القرن الماضي وقضي على معظم ملامحها اضافة الى تحول العديد من القرى الريفية مع التطور الى المدنية وانخراطها في دوامة العولمة كل تلك الامور غيبت البيئة الحاضنة لهذا الفن".
ولفت الى ان هوية الغناء الريفي يجب ان تبقى خالدة لانها علامة مضيئة تذكر المستمع باهوار الجنوب وبريفه وبالارض المعطاء والطيور والطبيعة والغزل مضيفا "وكل تلك وجدانيات اجاد هذا النوع من الغناء تجسيدها". وكان التلفزيون العراقي الرسمي في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي يخصص اوقاتا محددة لبث الغناء الريفي واقامة الحفلات الخاصة به في الوقت الذي نشطت مكاتب التسجيلات الاهلية انذاك بتسجيل وتوزيع العديد من الحفلات الريفية.
ويشكل الغناء الريفي جزءا من فسيفساء فنية في العراق المتنوع تضم كذلك الجالغي البغدادي المنسوب لاهل بغداد والغناء البدوي المنسوب للمحافظات الغربية بالاضافة الى الغناء الكردي في شمال البلاد.
ويبقى رهان الكثير من المراقبين الموسيقيين في العراق على ان اغاني كبيرة مثل (يمه يايمه) لداخل حسن و(لو عاشرتهم) لناصر حكيم و(عمي يبياع الورد) لحضيري ابوعزيز و(مرينا بيكم حمد) لياس خضر وغيرها الكثير تبقى عصية على النسيان ومبعث الهام لانطلاقات جديدة لهذا الفن الراقي بعد عودة الاستقرار لبلاد النهرين والاهوار.(النهاية) ع ح ه / س ع م