A+ A-

الشراكة الأورو-متوسطية بين الماضي والحاضر ورهانات المستقبل بعد 20 عاما على انطلاقها

الشراكة الأورو-متوسطية بين الماضي والحاضر ورهانات المستقبل بعد 20 عاما على انطلاقها

من هنادي وطفة

مدريد - 27 - 11 (كونا) -- يصادف اليوم الجمعة مرور 20 عاما على انطلاق الشراكة الأوروبية المتوسطية التي جاءت تتويجا لجهود أوروبية سعت لاعادة صياغة العلاقات العربية الأوروبية في ضوء ازدياد المصالح بين الجانبين وتغير النظام العالمي وحاجة الطرفين لتفعيل جوانب التآزر بشتى المجالات.
وجاء (اعلان برشلونة) عام 1995 بمثابة نقلة نوعية في العلاقات العربية الأوروبية إذ تم التحول من علاقات التعاون إلى علاقات الشراكة ضمن إطار قانوني تعاقدي وآلية تفاوض منحت العلاقات بين الطرفين بعدا جديدا ضمن إطار علاقة شاملة تضمنت الجوانب الاقتصادية والأمنية السياسية والثقافية والاجتماعية.
وهدف (اعلان برشلونة) إلى تشجيع الشراكة في ثلاثة مجالات أساسية تجسد أولها في الحوار السياسي والأمني بهدف إقامة منطقة مشتركة للسلام والاستقرار على أساس احترام حقوق الإنسان والديمقراطية وتمثل ثانيها في الشراكة الاقتصادية والمالية والعمل التدريجي لإنشاء منطقة تجارة حرة ودعم عملية التحول الاقتصادي في البلدان الشريكة فيما اهتم ثالثها بالشراكة الاجتماعية والثقافية والبشرية لتشجيع التفاهم بين الشعوب والثقافات.
وسعى الإعلان الذي جاء باقتراح إسباني باختصار إلى جعل المنطقة الاورو-متوسطية مساحة للتعاون تتقاسم فيها الدول الأعضاء ثمار علاقة أكثر ازدهارا وتماسكا في أول سياسة شاملة يضعها الاتحاد الأوروبي للتعاون مع جيرانه في جنوب شرق حوض البحر الأبيض المتوسط لتحقيق السلام والاستقرار والنمو في البلدان المتوسطية الشريكة.
غير ان تلك العملية أخفقت في تحقيق الأهداف المرجوة منها وفشلت في مساعيها لأسباب عدة منها افتقارها للأسس الثقافية والتاريخية وعدم الاهتمام بالخصوصية التي يتميز بها الفضاء المتوسطي وكونها شراكة غير متكافئة سعت فيها الدول الأوروبية إلى فرض وصاية على جيرانها جنوب المتوسط والهيمنة على دينامية العلاقة والتعامل مع البلدان العربية فرادى تنافيا مع أسس الشراكة.
وفي إطار المساعي لإعادة إحياء تلك العملية ومنحها نبضا جديدا جاءت مبادرة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي في عام 2008 لإنشاء (اتحاد الدول المتوسطية) في محاولة منه لإبراز الدور الفرنسي على الساحة الدولية والمتوسطية ووضع إطار جديد لتطوير مسار برشلونة غير ان ذلك لاقى انتقادات من دول شمال المتوسط ولا سيما ألمانيا التي رفضت اقتصار عضوية الاتحاد المقترح على الدول المطلة على المتوسط واستبعاد الدول غير المطلة على شواطئه.
وانتهى المطاف بتسمية المبادرة ب (الاتحاد من أجل المتوسط) لتمرير مشاركة دول الاتحاد الأوروبي ال28 إلى جانب بلدان عربية بالإضافة إلى تركيا وإسرائيل ومنطقة البلقان في خطوة اثارت الجدل والنقاش واختلاف الآراء حول فاعليتها وجدواها.
وتأسس (الاتحاد من أجل المتوسط) على ايدي 43 رئيس دولة وحكومة أورو-متوسطية في (قمة باريس) مطلع شهر يوليو 2008 ليكون امتدادا ل(عملية برشلونة) فيما انشئت الأمانة العامة للاتحاد من أجل المتوسط بقرار من رؤساء دول وحكومات الاتحاد في الرابع من شهر نوفمبر 2008 في مرسيليا واعتمد نظامها الأساسي في مارس 2010.
وفي بداية الأمر تولى السياسي الأردني الدكتور أحمد مساعدة الأمانة العامة الأولى للمنظمة في مارس من العام نفسه لغاية شهر فبراير عام 2011 فيما تولاها المغربي يوسف العمراني في يوليو حتى يناير 2012 قبل ان يتولاها الدبلوماسي المغربي فتح الله السجلماسي في مارس 2012 حتى الآن بعد ان تم تجديد ولايته في دسيمبر 2014.
ويتولى الأردن والاتحاد الأوروبي الرئاسة المشتركة للاتحاد الذي يعتزم تشكيل إطار للعلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين الاتحاد الأوروبي وبلدان جنوب وشرق المتوسط ويسعى لإنشاء منطقة للسلام والاستقرار والأمن والازدهار الاقتصادي المشترك والاحترام الكامل للمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الأساسية إلى جانب تشجيع التفاهم بين الثقافات والحضارات في المنطقة الأورو-متوسطية.
ويعد (الاتحاد من أجل المتوسط) منظمة حكومية دولية تجمع بين أعضاء الاتحاد الأوروبي و15 بلدا من الساحلين الجنوبي والشرقي للبحر المتوسط فيما يعد هيكلا دائما مكرسا للشراكة المتوسطية الحكومية الدولية يخول الحوار الإقليمي بين الدول الأعضاء وأصحاب المصالح لتعزيز أوجه التآزر فيما بينها والترويج لمشاريع ومبادرات التعاون ذات الأثر المباشر على حياة المواطنين.
وتسعى المنظمة إلى توفير منصة للحوار بشأن السياسات وتبادل أفكار المشاريع والتجارب وأفضل الممارسات بين الحكومات والمؤسسات الدولية الرئيسية وهياكل التعاون وأن تكون منبرا فريدا من نوعه لبلورة الأولويات الإقليمية والبت في مبادرات التعاون المعينة التي يتم تنفيذها.
ويتم تنفيذ المشاريع والمبادرات في إطار الاتحاد من أجل المتوسط ضمن ثلاث استراتيجيات رئيسية هي التنمية المستدامة من جهة والتوظيف وفرص العمل للشباب من جهة أخرى إلى جانب النمو المجتمعي والتمكين الاجتماعي والاقتصادي للمرأة.
ومن أهم الأهداف الاستراتيجية للمنظمة إيجاد فرص عمل وتنمية الاعمال وتعزيز التعليم العالي والبحث العلمي ودعم تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتسيير النقل برا وبحرا وتشجيع المشاريع الخضرية المستدامة والمبتكرة وزيارة تطوير الطاقة والتصدي لتغيير المناخ إلى جانب تعزيز مشاريع المياه وتحقيق المساوة بين الجنسين.
وتتخذ المنظمة من مدينة (برشلونة) الاسبانية مقرا لأمانتها العامة منذ مايو 2010 بموجب اتفاق منحت من خلاله الحكومة الاسبانية المنظمة الامتيازات والحصانات التي تتمتع بها المنظمات الدولية بموجب القوانين الإسبانية.
ويعمل 60 موظفا في مقر الأمانة العامة التي تعد المنصة التشغيلية للاتحاد التي توضع فيها القرارات السياسية موضع التنفيذ وتعد فيها المشاريع الإقليمية المحددة بمساندة الحكومات والبرلمانيين.
وعقدت المنظمة أكثر من ثمانية مؤتمرات وزارية منذ عام 2013 وتشرف حاليا على 33 مشروعا تتوزع في أنحاء المنطقة بموازنة تبلغ أكثر من خمسة مليارات يورو فيما يوجد لديها أكثر من 80 مشروعا آخر قيد الدراسة كما عقدت أكثر من 60 اجتماعا رفيعا خلال تلك الفترة حضرها أكثر من 2900 خبير ومختص.
وفي حقيقة الامر تكتسب فكرة (الاتحاد من أجل المتوسط) حاليا وبكل هياكلها الضخمة أهمية متنامية أكثر من أي وقت مضى في ضوء التحديات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية باعتبارها المنصة القادرة على حشد جميع الأطراف للحوار وحل المشكلات القائمة التي ترهق دول جنوب المتوسط وتنعكس سلبا على الدول الشمالية غير ان ذلك يفتقر لصدى قوي ملموس على أرض الواقع.
ويمكن تلخيص جوهر الشراكة في معادلة دقيقة تتضمن استعداد الاتحاد الأوروبي لتقديم معونة مالية كبيرة لدول جنوب المتوسط مقابل التزام هذه الأخيرة بأمور رئيسية تتجسد في إعادة هيكلة البنى الاقتصادية والاجتماعية بما يتواءم مع آليات السوق وتحرير التجارة وفتح الأسواق إلى جانب مكافحة الأصولية الإسلامية والحد من الهجرة غير الشرعية.
ولا يمكن في حقيقة الأمر إنكار الأهداف السياسية والأمنية التي تقف خلف مبادرات الشراكة الأوروبية المتوسطية لا سيما ان تدفق المساعدات في اتجاه واحد يهدف بالدرجة الأولى الى مساعدة بلدان جنوب المتوسط على إدارة الازمات واحتوائها وعدم السماح بتصديرها إلى شمال المتوسط.
ويبدو واضحا ان الشراكة تنحصر عمليا وبالدرجة الأولى في منع الصراعات لا الاسهام في حل الصراعات القائمة كما هو الأمر في حالة الصراع الإسرائيلي العربي وقضية الصحراء الغربية يضاف إليها أمر شديد الأهمية هو العجز في دفع التعاون البيني بين الدول العربية (جنوب - جنوب) في شتى المجالات والفشل في إقامة شراكة إقليمية شاملة رغم المشاريع الكثيرة الموضوعة في ضوء غياب العلاقات المتكافئة في المعادلة بين الطرفين.
ولا بد من التأكيد في هذا السياق على قصور التعاون والتكامل الإقليمي بين البلدان الاورو-متوسطية لا سيما في مجال التجارة بين دول جنوب المتوسط حيث انها لا تمثل أكثر من خمسة بالمئة من اجمالي تجارتها الخارجية لتشكل بذلك احد أكبر تحديات المنظمة.
وتعد تلك الأرقام المتواضعة عقبة حقيقية في وجه التنمية الاجتماعية والاقتصادية وبالتالي أمام الاستقرار في المنطقة كما انها تحد من إمكانيات التعامل مع واحدة من أكبر التحديات في منطقة جنوب المتوسط وهي البطالة بين الشباب.
وبناء على ذلك لا بد من إعادة النظر في نهج تعامل المنظمة والبلدان الشمالية مع القضايا الراهنة في المنطقة والتطلع إليها بنظرة أكثر عمقا وتحليلا بعيدا عن المصالح الفردية قصيرة أو بعيدة المدى وإرساء أسس ثابتة للشراكة لبلورة إطار إقليمي للتعامل مع تحديات المنطقة الأورو-متوسطية والنهوض بها إلى المستوى المرجو منذ 20 عاما. (النهاية) ه ن د / ر ج