A+ A-

الإشاعات..سلاح فعال في الحروب وتسارع التكنولوجيا يستوجب تفنيدها بسرعة وشفافية

من خلود العنزي

الكويت - 3 - 8 (كونا) -- لطالما كانت الإشاعات سلاحا نفسيا فعالا تتغذى عليه الحروب ويعتمد عليها الخصوم بعضهم ضد بعض لما تحمله من تأثير كبير في تفكيك تماسك مجتمع الخصم وزيادة وهنه وزعزعة أمنه وضرب استقراره.
ويتعدد تعريف الإشاعة لكن في المجمل يركز على أنها معلومات أو أفكار يتناقلها الناس دون أن تكون مستندة إلى مصدر موثوق به يشهد بصحتها أو الترويج لخبر مختلق لا أساس له من الواقع أو يحتوي جزءا ضئيلا من الحقيقة أو كل قضية أو عبارة يجري تداولهاوتكون قابلة للتصديق دون أن تكون هناك معايير أكيدة لصدقيتها.
ويحذر المتخصصون والمعنيون من خطر الإشاعات لاسيما مع زيادة وتيرة التقدم التكنولوجي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي حيث تتمثل أبرز أهدافها في تحطيم الروح المعنوية وبث التفرقة في صفوف المجتمع وزرع اليأس وروح الاستسلام في نفوس أفراده وإضعاف جبهته الداخلية ما يسهل على العدو التوصل إلى أهدافه بسرعة.
ويرى المتخصصون أن للشائعات أبعادا متعددة تمثل في مجملها خطرا على كيان المجتمع موضحين أن التكنولوجيا الحديثة وخصوصا وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في سرعة انتشار الإشاعات ما يستوجب بالتوازي سرعة التعامل معها بالسرعة ذاتها والرد عليها وتفنيدها وتقديم المعلومات الصحيحة بكل شفافية ودقة.
وقال أستاذ علم الاجتماع في جامعة الكويت الدكتور يعقوب الكندري لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) إن الإشاعات آفة اجتماعية تجب مواجهتها والحد من انتشارها.
وأضاف الكندري أن الإشاعات تتضمن أخبارا كاذبة يبثها شخص أو عدة أشخاص وتنتشر في المجتمع بسرعة لتشكل خطرا على كيانه في معظم الأحيان موضحا أنها تنقسم إلى إشاعة دائمة طويلة المدى أي تنتشر بشكل كبير وتهدد أمن المجتمع واستقراره وإشاعات مؤقتة تنتشر بشكل بسيط وتنتهي بسرعة دون أثر واضح.
وذكر أن هناك إشاعات متعمدة تصدر أحيانا من جهات القرار لقياس الرأي العام تجاه قرار معين وإشاعات غير مقصودة من خلال كلمات تصدر عن أشخاص بغير قصد ويتناقلها الآخرون بطريقة مختلفة وكلما زادت رقعتها الجغرافية انحرفت عن مقاصدها الحقيقية.
وبين أن للشائعات أبعادا سياسية واجتماعية واقتصادية واجتماعية ودينية تؤثر على المجتمع واستقراره وكيانه وتساهم في خلق مفاهيم سلبية مثل الفئوية والمذهبية وزعزعة الأمن لافتا إلى أن عدم الاستقرار السياسي يؤثر سلبا على استقرار باقي جوانب الحياة.
وشدد الكندري على ضرورة التصدي للإشاعات من قبل جميع الأجهزة الأمنية والإعلامية من خلال الشفافية والسرعة في بث الأخبار الصحيحة والصادقة.
وقال ان بث الشائعة ظاهرة لاتقتصر على مجتمع معين بل تمتد إلى كل المجتمعات لكنها تكون نسبية من مجتمع إلى آخر وفق قدرة الأجهزة المسؤولة على مواجهتها وردعها.
وعزا أسباب انتشار الإشاعات إلى ضعف الوازع الديني والتربية الأسرية واللامبالاة في نقل الأخبار وتداولها دون التحقق من صحتها والتفكير في عواقبها ناهيك عن الوسائل التكنولوجية الحديثة وأهمها وسائل التواصل الاجتماعي.
ولفت إلى دراسات حديثة أثبتت أن التكنولوجيا والأجهزة الحديثة تستخدم في الكويت بشكل كبير مما يساهم في سرعة انتشار الشائعات مؤكدا أهمية مواجهتها بسرعة تضاهي سرعة انتشارها بكل شفافية ودقة حتى تسقط الإشاعة وتموت في مهدها.
ولا يقتصر خطر الإشاعة على الجانب الاجتماعي بل يمتد ليشكل خطرا أمنيا وهو ما تلحظه القوانين والدساتير متضمنة عقوبات ضد مطلقي الإشاعات بما من شأنه تحصين المجتمع من هذه الآفة.
وقال المدير العام للادارة العامة للعلاقات والإعلام الأمني بوزارة الداخلية العميد عادل الحشاش ل(كونا) إن الإشاعات من الناحية الأمنية تعتبر ترويجا لخبر مختلق وكاذب أو تعمد المبالغة في خبر فيه جانب ضئيل من الحقيقة.
وأوضح الحشاش أن الإشاعات تؤدي إلى إثارة الخوف والرعب وزعزعة الأمن وشق الصف والوحدة الوطنية مضيفا أن الإجراءات الأمنية المتبعة بهذا الصدد تنبع بالأساس من القانون الذي حدد الإجراءات والعقوبات ضد كل من يقوم بنشر الإشاعات والبلاغات الكاذبة ويعمل على ترديدها.
وذكر أن إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية التابعة للإدارة العامة للمباحث الجنائية تتعامل بكفاءة وجدية مع الإشاعات لاسيما لجهة تعقب ومتابعة ما ينشر ويتردد من إشاعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو غيرها وإحالة مرتكبيها للعدالة.
ولفت إلى المادة 145 من قانون الجزاء رقم 16 لسنة 1960 بشأن البلاغ الكاذب سواء كان شفويا أم كتابيا والتي تنص على الحبس والغرامة أو احداهما.
وبين أن القانون رقم 31 لسنة 1970 عدل بعض أحكام قانون الجزاء رقم 16 لسنة 1960 التي تنص المادة رقم 15 منه على عقوبة الحبس لمن يذيع أخبارا كاذبة أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة حول الأوضاع الداخلية للبلاد.

 وعن تعامل إدارة الإعلام الأمني مع الإشاعات أوضح أن استراتيجية الإعلام الأمني تعتمد على دقة المتابعة وسرعة الاستجابة والتعامل بالحقائق والمعلومات سواء بالنفي أو التوضيح أو الإثبات عبر وسائل الإعلام بكل مصداقية وشفافية.
   وأضاف أنه على الرغم من أهمية وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها تمثل أوسع وسائل الاتصال انتشارا واستخداما في العالم فإن البعض يسيء استخدامها في نشر وترديد الإشاعات مبينا أن تلك الوسائل أصبحت عبئا وهاجسا بالنسبة لأجهزة الأمن لما تسببه من إزعاج للسلطات والأفراد والمجتمع.
   وأشار إلى أن الإعلام الأمني قطع أشواطا كبيرة في اعتماد هذه الوسائل الحديثة واستخدامها لنقل رسالة الأمن في الرد على الأكاذيب ودحض الشائعات وتوضيح الحقائق لئلا تتسع أو يصل تأثيرها إلى درجة زعزعة أمن الوطن وأمان المواطنين.
   وبشأن تعاطي وزارة الداخلية مع الأحداث الكبرى وما يصاحبها من إشاعات استعرض الحشاش تجربة تعامل الوزارة مع التفجير الإرهابي في مسجد الإمام الصادق مبينا أن الحادث الاجرامي رافقته منذ اللحظة الأولى إشاعات حول الضحايا وعددهم وأسباب الانفجار وأسلوب تعامل الدولة وأجهزة الأمن معه للكشف عن الفاعلين وغيرها من تساؤلات وأقاويل.
   وأضاف أن تلك الاشاعات خفت وتيرتها مع البيان الذي أعقب الحادث مباشرة لاسيما بعد وجود كبار رجالات الدولة وعلى رأسهم سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح.
   ونبه الحشاش إلى خطورة ما شهدته الكويت في الآونة الأخيرة من تريد للبلاغات الكاذبة عن سيارات مفخخة وعبوات ناسفة ورسائل تهديد وعبارات وشعارات إرهابية أو الادعاء بصلة أاشخاص بالجماعات الإرهابية مبينا أنه عقب ضبط المتهمين بالبلاغات الكاذبة ادعوا أنها مجرد دعابة بقصد التسلية أو لوجود خلافات وعداءات شخصية للانتقام.
   وحذر المواطنين والمقيمين من مغبة الانسياق وراء ارتكاب مثل هذا العبث واللامبالاة مبينا أن هذا الأمر يعرضهم للملاحقة القانونية ومساءلة أولياء أمورهم وتحميلهم جزءا من المسؤولية في مراقبة ومنع أبنائهم من ارتكاب هذه الأعمال المنحرفة التي يعاقب عليها القانون.
   وعلى الرغم من خطورة الإشاعات على أمن واستقرار المجتمع لكن ليس هناك في الكويت من قانون خاص للتعامل مع الإشاعات بل جاءت النصوص القانونية في قوانين متعددة.
   وفي هذا الشأن قال مستشار وزير العدل المحامي نواف الشرقاوي ل(كونا) أن الكويت تفتقر إلى قانون خاص بتجريم الإشاعات بل هناك قوانين تناولت تجريم نشر أي أخبار كاذبة أو غير حقيقية.
   وأضاف الشرقاوي أن القوانين تناولت أيضا الوقائع الحقيقية التي تم الحصول عليها بدون حق أو خلسة أو الاستيلاء عليها بطريقة غير مشروعة وجاء ذلك تحديدا في القانون رقم 3 لسنة 2006 بشأن المطبوعات والنشر وقانون رقم 9 لسنة 2001 بشأن إساءة استعمال أجهزة الاتصالات الهاتفية وأجهزة التنصت.
   وأضاف أن القانون الكويتي يعاقب بالحبس وبغرامة مالية أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعمد الإساءة أو التشهير بغيره أو بالتهديد أو الابتزاز أو المساس بالأعراض أو التحريض على الفسق والفجور مبينا أنه يحكم في جميع الأحوال بمصادرة أجهزة ووسائل الاتصالات أو غيرها مما استخدم في ارتكاب الجريمة.
   ولفت إلى أن القانون يفرض عقوبات لمن يتطاول على الآخرين ومن ثم يعطي الحق للمجني عليهم سواء كانوا أشخاصا اعتباريين كالوزارات أو المؤسسات أو الأشخاص الطبيعيين الحق في اللجوء إلى القضاء لمن يتناولهم بالأخبار الكاذبة.
   وعن خطورة الشائعات أفاد بأنها تكمن في مساهمتها في نشر البغضاء بين أفراد المجتمع تمهيدا لتدمير استقراره من خلال نشر الفتن وتفكيك وحدته بحيث يصبح ممزقا وشعبا تضعف معنوياته مبينا أن الإشاعات غالبا ما تكون من شخص أو إعلام أو من رسالة أو شريط مسجل أو الإنترنت فهذه الوسائل هي طرف تناقل الأخبار بين الناس.
   وأعرب الشرقاوي عن الأمل في أن يكون أفراد المجتمع الكويتي أكثر دقة في نقل المعلومات والأخبار وألا ينجرفوا وراء الشائعات لأنها مرض عضال يصيب الأمة وتؤدي إلى الفتن وإشاعة الفوضى وزعزعة الأمن. (النهاية)

   خ ن ع / ت ب