A+ A-

زيارة لاريجاني للعراق حملت معها ملفات مهمة للتعاون في مجالات عدة

من محمد الغزي

بغداد - 25 - 12 (كونا) -- حملت زيارة رئيس مجلس الشورى الاسلامي الايراني علي لاريجاني الاخيرة للعراق معها ملفات مهمة للتعاون في مجالات الامن ومكافحة الارهاب والاقتصاد والطاقة و النفط اضافة الى الرغبة في طي ملفات قديمة والانطلاق بعلاقات البلدين الى مرحلة جديدة.
لاريجاني الذي يعرف الطريق الى العراق جيدا توقف في النجف قبيل بغداد والتقى هناك مراجع الدين وفي مقدمتهم المرجع الديني علي السيستاني ومن هناك اكد "ان القضاء على الارهاب يتطلب تعاون جميع الدول الاسلامية مع الحكومة العراقية لاجتثاث جذوره في أسرع وقت ممكن".
وحمل خطاب لاريجاني في النجف دعوة لجميع الدول الاسلامية للتعاون مع بغداد لاجتثاث تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) مؤكدا ان الكثير من الدول باتت اليوم متفهمة لحساسيات المنطقة وخطر الارهاب وهذا ما يعد بحد ذاته خطوة الى الامام في هذه الحرب.
الا انه شدد على ضرورة ان تجري الدول التي وقفت الى جانب الشعب العراقي واعلنت موقفها الرافض لهذه الجماعات مزيدا من التشاور حول سبل مكافحة الارهاب.
وبين النجف وبغداد وخلال يوم واحد بات الخطاب اكثر وضوحا حيث كشف لاريجاني المنخرطة بلاده في قتال (داعش) عن "اجراءات عملية لدعم العراق ضد داعش" لكنه لم يشر الى طبيعتها.
واكتفى قائلا امام الصحفيين عقب لقائه رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري الذي كان واقفا بجواره ان طهران ستدعم ما تقوم به بعض الدول في هذا الشأن لكنه لم يشر "صراحة" الى قيام طائرات ايرانية بقصف مواقع التنظيم على الاراضي العراقية.
في مقابل ذلك اكد الجبوري ضرورة الفصل بين "مفهومي التدخل والتعاون" وقال ان العراق رغم حاجته لدعم وتعاون الاشقاء والاصدقاء فانه يرفض تماما اي تدخل في شؤونه الداخلية.
وشدد على ان "استقرار المنطقة يكمن في استقرار العراق وان ذلك يصب في مصلحة ايران كما يصب في مصلحة بقية دول الجوار".
وقال "ان أي تدخل خارجي في الشأن العراقي لمحاولة التأثير سلبا على السلم الأهلي وعلى سلامة الاراضي العراقية سينعكس على الأمن الاقليمي لكل الدول المجاورة لها ..في ايام نحن بأحوج ما نكون للتعاون في مواجهة عدو يهدد المنطقة بأسرها بأمنها واقتصادها وحدودها وسلامة اراضيها وحتى على النسيج الاجتماعي في المنطقة".
لكن لقاء لاريجاني بالرئيس فؤاد معصوم كان في منحى اخر حيث جدد الاخير شكره لايران على دعمها للعراق لاسيما في حربه ضد الارهاب موضحا ان ايران كانت من أولى الدول التي مدت يد العون والمساندة للشعب العراقي في التصدي لتنظيم (داعش) فيما اكد لاريجاني استمرار دعم بلاده للشعب العراقي في مكافحة الارهاب.
وبينما لم يشر لاريجاني الى طبيعة هذا الدعم تحدثت تقارير عراقية عن مشاركة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني في قيادة فصائل من متطوعي الحشد الشعبي لمواجهة (داعش) وهو الامر الذي نفاه وزير الدفاع الايراني حسين دهقان.
واكد دهقان ان الجنرال قاسم سليماني موجود في العراق فقط للاشراف على عمليات تقديم الاستشارات العسكرية اللازمة وتدريب القوات العراقية.
وقال أن طهران التي تدعم الحكومة العراقية في حربها ضد الإرهاب ترى أنه لاحاجة لتدخل بري حاليا في العراق لكنه حذر من ان بلاده ستتدخل في حال هددت العتبات الدينية المقدسة التي تعتبر خطا أحمر وستعمل على حفظ هذا الأمن حتى خارج حدود ايران.
وليست هذه المرة الأولى التي تحذر ايران من انها ستتدخل في حال هددت العتبات الدينية بالعراق حيث كشف نائب وزير الدفاع الإيراني رضا طلابي في وقت سابق عن وجود تنسيق بين طهران وبغداد في هذا الشأن يسمح للقوات الإيرانية بالدخول الى العراق.
وفي طهران أبدى وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري خلال زيارته الاخيرة لطهران عدم معارضة بلاده لشن طهران ضربات جوية ضد تنظيم (داعش) على الاراضي العراقية.

لكن الموقف مع التدخلات الايرانية لا ينظر اليها بعين واحدة في العراق فهناك قطاع كبير من الساسة العراقيين رغم ايمانهم بان طهران لاعب كبير فانهم يرفضون تدخلها في الشأن العراقي ويرونها مسؤولة عن تحريك الكثير من الفصائل المسلحة في العراق.
ويرى رئيس الكتلة النيابية لتحالف القوى العراقية احمد المساري " ان اكثر الدلائل تؤكد وجود قادة عسكريين ايرانيين على الاراضي العراقية تحت ذرائع عدة من بينها حماية العتبات الدينية".
واطلق تحذيرات من السماح بدخول الايرانيين الى العراق بدعوى ما اسماه "الجهاد" لان هذا يدخل العراق في نفق مظلم ويحول الاراضي العراقية الى مسرح دموي للاقتتال " فيما نحن العراقيون نواجه عدوا واحدا متطرفا اسمه داعش يستهدف مكونات العراق كافة".
ودعا المساري ايران الى تقديم مساعدة حقيقية للعراق في موضوع المصالحة الوطنية التي يحتاجها العراق في حربه ضد الارهاب.
وهذا ما يذهب اليه رئيس مجلس النواب العراقي الذي اكد امام لاريجاني صراحة ان " تقسيم المنطقة على اساس فئوي يصب مباشرة في صالح العدو المشترك لنا جميعا .. وان اشعال فتيل النزاعات الطائفية سيضر الجميع".
وفي مقابل ذلك هناك قطاع كبير من نواب التحالف الوطني العراقي الداعم لرئيس الوزراء حيدر العبادي لا يجد في هذا الدعم اي حرج.
وبينما اكد مسؤولون في منظمة (بدر) اهمية دور ايران في دعم جهود العراق في مكافحة الارهاب دعت الكتلة الوطنية التي يتزعمها اياد علاوي نائب رئيس الجمهورية الى اغتنام فرصة وجود لاريجاني لحثه على المساعدة في تحقيق المصالحة الوطنية.
من جانبه اكد حزب الفضيلة حرصه على تطوير العلاقات بين العراق وايران لافتا الى موقف ايران القوي والداعم للعراق في حربه ضد تنظيم داعش فيما رأى التحالف الكردستاني زيارة لاريجاني فرصة مهمة لتطوير العلاقات بين البلدين.
وسبقت زيارة لاريجاني للعراق اعلان دعم صريح لحكومة العبادي حيث اعتبر امين المجلس الاعلى للأمن القومي الايراني علي شمخاني أن تغيير رئيس الوزراء السابق نوري المالكي جعل موقف بلاده اقوى في الشرق الاوسط.
وكانت ايران قد ابدت ايضا على لسان المتحدثة باسم الخارجية الايرانية مرضية افخم ارتياحها للانتصارات الاخيرة التي حققتها قوات الجيش العراقي والحشد الشعبي في مكافحة "الإرهاب" فيما اعربت عن أملها بتحقيق "النصر النهائي" على تنظيم "داعش".
وليس الامن ومكافحة الارهاب وحده محور مباحثات لاريجاني في العراق بل ان من أبرز المسائل التي تم التداول بها تتمحور حول الواقع الاقتصادي الذي تمر به المنطقة وانخفاض أسعار النفط وتأثيرها على الحياة الاقتصادية والاجتماعية باعتبار أن العراق وإيران أصابهما الضرر من ذلك.
واعتبر لاريجاني انخفاض أسعار النفط قضية " تآمرية " مؤكدا أن بلاده ستتجاوز الأزمة وتقلل من آثارها بالتعاون الثنائي مع العراق.
وقبل ذلك اكد وزير الخارجية الإيراني محمد ظريف لدى لقائه رئيس مجلس النواب العراقي إن " دول المنطقة لا تفعل ما فيه الكفاية لدعم أسعار النفط المتهاوية التي أدت إلى خفض إيرادات الدولة في إيران بمقدار النصف تقريبا في ستة أشهر".
وتعرض اقتصاد العراق مثلما إيران لمزيد من الضغوط من جراء هبوط أسعار النفط وهو ما اثر على الموازنة العراقية التي بلغت اقرت بواقع 123 ترليون دينار عراقي (ما يعادل 102 مليار دولار امريكي) خرجت بعد مخاض طويل بعجز قارب ال 20 مليار دولار.
وكان مجلس الوزراء ورئاسة مجلس النواب ورئاسة الجمهورية العراقية قد قررت العمل بمشروع الادخار الاجباري لجميع اعضائها في اطار سياسة تقشف تتبعها الحكومة العراقية وذلك استجابة لتوصية من خبراء الاقتصاد واللجنة المالية البرلمانية الى الحكومة بتخفيض التخصيصات الممنوحة الى الرئاسات الثلاث الى 90 في المئة بالموازنة.
والشراكة العراقية الايرانية في مواجهة تحديات انخفاض اسعار النفط ترافقه شراكة اقتصادية حيث يبلغ حجم التعاون الاقتصادي بين العراق وايران 12 مليار دولار بحسب نائب رئيس الوزراء العراقي روز نوري شاويس ووزير الشؤون الاقتصادية والمالية الإيراني علي طيب نيا اللذين اوضحا ان هذا "التعاون يشمل الترانزيت وصادرات الكهرباء والغاز من إيران إلى العراق وصادرات الخدمات الفنية والهندسية" فيا يسعى البلدان الى ربط سككي من شأنه ان ينمي هذا التعاون.
ومن اجل تنمية هذا التعاون يحرص البلدان على طي صفحات الماضي وفي مقدمتها اثار الحرب والحدود واتفاقية الجزائر التي خولت الحكومة العراقية وزارة الخارجية بالتفاوض مع ايران بشأن الحدود بدلا من اتفاقية الجزائر وايجاد حل شامل لها.
يذكر ان اتفاقية الجزائر التي وقعت في 6 مارس عام 1975 أعادت رسم حدود العراق مع إيران في ذلك الوقت وأعطت إيران النصف الشرقي لقضاء شط العرب إلا أن العراق ألغى هذه الاتفاقية في عام 1980 بعد سقوط حكم الشاه الأمر الذي أشعل حرب الخليج الأولى والتي امتدت الى ثماني سنوات.
وفي محاولة لتعزيز نجاح زيارة لاريجاني ودعم التوجه بطي صفحة الماضي رافق الزيارة اعلان وزارة حقوق الإنسان أسماء 219 رفاتا من ضحايا الحرب العراقية الإيرانية الذين تم العثور عليهم في البصرة وميسان والسليمانية بعد اعمال حفر مشتركة في محافظتي البصرة والسليمانية.(النهاية) م ح غ/ ع م