A+ A-

(المكتبة الاسلامية) في اسبانيا منارة ثقافية عربية في قلب أوروبا تهددها الأزمات

جانب من محتويات المكتبة الاسلامية في اسبانيا
جانب من محتويات المكتبة الاسلامية في اسبانيا

 من هنادي وطفة

مدريد - 10 - 12 (كونا) -- تعد (المكتبة الاسلامية) في اسبانيا احدى اهم المكتبات الاسلامية الكبرى المتخصصة في اوروبا حيث تضم نحو مئة ألف كتاب ومخطوط ووثيقة بما يجعلها صرحا ثقافيا عربيا واسلاميا في قلب اوروبا يضم كنوزا من الكتب التاريخية القيمة والوثائق النفيسة التي رفدت الدارسين والمستعربين على مدار عقود من الزمن.
وكالة الانباء الكويتية (كونا) زارت اليوم المكتبة حيث التقت مديرتها لويسا مورا فياريخو واطلعت على ما تحتويه من كنوز اسلامية نادرة.
وأعربت فياريخو ل(كونا) عن سعادتها بالاعلام الكويتي خاصة أن الكويت من أكثر المهتمين بمساعدة هذه المكتبة وتمكينها من الصمود والبقاء.
لكنها اشارت ايضا الى تخوف نظرا لان نبض هذا المكتبة ومقرها وسط العاصمة مدريد يعاني اليوم اضطرابا نظرا لتقليص ميزانيتها بنسبة 75 بالمئة عن العام الماضي وتقليص عدد موظفيها بنسبة 50 بالمئة.
ورأت ان هذا التقليص المزدوج يحد من توسع آفاق المكتبة ويهدد استمرارها بوصفها مشعلا للثقافة الاسلامية في اسبانيا كما يقوض اركانها كتراث ثقافي انساني ومرجع تاريخي يستحق الاهتمام والنشر والربط مع المؤسسات الثقافية في الدول العربية.
وقالت ان (المكتبة الاسلامية) جوهرة متخصصة وفريدة تحوي الافا من الكتب التاريخية القيمة وتشكل حلقة وصل بين الدراسين والباحثين في مجال الثقافة الاسلامية والعربية مع ثقافة تلك البلدان وتاريخها الحافل بالاحداث ومراحل تطورها عبر الزمن.
والمحت الى ان المكتبة التي اسسها اليسوعي فيليكس ماريا باريخا الباحث في العلوم الاسلامية في عام 1945 لتوفير الدعم للمستعربين الاسبان والاجانب المتخصصين في البحث في الثقافة العربية والاسلامية عانت خلال السنوات الاخيرة بسبب اقتطاع جزء كبير من موازنتها الأمر الذي بات يهدد استمرارها بالشكل الحالي ويحد من قدرتها على الاستجابة لحاجات الباحثين ومتطلباتهم في اسبانيا.
واوضحت ان مخصصات المكتبة التابعة للوكالة الاسبانية للتعاون الدولي في وزارة الخارجية الاسبانية انخفضت إلى 50 الف يورو في عام 2012 بعد أن كانت تصل إلى 200 الف يورو في عام 2008 مشيرة الى ان ذلك أدى الى تراجع قدرتها على اقتناء كتب ومؤلفات جديدة ونكوص نشاطاتها والحد من جودة خدماتها.
وذكرت انه الى جانب ذلك فقد انخفض عدد الموظفين العاملين فيها بنسبة 50 بالمئة ليقتصر على اربعة موظفين فقط يقومون بمهام الارشفة وتحضير قوائم المراجع وتوثيق مضامين الكتب والمجلات وتحديث الموقع الالكتروني واعداد منشورات دورية لاطلاع المستخدمين على احدث المقتنيات والخدمات والنشاطات الثقافية.
ورغم تلك الصعوبات فان مديرة المكتبة تؤكد الصمود بفضل مجموعة من الأمور أولها اصرار روادها من المتخصصين والباحثين على بقائها اضافة الى التضامن الكبير معها والذي يتمثل بارتفاع مطرد لأعداد الكتب المهداة اليها من مؤسسات وافراد ومتخصصين بالثقافة الاسبانية والعربية والإسلامية الذين يهدون مكتباتهم الخاصة كاملة للمكتبة الاسلامية.
واشارت الى أن المكتبة تحصل ايضا على كتب ومؤلفات ومنشوارت جديدة عبر التبادل مع مؤسسات ثقافية ومكتبات اخرى داخل اسبانيا وخارجها.
والمحت الى ان المكتبة حظيت كذلك بتبرعات سخية من الكويت الى جانب دول عربية اخرى على رأسها المملكة العربية السعودية ولبنان والمغرب ومصر والعراق وسوريا.
وأكدت ان المكتبة بحاجة ماسة الى دعم من نوع آخر هو الدعم الاعلامي للتعريف بها على نطاق واسع بما يتيح لجميع المهتمين والدارسين والمستعربين في شتى البلاد معرفة ما تحتضنه المكتبة من كتب قيمة تستعرض تاريخ وثقافة وتطور عدة بلدان عربية واسلامية.
ورأت ان ذلك يمكن ان يتحقق ايضا عبر اقامة نشاطات ثقافية وترجمة قائمة موجوداتها الى لغات اخرى الى جانب تعزيز التبادل مع مؤسسات مكتبية مختصة لاسيما في البلاد العربية والاسلامية.
من جانبها قالت المسؤولة عن الخدمات الفنية والفهرسة في المكتبة ميرين ابارا في حديث مماثل ل(كونا) ان خزانة المكتبة الاسلامية تضم اليوم نحو مئة الف كتاب بينها كتب نادرة منها ما هو مخطوط ومنها ما هو وثائق تاريخية ومجلات علمية.
ورأت ان هذه الوثائق العلمية تمكن المكتبة من الاسهام بواجب حفظ الذاكرة التاريخية والثقافية للشعوب العربية والاسلامية ولاسيما في الدول التي عانت بسبب عدم الاستقرار خلال السنوات المنصرمة وعلى رأسها فلسطين والعراق.
وشددت على ان المكتبة تشهد اليوم مرحلة مفعمة بالتغييرات تهدف بشكل اساسي الى التعريف بها على نطاق اوسع داخل البلاد وخارجها عبر استغلال التقنيات الحديثة وكذلك التأقلم مع اخر التطورات في هذا المجال للوصول الى اكبر عدد ممكن من المستخدمين الشباب وتلبية احتياجاتهم وتشجيع اقبالهم عليها.

وخلال زيارة المكتبة لاحظت (كونا) وجود مجموعة كبيرة من الرواد المتخصصين من مختلف الجنسيات وهم منهمكون في البحث والتنقيب في بطون الكتب.
واجمع هؤلاء الباحثون والاكاديميون في تصريحات متفرقة ل(كونا) على أن مكتبة مدريد الاسلامية كانت ومازالت بستانا خصبا للمعرفة وموئلا للعلم والثقافة ومقصدا لدارسي الثقافة العربية والتاريخ الاسلامي ليس الان فقط بل منذ عدة عقود.
وشدد هؤلاء على ان دعم المكتبة ولفت نظر المسؤولين الى اهمية مؤازرة العمل الثقافي في اي مكان يعد واجبا انسانيا يقع على عاتق المثقفين.
ومن جانبها قالت الكاتبة والاكاديمية العراقية الاصل باهرة عبداللطيف ان الدارسين كانوا يترددون بانتظام على المكتبة منذ سنوات طويلة وقبل انطلاق عصر الانترنت لقراءة الدوريات العربية الشهرية والفصلية اولا باول وهو ما كان يعد ترفا حقيقيا للمقيمين في مدريد.
واعتبرت عبداللطيف ان المكتبة تمثل اليوم ما يشبه الملتقى الثقافي والحضاري الذي يؤمه المستعربون و"المتأسبنون" حيث تؤدي دورا مزدوجا نحو الثقافتين منبهة الى ان جميع المستعربين والمهتمين بالثقافة العربية والاسلامية مروا بالمكتبة خلال ال40 عاما الماضية فيما يمر بها اليوم الطلاب الجامعيون لتطوير معارفهم وإثرائها.
ونوهت بثراء المكتبة التي لا تتمتع برصيد كبير ليس من الكتب العربية فحسب بل بمؤلفات ومخطوطات وكتب من دول اسلامية مثل تركيا والهند وايران فضلا عن الكتب الكثيرة التي تتناول الثقافتين العربية والاسلامية بلغات اخرى ولاسيما الانجليزية والفرنسية والألمانية وسواها من اللغات ويعود تاريخ اقدمها الى عام 1545.
وذكرت أن المكتبة تضم نفائس المؤلفات ككتاب الأغاني لأبي الفرج الاصفهاني ومقامات بديع الزمان الهمذاني وصحيح البخاري وسواها من عيون التراث العربي والاسلامي إلى جانب كتابات كبار المستعربين كبلاشير وليفي بروفينسال ودوزي وآربيري فضلا عن كتب وأعمال أساتذة مدارس الاستعراب الاسباني من أمثال كوديرا وريبيرا وآسين بالاثيوس وغونثالث بالانثيا وأميليو غارثيا غوميث وصولا الى مؤلفات المستعربين المعاصرين كالبروفيسور بيدرو مارتينيث مونتابيث وفيديريكو كورينتي وعشرات المستعربين المهتمين بقضايا العالمين العربي والإسلامي المعاصرة.
وشددت عبداللطيف على ضرورة دعم المكتبة في الظروف المالية الصعبة التي تمر بها وذلك عبر رفدها بمزيد من الكتب سواء الالكترونية او الورقية وربطها بشبكات مختلف المكتبات الوطنية العربية لتعميم الفائدة وتعميقها.
ولفتت الى امكانية تنظيم فعاليات ثنائية مع المكتبات ودور النشر العربية ليستفيد منها طلبة الجامعات العربية ويتمكنوا من الاطلاع على ما تكتنزه من كتب ثمينة.
من جانبه قال الاستاذ في قسم الدراسات العربية والاسلامية في جامعة (اوتونوما) بمدريد الدكتور وليد صالح الخليفة ان المكتبة الاسلامية تعد واحدة من اهم المكتبات المتخصصة في اوروبا ذلك بفضل الكمية الكبيرة من الكتب القيمة والمخطوطات القديمة المتوفرة فيها.
واشار الى ان اهمية المكتبة لا تنبع من خدماتها فحسب بل من نوعية الكتب والمخطوطات التي تقدمها للمهتمين والتي تستحق كل الدعم.
وقال انه يتردد على المكتبة منذ وصوله الى اسبانيا مشيرا الى انها كانت له رافدا مهما في اعداد رسالة الدكتوراه والعديد من كتبه التي تتناول مختلف القضايا العربية والاسلامية.
وشدد على ان مكتبة مدريد الاسلامية وفرت له كما وفرت لكثير من الباحثين العرب والاجانب كما هائلا ومتنوعا من الكتب في شتى الاختصاصات.
ومضى الى القول ان هذه المكتبة ما انفكت تثير اهتمام الدارسين من كافة الشرائح العمرية مشيرا في هذا السياق الى انه كتب خلال السنوات الماضية مئات رسائل التوصية لطلابه ليتمكنوا من الحصول على بطاقة المكتبة والتمتع بخدماتها.
ولهذه الاسباب فقد اعرب عن الاسف للوضع الحالي الذي تمر به المكتبة لما تعانيه بسبب الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها ما ادى الى تقليص قدرتها على إغناء ذاتها.
ومن جانبه قال المترجم الاسباني رودريغو ديلكو الذي يتردد على المكتبة بشكل شبه يومي ومنذ اربع سنوات متخذا منها مقرا للبحث والعمل نظرا لما تحتويه من معاجم وقواميس وموسوعات متخصصة "ان المكتبة تعد ذخرا للمترجمين والباحثين في مجال الثقافة الاسلامية والعربية لاسيما انها توفر مجموعة مهمة من الكتب والمجلات والدرويات المتنوعة".
غير ان ديلكو اشار متحسرا الى تراجع المقتنيات الجديدة للمكتبة خلال الفترة الاخيرة مقارنة مع السنوات الماضية.
كما لفت الى ان انخفاض مستوى الخدمات التي كانت تقدمها سابقا أضر برواد المكتبة نظرا لتقليص عدد موظفيها بشكل ملحوظ.
ولم يكتم ديلكو حزنه وغضبه في ختام حديثه على ما آلت إليه أوضاع المكتبة الاسلامية في مدريد مطالبا برعايتها ودعمها.
واعرب في الوقت نفسه عن تخوفه مما يضمر المستقبل لهذه المكتبة الفاخرة محذرا مما سيؤول اليه حالها مع استمرار الاقتطاعات المالية من ميزانيتها الامر الذي سيؤثر بالتأكيد على تراجع دورها التاريخي أكثر فأكثر بعد ان كانت صرحا ثقافيا ومنارة عربية واسلامية في العاصمة الاسبانية مدريد.(النهاية) ه ن د / ط أ ب