A+ A-

الغنيم.. المناسبات الدينية ترافقت في الكويت قديما مع احياء (المالد) لقراءة السيرة النبوية الشريفة


   الكويت - 8 - 8 (كونا) -- ترافقت المناسبات الدينية عند اهل الكويت قديما وخصوصا المولد النبوي الشريف وليلة الاسراء والمعراج مع احتفال أو تجمع لاحياء مثل هذه الايام المباركة ومنها تأدية (المالد) او (المولد) كما يطلق عليه في بعض الدول العربية والاسلامية حيث تقدم نصوص من السيرة النبوية الشريفة والاناشيد والمدائح الدينية.
   وقال الكاتب والباحث في تاريخ الكويت الدكتور يعقوب الغنيم لوكالة الانباء الكويتية (كونا) اليوم ان النصوص او الاناشيد والمدائح كانت تؤدى في (المالد) دون أدوات موسيقية وباللغة العربية الفصحى غالبا ويرد الحاضرون على مقدمه وهم ينشدون (حي الله) ويترافق ذلك مع نهاية كل بيت بالانحناء الى الأمام وترديد كلمة (حي) قبل ان يعتدلوا أثناء ذكر اسم الله عز وجل.
   واضاف الدكتور الغنيم ان كلمة (المالد) المتداولة كانت تدل على تجمع بعض الناس لقراءة ما كتبه (البرزنجي) عن المولد النبوي الشريف لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما تطلق هذه التسمية على الأوراق التي تتضمن الحديث عن المولد وهي من تأليف جعفر البرزنجي (زين الدين جعفر بن حسن البرزنجي المتوفى سنة 1764 وعرف بأنه فقيه أديب من أهل المدينة المنورة ولد ونشأ وتوفي فيها).
   واوضح ان هناك جلسات تسمى (المالد) أو المولد أيضا دون ان تتعلق بزمن معين ويقوم بها أشخاص اعتادوا حضور مثل هذه الجلسات وترديد المدائح والاناشيد الدينية فيها كما يقوم بأمرها رجال لكل واحد منهم مهمته الخاصة به اثناء الجلسة.
   وبين ان الكويتيين كانوا يبدون اهتماما بالمناسبات الدينية خصوصا المولد النبوي الشريف ويحتفلون بها سنويا من خلال قراءة قصة المولد النبوي الشريف سواء في المساجد اوالديوانيات او المكاتب اوالمنازل.
   وقال الدكتور الغنيم ان الاحتفال لم يكن مقتصرا على الرجال فقط بل النساء والاطفال وكانت المدارس تعطل حيث كان أئمة المساجد يقرأون قصة المولد النبوي مساء اليوم الذي يصادف ال12 من شهر ربيع الأول عدا مسجد واحد هو مسجد (المديرس) الذي كانت تروى فيه في ال18 من الشهر نفسه حيث كان يسير على رواية اخرى تذكر ان المولد الشريف صادف ال 18 من  ربيع الاول.
   وذكر ان هذا المسجد كان اكثر ما يكون امتلاء في تلك الليلة مع تميز امام المسجد بصوت جميل وقراءة متأنية كما كان لكتاب يقرأه أولئك الأئمة شهرة كبيرة وهو كتاب (المولد) للبرزنجي حيث كانت القراءة تمتد من بعد صلاة العشاءالى ساعة متأخرة ليلا.
   وبين ان القهوة المرة اوالحلوة والشاي كانت تقدم للمستمعين في هذه الاجواء وعادة ما يتبرع بها سكان المنازل المحيطة بالمسجد وهو أمر قائم في مساجد الكويت في المناسبات الاحتفالية ومنها أوقات صلاة القيام خلال شهر رمضان المبارك.
   واشار الى أن من بين المساجد التي كان الناس ايضا يسارعون اليها من أجل سماع قصة المولد النبوي الشريف مسجد الساير الشرقي الذي ما يزال قائما وهو مطل على مبنى قصر العدل وأنشئ سنة 1884.
   وقال الدكتور الغنيم ان من اشهر الائمة الذين كانوا يقرأون للبرزنجي ويضيفوا عليها بعض الأناشيد بصوت شجي وأداء معبر هو الشيخ الملا محمود بن الملا محمد وهو من السكان القريبين من فريج الشاوي في احدى ضواحيه القائمة غربا.
   وبين ان هذه العادة اي (عادة قراءة البرزنجي) انقطعت عن مساجد الكويت كافة الآن وتم الاكتفاء بالحفل السنوي الرسمي الذي تقيمه دائرة الأوقاف والشؤون الاسلامية.
   واشار الى أن قراءة المولد للبرزنجي "يبدو انها كانت قديمة هنا ومما يذكر في هذه السبيل ما أورده الشيخ يوسف بن عيسى القناعي عندما كتب عن نشأة المدرسة المباركية والأسباب التي دعت الى ذلك ضمن حديثه عما تم في سنة 1910".
   واستذكر الدكتور الغنيم حادثة متصلة "حيث كان الشيخ محمد بن جنيدل يقرأ البرزنجي وكان المجلس محتشدا بالمستمعين فلما انتهى المولد قام المرحوم السيد ياسين طبطبائي والقى كلمة تدعو الى فتح باب التعليم وكانت هذه المناسبة التي أدت الى نشأة المدرسة المباركية من شهر مارس لسنة 1910".
   واشار الى ان النساء كانت لهن جلسات لقراءة المولد أو قصة المولد وكانت هناك سيدة صالحة تسكن في (فريج) الشاوي تحيي المناسبات الدينية كان يطلق عليها "مطوعة أمينة" وجرى عليها اسم (أمينة ليهره) أي الجهراء وربما تكون جاءت من هناك بداية حياتها.
   وقال ان أمينة كانت تقرأ (المالد) في موعده وتتجمع حولها النسوة للاستماع وترديد الأدعية والصلاة على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كما يتجمع الأولاد خارج بيتها للعب والصخب ويبتاعون ما يشاؤون من حلوى من الباعة المتجولين.
   وذكر الدكتور الغنيم ان (البرزنجي) هو زين الدين جعفر بن حسن البرزنجي المتوفى في سنة 1764 وقد عرف بأنه فقيه أديب من أهل المدينة المنورة ولد فيها ونشأ وتوفي ويتألف كتابه من 23 صفحة من القطع المتوسط و كتبت على هيئة فصول غير مسماة بحيث نستطيع ان نسميها وقفات وتعتبر هذه الوقفات فرصة لقارئ المولد ليرتاح كلما قطع مرحلة من مراحل القراءة.
   وقال انه عندما يتوقف القارئء يبدأ الحاضرون بالدعاء التالي بصوت منغم عال (عطر اللهم قبره الكريم بعرف شذى من صلاة وتسليم) وعندما يتوقف هؤلاء عن الدعاء الذي يقومون بترديده أكثر من مرة يستأنف القارئ قراءته وهكذا حتى النهاية.
   وذكر ان (المالد) في الكويت له أنواع أخرى بينها تجمعات ينشد فيها مختصون الاناشيد الدينية المتنوعة مستذكرا في هذا الصدد ان "بيتا كان قريبا من بيته القديم في فريج الشاوي أقام اصحابه حفلة مولد وحضرها شخصيا في تلك الليلة التي أقيمت فيها جلسة المالد بعد صلاة العشاء".
   وقال "كانت ساحة البيت (الحوش) مفروشة بالحصر عليها سجاد يجلس فوقه المشاركون في الأناشيد الدينية وجلس الرجال ضمن صفين متقابلين على صفة الجلوس في الصلاة ووقف في الطرف بين الصفين رجل عليه مهابة السن هو المنشد وكان يقرأ أجزاء من قصة المولد".
   واضاف " ثم كان المنشد يتلو ذلك بنشيد طويل يقدمه بتنغيم جميل وبصوت عال وعند بعض الوقفات التي يقفها الرجل كان الجلوس يردون عليه بعد أن يقفوا نصف وقوف بأن يرفع كل منهم جذعه الأعلى وتبقى الساقان والركبتان على الأرض ومن ذلك ان المنشد أو الملا عندما يصل بالنشيد الى قوله (بشراكم يا ماديحين محمدا/نلتوا الهنا بالفوز والبركات) يهب الجالسون وهم (الردادة) قائلين (اللهم صل عليه..اللهم صل عليه).
   وذكر ان الحضور يمضون الليل وهم ينشدون الى أن يصلوا الى نهاية حفلهم هذا وعند ذلك يهموا بالوقوف متقابلين ليرددوا نشيدا موحدا بينهم ثم يقدم لهم طعام العشاء أما المشاهدون والضيوف فيجلسون على الأرض ويحيطون بهم والباب عادة يكون مفتوحا والدعوة عامة.
   واستعرض الدكتور الغنيم بعض الاسماء التي تميزت بإجادة الانشاد كالمرحوم علي حسين الحسيني وهو قارئ للقرآن في الاذاعة وكان معروفا ومنشدا من الدرجة الأولى والمرحوم يعقوب اللوغاني وهو مبدع في هذا المجال أما لحن الختام فكان نشيدا قصيرا مما يرددومن ذلك (دع طرق الغي/فالدنيا في/الكل يفنى/والباقي حي).
   واشار الى فرق كانت آنذاك تحت اشراف مسؤولين يؤدون ما تحتاج اليه من خدمات أثناء المالد وقبله من تقديم الأدوات والمشروبات والمأكولات وغيرها لأفراد الفرقة وللحاضرين بحيث يقدم لهم كل ماهو على مستوى راق من الاتقان ويكون اللقاء بعيدا عن الفوضى التي تعم في أماكن التجمعات.
   وبين ان فرقة الشيخ محمد الدوب كانت من اهم الفرق الخاصة بالمالد وأكثرها شهرة ويطلب الدوب لأداء المالد في المنازل وفي الديوانيات ويحتشد الناس لسماعه وصارت له أناشيد معروفة ومحفوظة في أذهان الناس ومنها النشيد المشهور  في ذلك الوقت (صلى عليك الله يا العدنان/يا المصطفى يا صفوة الرحمن).
   وقال الدكتور الغنيم ان الملا محمد الدوب كان يخلط في بعض الأحيان بين بعض الألفاظ الدارجة التي تتعلق بأحد الصالحين وأبيات من قصائد معروفة.
   وفيما يتعلق بقراءة القرآن الكريم بأصوات المقرئين التي نسمع أمثالها الآن في الاذاعات المرئية والمسموعة أوضح انها كانت قراءة ذات أنغام معروفة تميز فيها كل مقرىء بقراءة معينة وأداء معين حيث استمعنا قديما الى هذا النوع من القراءة المجودة من الاذاعات ثم حضر الى الكويت الشيخ محمد محمد البحيري وهو مقرىء للقرآن الكريم.
   وأوضح ان الشيخ البحيري جاء للتدريس في المعهد الديني سنة 1952 وكان صوته قويا  وجميلا "وهو أول صوت سمعناه مباشرة في معهد الكويت الديني وعند صلاة العصر قام بأداء آذان هذه الصلاة بصوته الذي لم نسمع مثله من قبل ثم صار يقرأ القرآن في المناسبات كلها في الكويت ويدرس القرآن الكريم للطلاب في الوقت نفسه وحضر بعده عدد من المقرئين".
   وذكر ان عددا منهم كانوا يقرأون قبل صلاة الجمعة في مسجد السوق ويجتمع حولهم الناس وللشيخ البحيري تسجيلات كثيرة في اذاعة الكويت ولا تزال هذه الاذاعة تقدم قراءات منها بين وقت وآخر.
   وقال الدكتور الغنيم ان عددا من طلاب معهد الكويت الديني تطلعوا الى تلاوة القرآن الكريم بعد ان مهد لهم مدرسو المعهد الطريق لذلك فبرز الاستاذ ناصر ملا حسين ثم الاستاذ على حسن الحسيني ثم الاستاذ عبد الحميد السيد وكانوا يقرأون القرآن مجودا في المناسبات التي يتم الاحتفال بها في المعهد وفي خارجه.
   وأشار الى أن اذاعة دولة الكويت استقطبتهم بعد ذلك فصاروا من مقرئيها ولهم تسجيلاتهم عندها الى اليوم ولقد غيَّر الأستاذ عبد الحميد السيد طريقه بعد ذلك فأخذ بانشاد التواشيح الدينية.(النهاية)

   م ف / ت ب